العدد 64 - حريات
 

ميسون برهومة

تفرض محدودية فرص العمل بالنسبة للخريجين الجدد، شروطاً يضطرون لتقبّلها في بيئة الوظيفة، رغم أنها قد تسبب لهم الضيق، وتؤثر في راحتهم النفسية، وتسلبهم بعض حقوقهم الوظيفية الطبيعية. من ذلك، نظرة نمطية يوجهها لهم زملاؤهم في العمل ممن هم أكثر خبرة وأكبر سناً، مفادها أنهم محدودو الكفاءة، ولا يحق لهم إبداء رأيهم في قضايا العمل، أو المشاركة في اتخاذ قرارات تتعلق بتطويره، فيما تحصرهم تلك النظرة

التقليدية في تنفيذ الأوامر والتوجيهات الوظيفية، متجاهلة ما قد يتوافرون عليه من قدرات على الابتكار والإبداع، وما قد يحملونه من أفكار جديدة مفيدة، وهي أجواء قد تمس كرامة الموظف الجديد، وتعرّضه لتعامل غير لائق.

هذه الظروف، عاشتها تغريد هديب )معلمة، 30 سنة( حين تسلّمت وظيفتها بعد شهور من تخرّجها. تعتقد تغريد، بعد خدمتها عدة سنوات في المهنة، أن الأمر كان مردّه «صراع أجيال » بين معلمين ذوي خبرة، وزملائهم الجدد. المعلمون القدامى رفضوا أن يتحملوا العبء الوظيفي ذاته المخصص للمعلمين الجدد، بدعوى أنهم «مخضرمون وكبار بالعمر المهني »، مطالبين بتمييزهم والتخفيف عنهم، وهي تعتبر أن التمييز ليس

عادلاً، ولا ضرورة له. يعتقد خريجون جدد، أن طبيعة المهنة يمكن أن تحول دون وقوع مثل تلك الاحتكاكات مع زملائهم من ذوي الخبرة. من هؤلاء، صهيب الحجايا )ممرض، 24 سنة(، الذي ينفي وجود مثل هذا «الصراع » في مهنته: «مهام كل ممرض محددة، وليس هناك ما نتصارع

عليه ». لكن وجهة نظر الحجايا، لا توافقها وجهات نظر معظم الموظفين الجدد ممن التقتهم "السجل" ميس عابد )موظفة في مصنع، 25 سنة(

تشير إلى أنها في أغلب الأحيان تقع في خلاف مع مدرائها وزملائها كبار السن، لأنهم «يروننا صغاراً »، كما تقول، معتقدة أن من الأجدى

«لو يتركوا لنا حرية العمل ويعطونا فرص العمل كما أخذوا فرصهم ». تشعر ميس أن زملاءها هؤلاء يخشون أن يأخذ الموظفون الجدد مكانهم في العمل. الموقف ذاته تتبناه سناء الشايب )سكرتيرة، 22 سنة(: «عليهم أن يتركوا لنا الحرية في العمل لأننا نستطيع العمل بنجاح »، لكنها تؤكد أن ذلك لا ينفي ضرورة «أن نحترم الزملاء كبار السن .» أما منال حامد )معلمة، 25 سنة(، فتعبّر عن انزعاجها من نظرة المعلمات كبيرات السن إليها، مؤكدة أنهن لا يثقن بها وبقريناتها: «يعتبروننا صغاراً كأننا ما زلنا طالبات في المدرسة .»

غير أن عدداً من الموظفين كبار السن، وذوي الخبرة، اعتبروا أن طبيعة تعاملهم مع زملائهم الجدد تعتمد على تصرفات هؤلاء الزملاء. فبينما يشير عمر )عامل في متجر، 22 سنة( إلى أن خلافه مع زملائه أصحاب الخبرة سببه تدخلهم في خصوصياته، ومنها لباسه، فإن زميلاً له في المتجر نفسه، هو جهاد حسن ) 45 سنة( يعتبر أن سلوك «عمر » وأقرانه يتسبب بمشكلات تؤثر سلبياً في التجارة: « أواجه مشاكل عدة عندما يعمل في المحل شاب صغير. الشبان الصغار يغضبون الزبائن من كلامهم وهيئتهم وأغانيهم .» وجهة نظر قريبة يعبر عنها محمد سعيد )مدقق مالي، 43 سنة(، شارحاً أن «من يأتي للمكتب للتدرب أو العمل من حديثي التخرج يتصرفون كالأطفال، فهم ليسوا ناضجين بما فيه الكفاية » . يطالب محمد الجامعات بأن «تخرّج الطالب الناضج وليس الطفل » لأن ذلك يؤثر على جودة العمل. أما كامل صلاح )نائب مدير، 39 سنة(

فيعزو هذه الخلافات بين «الأجيال » إلى كون «حديثي التخرج يحملون أحلاماً وردية ولا يتحملون مسؤولية تجاه أي شيء ». لكن صلاح

يضيف مستدركاً «أصادف أحياناً طلبة جامعات مبدعين ورائعين، لكن هؤلاء عددهم قليل .» نشوب خلافات في بيئة العمل على أساس

السن، يؤكده مدراء ومشرفون في مواقع العمل. عبد الحميد أبو رياش )مدير إنتاج، 52 سنة( يشير إلى أن أكثر مشاكل العاملين التي يواجهها تنشأ بين الكبار والصغار بالسن، ويفسر ذلك بأن «الجيل اليافع يرفض وجود مسؤولين عنه، ويعتبر توجيهات المدير تسلطاً ». أبو رياش يعتبر هذا الفهم خاطئاً لأن «المصنع يحتاج قانوناً لضبطه، وخبرة كبار السن تفوق خبرة الصغار ». لكنه لا يلقي اللوم على طرف دون الآخر، ف « الجيل الصغير متحرر ولا يضبطه شيء، أما الكبار فيريدون إبقاء الأشياء كما اعتادوا عليها من دون تغيير .»

القول ب صراع الأجيال » يتبناه خالد عثمان، المشرف الاجتماعي في أمانة عمان، معتبراً أن الأمر قد يكون مردّه شعور الموظفين كبار السن بأن الموظف الجديد سيكون «نداً لهم ومنافساً قد يحل محلهم أو يغير طبيعة العمل التي اعتادوا عليها »، يقول إن بعض المسؤولين كبار السن عمدون ل « احتضان الموظف الجديد بهدف قولبة أفكاره وفق نمطهم » معتبراً أن ذلك «يحد من خصوصية الموظف الجديد .» يُشار إلى أن التشريعات المعمول بها تتبنى فكرة الترقية على أساس العمر والخبرة، فيحوز الأكبر سناً، في العادة، على صلاحيات أكبر، تمكّنه من السيطرة على

زملائه الجدد.

"صراع الأجيال": يسلب الموظفين الجدد حقوقهم
 
19-Feb-2009
 
العدد 64