العدد 64 - ثقافي
 

محمود الزواوي

فيلم «الشك » هو الفيلم التاسع والأربعون للممثلة ميريل ستريب، أقدر الممثلات الأميركيات المعاصرات، خلال مشوارها السينمائي الذي امتد أكثر من ثلاثين عاما. ميريل سجلت في هذا الفيلم رقما قياسيا جديدا في عدد الترشيحات لجائزة الأوسكار التي يحققها أي ممثل، وهو خمسة عشر ترشيحا.

يستند «الشك » إلى سيناريو لمخرج الفيلم جون باتريك شانلي، مبني على مسرحية من تأليفه بعنوان «الشك: شيء رمزي » صدرت العام 2004 ، وفازت بجائزة «بيوليتزر » المرموقة، وبجائزة «توني » المسرحية التي تُمنح لأهم المسرحيات التي تُعرض على مسارح برودواي العريقة في نيويورك. تقع أحداث الفيلم في مدرسة كاثوليكية في حي برونكس بمدينة نيويورك. تتمحور القصة حول أربع شخصيات رئيسة، هي:

مديرة المدرسة الراهبة المتزمتة ألوسيس بوفييه )الممثلة ميريل ستريب(، والقس المتحرر بريندان فلين )الممثل فيليب سيمور هوفمان(، والراهبة الشابة البريئة جيمس )الممثلة آمي أدامز(، ومسز ميلر )الممثلة فيولا ديفيس(، وهي والدة طالب أسود مراهق في المدرسة.

تشك مديرة المدرسة بعلاقة القس بطالب مراهق )الممثل جوزيف فوستر(، هو أول طالب أسود يُقبل في تلك المدرسة في بداية فترة الدمج العنصري في الولايات المتحدة، وتكلّف الراهبة الشابة بمراقبة تصرفات القس. تنقل الراهبة الشابة شكَّها للراهبة المتزمتة في وجود علاقة غير سوية بين القس والصبي. فالقس لا يكتفي بتشجيع الصبي في الألعاب الرياضية وباختياره ليكون خادم الكاهن في مراسم القداس بالكنيسة، بل يختلي به في مقر راعي الأبرشية. تحكم مديرة المدرسة بالذنب على القس فلين، وتشن عليه حرباً شعواء لطرده من الكنيسة، رغم تراجع الراهبة الشابة عن شكوكها في تصرفات القس. تستبد بالمديرة الراهبة فكرة تدمير القس بأي ثمن، غير عابئة بشيء، بخاصة أن نظرته التحررية والتقدمية نحو الأمور تثير حافظة راهبة متزمتة وحازمة مثلها تدير مدرستها بقبضة من حديد. تنشأ بين الاثنين سلسلة من المواجهات الحادة دون أن يتخلى أي منهما عن موقفه، فيما تقع الراهبة الشابة في موقف تعجز فيه عن القيام بأي شيء.

تمثل الراهبة الشابة، إلى حد كبير، جمهور المشاهدين. فهي تسمع وترى الأدلة لصالح القس فلين وضده، شأنها في ذلك شأن الجمهور الذي يشاهد الفيلم، وتتوصل إلى نتيجة في قرارة نفسها، لكنها لا تستطيع أن تجزم أن موقفها هو الموقف الصحيح. تقع أحداث قصة فيلم «الشك » في مرحلة تاريخية انتقالية حاسمة، حيث كانت موجة من التغيرات الاجتماعية والسياسية والدينية تجتاح المجتمع الأميركي بمجمله. إذ تقع تلك الأحداث بعد مرور عام على اغتيال الرئيس جون كنيدي، وتزامنت مع مجموعة من التطورات الحاسمة، مثل: بدايات حرب فيتنام، وانتشار حركة الحقوق المدنية، وبدء عملية الدمج العنصري في المجتمع الأميركي، وتطبيق الإصلاحات التي نادى بها الفاتيكان في الكنيسة الكاثوليكية.

تبدأ أحداث «الشك »، بوعظة في الكنيسة للقس فلين يسأل فيها الحاضرين: ما الذي تفعلونه حين لا تكونون متأكدين؟ تتمحور فكرة الفيلم حول الصراع بين الشك واليقين، وتدخل القصة في مأزق أخلاقي لا تتمكن من الخروج منه بشكل كامل. ويمثل الصراع بين الراهبة مديرة المدرسة ألوسيس والقس فلين الصراعَ بين القديم والجديد، وبين الوضع القائم والتغيير، وبين المعصومين عن الخطأ في الكنيسة وعدم اليقين. يتركنا كاتب السيناريو ومؤلف المسرحية جون باتريك شانلي دون التوصل إلى حل، وفي شك من أمرنا. يتميز الفيلم بقوة الإخراج والحوار والسيناريو. ولعل أكثر ما يميزه هو قوة أداء ممثليه الرئيسين الأربعة، وفي مقدمتهم الممثلة ميريل ستريب الحائزة على اثنتين من جوائز الأوسكار، وهي ممثلة تعيش أدوارها السينمائية، وتغوص في أعماق الشخصيات التي تجسدها على الشاشة. رُشح «الشك » لما مجموعه 41 جائزة سينمائية، منها خمس من جوائز الأوسكار لأبطال الفيلم الأربعة: ميريل ستريب، وفيليب سيمور هوفمان، وأمي أدامز، وفيولا ديفيس. وفاز الفيلم بثماني جوائز، ذهب أربع منها لميريل ستريب، هي جوائز: أفضل ممثلة من نقابة ممثلي السينما الأميركيين، ورابطتي نقاد السينما في واشنطن وكانساس سيتي، ونقاد السينما الإذاعيين، إضافة إلى ترشيحها لست جوائز أخرى.

فيلم "الشك": صراع بين اليقين ونقيضه
 
19-Feb-2009
 
العدد 64