العدد 64 - ثقافي
 

معن البياري

بثت فضائيات عربية برامج وثائقية عن قضية فلسطين ومسارها وتاريخها، وأعادت أخرى عرض مسلسلَي «الاجتياح » و «التغريبة

الفلسطينية »، وهما أحدث ما تم إنتاجه من دراما عن الموضوع الفلسطيني. المسلسل الأخير، منذ بثه الأول على شاشة «إم بي سي » في شهر رمضان 2005 ، حظي بعروض في فضائيات غير قليلة، وتكررت مشاهدتُه في بعضها لأكثر من مرة، وبمناسبة أحداث غزة، بثته مجدداً «الشارقة » و «اليمنية » و «القطرية » و «المنار ». وهو من إخراج حاتم علي، وكتابة وليد سيف، وبطولة نجوم سوريين وأردنيين، منهم: خالد تاجا، وتيم حسن، وجمال سليمان، وجولييت عواد. وعلى غير هذا الاحتفاء بذلك العمل المتميز، كان تعامل الفضائيات العربية مع «الاجتياح » للتونسي شوقي الماجري، وبطولة نجوم أردنيين وسوريين، منهم: عباس النوري، ومنذر رياحنة، وصبا مبارك، ومحمد القباني، ونبيل المشيني، ونادرة عمران. فقد اقتصر عرضه على «إل بي سي » في رمضان 2007 ، ولم تكترث فضائيات أخرى به، إلى أن فطنت إليه بعضها بعد فوزه في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت جائزة «إيمي » العالمية للدراما التلفزيونية في نيويورك، فبدأت عرضَه «إم بي سي » أثناء العدوان على غزة، وسط دعاية كبيرة للحث على مشاهدته، وتبثه حالياً فضائيتا: «الليبية » و «الساعة .» العملان، وهما لمخرجين كبيرين في راهن الدراما العربية، يستحقان ثناء خاصاً، لما توافرا عليه من حيوية في الصورة ومن جماليات رائقة. وفيما ينصرف «التغريبة الفلسطينية » إلى مسار القضية منذ ما قبل ثورة 1936 إلى هزيمة 1967 ، ينشغل «الاجتياح » بالصمود والمقاومة الباسلة التي خاضها الفلسطينيون في أثناء عدوان «السور الواقي » في الضفة الغربية في شتاء 2004 ، ويركز على معركة مخيم جنين التي تعد مأثرة في الكفاح الفلسطيني. وعلى ما بينهما من اختلافات في الخيارات الفنية والإخراجية، فإن المسلسلين لا يغفلان عن تفاصيل الحياة الفلسطينية العامة، في القرى والأرياف والمدن. ونجح عمل وليد سيف وحاتم علي في تقديم الفلسطينيين، بطباعهم وهواجسهم وخيباتهم ومكايداتهم ومراهقات أطفالهم وأحلامهم وفقرهم وأعراسهم، وهوس بعضهم بالزعامة والوجاهة، ولهجاتهم وتنوع ملابسهم وطعامهم، وتمايزات أهل المدن بينهم عن الفلاحين. ونجح، بتكامل الموسيقى التصويرية فيه مع الأداء التمثيلي الموفق، في تظهير مختلف المناخات الاجتماعية الفلسطينية في الداخل وبعض المغتربات المجاورة. وإذا كان «الاجتياح » الذي أنتجه المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية في عمّان، وكتبه رياض سيف، وشارك في إنجاز السيناريو ياسر قبيلات وآخرون، قد استرسل في قصة حب لم تبدُ في بعض جوانبها مقنعة إلى حد كاف، فإنه أصاب توفيقاً ملحوظاً في تظهير تنوع الفلسطينيين، وأبرَزَ دواخل أفراد منهم في لحظات غضب وحزن وقهر، والتقط شحنات نفسية دالة في غضون أحداث شديدة الحدّة ميدانيا ووطنيا، وتقاطعت مشاعر حب إنسانية مع حكايات عن حرب دامية وعدوان شرس. انتباه فضائيات عربية في لحظة غزة الراهنة إلى هذين المسلسلين، ليس بسبب جدّتهما وتميزهما فقط، بل أيضا لفقر أرشيف وذاكرة التلفزات العربية من الأعمال الدرامية التي اعتنت بالموضوع الفلسطيني، وهي معدودة وقليلة جداً، وكلها أردنية وسورية، وإن لم تخلُ الدراما المصرية من حضور لقضية فلسطين فيها، بالنظر إلى ارتباط هذه القضية في محطات غير قليلة بمصر، وهناك أعمال توفقّت في ذلك، وأخرى أخفقت، ودسّت مسلسلات وقائع فلسطينية في بعض حلقاتها بشكل افتقر إلى الإقناع، كما في جزء من «ليالي الحلمية » ومسلسل فاتن حمامة «وجه القمر .» من ذاكرة التلفزيون القريبة، مسلسل «الدرب الطويل » الذي تبثه منذ أيام فضائية «فلسطين »، وهو من إخراج صلاح أبو هنود، وأنتجته شركة في دبي العام 2000 . ولعلها حالة شديدة الاستثنائية أن يكون «التغريبة الفلسطينية » هو نفسه هذا العمل، بمعظم مشاهده وتفاصيله والحوارات فيه، ذلك أن كاتبه وليد سيف بدا أنه ليس راضياً عن «الدرب الطويل »، وأحس أن العمل كما أنجزه على الورق لم يتم تنفيذه كما يحب، ولم يجد حاتم علي مانعاً من إعادة تقديمه في المسلسل الذي صار شهيراً، وانزوى سلفه إلى النسيان، ولم يحظ بالتفات خاص إليه. وهو من بطولة: عباس النوري، ومحمد العبادي، ومحمد القباني، ونادرة عمران، والراحل حسن إبراهيم. ويبدو هذا المسلسل بارداً وفاتراً في إيقاعه، تغيب عنه الروح الشعبية الدافئة التي كانت ثرية الحضور في منجز حاتم علي، ولم تسعفه قراءات خالد أبو خالد لقصائد لإبراهيم طوقان، ووليد سيف، ومحمود درويش، في توفير الحيوية والحرارة اللازمتين لعمل كهذا، يعتني بموضوع كبير ومسار طويل. هي دعوة هنا إلى أن تعيد الفضائية الأردنية بث الأعمال الدرامية القديمة التي تتناول القضية لأجيال جديدة من المشاهدين، الأردنيين والعرب، وهي مسلسلات تؤشر إلى دراما أردنية عالية القيمة والمهنية، قد يساهم إعادة عرضها في اللحظة الراهنة في إيقاظ انتباه صنّاع الدراما التلفزيونية إلى الموضوع الفلسطيني في مساره الطويل وتفاصيله ومنعرجاته العديدة، وفي البال أن ما في أرشيف الدراما العربية عن القضية الفلسطينية محدود جداً. وهذا لا يلغي أهمية التذكير بالجيّد والقيم فيها، وإعادة عرضه، ومنه في الدراما السورية مسلسل «عز الدين القسام 1985( » (، الذي أخرجه هيثم حقي وكتبه الشاعر أحمد دحبور، وبطولة أسعد فضة. وكذلك «نهارات الدفلى 1995( » (، وكتبه الشاعر فواز عيد وأخرجه أحمد زاهر، ويتناول مراحل مبكرة في تاريخ القضية الفلسطينية. وهناك «عائد إلى حيفا »، عن رواية غسان كنفاني من إخراج باسل الخطيب وسيناريو وحوار الراحل غسان نزال وبطولة سلوم حداد، ولم يحظ بالرواج الذي يستحقه منذ إنجازه العام 2005 ، رغم مستواه الفني الجيد، وقد شوهد على شاشتي «القطرية » و «الشارقة .» وأنجز المخرج نفسه، في العام نفسه، مسلسل «عياش » عن الشهيد يحيى عياش، وبادرت فضائية «المنار » وحدها إلى عرضه، وهو من تأليف ديانا جبور وبطولة سامر المصري ولورا أبو أسعد، وكان لافتاً أن زوجة الشهيد أشهرت انتقادات بشأنه. ووحدها «المنار » انفردت بعرض حلقات من مسلسل «الشتات »، من إخراج عزمي مصطفى وكتابة فتح الله عمرو، وهو الذي وُوجه باعتراضات أميركية وغربية وعربية عليه، ولم يحقق أي جاذبية لمشاهدته، ونُسب إلى مسؤول في فضائية حزب الله قوله إن عرض هذا المسلسل كان خطأ، ربما بسبب تعريضه باليهود، وهو مستوحى من «بروتوكولات حكماء صهيون »، ويعتني بنشأة الحركة الصهيونية، ويؤدي فيه شخصية تيودور هرتزل النجم عباس النوري. ويتبدى من الإطلالة، الموجزة أعماله، على أهم الأعمال الدرامية التلفزيونية حول القضية الفلسطينية، أن «الاجتياح » ليس وحده الذي لم يأخذ حقه في فرص التسويق والترويج اللازمين لكي تتم مشاهدته من بين المسلسلات عن فلسطين، وذلك يعود إلى حسابات ومحاذير معلومة وغير معلومة، وأيضاً إلى اللامبالاة وعدم الاهتمام، وإلى مخاوف من مضامين غير محبذة لدى القائمين على فضائيات كثيرة، جعلت شيئاً من الحصار غير المعلن على مثل هذه الأعمال. كما أن قلة الأعمال التلفزيونية عن الموضوع الفلسطيني ومساره، تاريخاً وراهناً، تعود إلى عدم حماسة التلفزات العربية له، وعدم توافر نصوص قوية قادرة على جذب مشاهدة عريضة. ولعل الرهان المأمول هو في التفات صناع الدراما، من كتّاب ومخرجين، إلى قصص إنسانية في مسار الوجع الفلسطيني الطويل، ما قد ينقذ المسلسلات عن القضية من الدوران في التوثيق والتأريخ، والذي يحدث أن يسقط في تقصّد الفلكلورية والفرجة التسلوية، وسطحية العبور على محطات كانت بالغة الأثر على القضية الفلسطينية، وربما ما زالت.

دراما القضية الفلسطينية: أرشيف فقير في الفضائيات
 
19-Feb-2009
 
العدد 64