العدد 64 - كتاب
 

تقديراً لأهمية الطاقة وقواها المحركة في جهود التنمية الاقتصادية، وتيسير الظروف الحياتية، وسعياً من أجل تجنب مخاطر الاعتماد على الاستيراد، بادرت مجموعة من فعاليات الرأسمالية الوطنية الأردنية العام 1958 ، وبالتنسيق والتعاون والدعم الحكومي، إلى تأسيس شركة مصفاة البترول الأردنية لتكون الشركة الأولى في إنتاج معظم المشتقات من النفط الخام، وذلك وفق اتفاقية امتياز حكومي ضمن للشركة العمل لمدة ) 50 ( خمسين عاماً على أساس شروط وبنود تعطي لرأس المال المحلي حرية النشاط، ولكن في نطاق مشاركة وإشراف وإمكانية تدخل حكومي يحافظ على التوازن في الاتجاهين.

وبالفعل، نجحت مصفاة البترول في نشاطها بعد ذلك في توفير المشتقات النفطية الأساسية، وفي توزيعها، وبأسعار تشترك الحكومة في تحديدها، كما تم تنفيذ أكثر من مشروع ذاتي لتوسعة وتطوير إنتاجها، ولتصبح أحد المرتكزات المستقرة في بنية الاقتصاد الأردني وحتى وقت قريب.

ومؤخراً برزت الحاجة في الأردن إلى المزيد من توفير المشتقات النفطية في موازاة ونمو وتوسع النشاط الاقتصادي وتغيّر وتنوّع استهلاكات الطاقة. وكان من الضروري، وما يزال، التوجه نحو توفير مصادر جديدة للطاقة، بما في ذلك الاستفادة من الطاقة الشمسية، والهوائية، والمائية، والنووية إلى جانب التقليدي منها مع توسيعه وتطويره، وهو خيار تأخر كثيراً مع الأسف في ظروف الاعتماد بدلاً من ذلك على استيراد الناقص من المشتقات التي تزيد عن طاقة الشركة الإنتاجية.

الخيار الأفضل في الفترة الأخيرة كان اتخاذ قرار بتمديد امتياز شركة المصفاة لمدة ) 10 ( سنوات، على الأقل بعد انتهائه العام 2008 ، وأن يرافق ذلك تحرك من أجل تمويل محلي لمشروع إجراء توسعة إنتاجية رابعة للشركة في الموقع نفسه، أو في موقع آخر لتجنب إشكاليات التوسع مع ظروف الامتداد العمراني حول موقع المصفاة، كما أنه كان، وما يزال، هناك خيار آخر مقبول، وهو تأسيس شركة وطنية جديدة للتكرير في موقع آخر يحقق المزيد من الأمن الاقتصادي والسياسي للبلاد، وأن تستكمل هذه الخيارات بمشاريع تنويع مصادر استيراد النفط الخام، ومنافذ استيراده، ووسائل إيصاله إلى المصافي عبر أنابيب أو بعربات السكك الحديدية، أو حتى بتوسيع أسطول النقل البري.

ولكن بدلاً من هذه الخيارات تبنى الأردن مؤخراً العام 2008 توجهاً منقوصاً تمثل في إنهاء عقد امتياز المصفاة، واستبداله بترتيبات متناثرة مؤقتة تمكّن الشركة من الاستمرار وحدها في قطاع التكرير، مع الطلب إليها البحث عن «شريك استراتيجي » أجنبي، يشارك أو يساهم في المشروع الملح بإجراء توسعة رابعة في المصفاة، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن رغم تكرار المحاولات، ربما لعوائق فنية، أو لأسباب أمنية، أو لضعف الجدوى الاقتصادية للتوسع وللمشاركة.

ورغم المزايا المتعددة، تنظيمياً وإجرائياً واقتصادياً، لوحدة «النشاط الإنتاجي التوزيعي » في الشركة نفسها، فإنّ خطة الطاقة الحكومية أصرت

على أن تجرى عملية توزيع المنتجات النفطية للمصفاة من خلال السماح بتأسيس أربع شركات جديدة للتوزيع )تسويق المنتجات المحلية(، مع تمكينها أيضاً من استيراد المشتقات من الخارج، وبما يتجاوز سقفاً محدداً من المنتجات المحلية!! إلى جانب تغطية لوجستية تخزينية خارجية.

تبعاً لما تقدم، أصبح وضع الطاقة وتوفيرها في البلاد من خلال أفضل البدائل مهتزاً، ولا يخفف من ذلك ما أعلنته وتعلنه هيئة ووزارة الطاقة

من استعدادها لاعتماد خيارات أخرى في حالة فشل خيار «مشاركة الشريك الاستراتيجي » في مشروع التوسعة الرابع للمصفاة الحالية، وهي خيارات لم تخرج عن التوجه لتأسيس شركة جديدة للتكرير ليس من السهل أن تنفذ في وقت قصير، أو تبني خيار أسوأ، وهو العودة إلى التوسع في استيراد مشتقات نفطية تعجز القدرة الإنتاجية الحالية للمصفاة عن إنتاجها، أو إنتاجها بجودة أفضل.

مركزية توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية اهتزت في ضوء تنفيذ سلسلة من عمليات خصخصة جزئية أو كلية لشركات كانت تمتلكها الحكومة إلى شركات خاصة غير أردنية، وتباطؤ الجهود لتنفيذ مشروع إيصال الغاز بالأنابيب إلى المنازل في المدن والمحافظات الأكثر اكتظاظاً بالسكان.

وفي الأثناء، لم يحظ ترشيد وتقليص استخدام الطاقة، في المنازل وفي المصانع والمؤسسات والسيارات بإدخال واستخدام التقنيات المساعدة على ذلك وبما يستحقه من عناية من الحكومة ومن القطاع الخاص. وحتى لا ندخل في أزمة طاقة خانقة محتملة، لا يخفى على أحد تداعياتها الخطرة على أكثر من صعيد، فإن من الأهمية بمكان المسارعة إلى إجراء دراسة شاملة جديدة لخيارات الطاقة المختلفة واعتماد أفضلها وأكثرها توازناً وجدوى، وفي أقرت وقت.

أحمد النمري: مسالك وعرة في إدارة الطاقة
 
19-Feb-2009
 
العدد 64