العدد 64 - اقتصادي
 

محمد علاونة

تثير الزيادة في حجم التسهيلات الممنوحة من البنوك الأردنية العام الماضي تساؤلات عما إذا كان جزء منها إعادة جدولة ديون أو فوائد تأخير، وذلك في ظل التشدد الذي انتهجته تلك البنوك في منح تسهيلاتها لقطاعي التجارة والعقار في صورة خاصة.

تحفظ البنوك هذا أثر سلبا في حجم السيولة مثلما أثر في قطاعات أخرى، حيث جاءت شروط التسهيلات مغايرة تماما لتلك التي كانت قد منحت في النصف الأول من العام 2008 ، والتي شدد عليها البنك المركزي في تقريره الصادر نهاية العام 2008 بالقول: «إن الاعتماد على الاقتراض من البنوك المرخصة لتوفير التمويل المطلوب للقطاع الخاص ما زال كبيرا في تلك الفترة، وذلك في ضوء عدم التطور الكامل لأسواق الأسهم والسندات ،» فقد توسعت البنوك، بحسب «المركزي » في نشاطها الإقراضي منذ منتصف العام 2008 ليصل رصيدها إلى مستوى يزيد على اثني عشر بليون دينار.

وبدا ذلك واضحاً عندما اشتكت نقابة تجار المواد الغذائية، على لسان نقيبها خليل الحاج توفيق، من أن التجار واجهوا صعوبات مع البنوك في تسهيل الحصول على اعتمادات أو التحرك بحرية في حسابات «الجاري مدين » وفي إجراءات اعتمادات الاستيراد، أما العقار فقد بيّن رئيس جمعية المستثمرين في القطاع زهير العمري، أن شركات العقار والمواطنين على حد سواء لمسوا تشددا من قبل البنوك في الحصول على تسهيلات.

بيد أن الخبير المالي والمصرفي رجائي القسوس، يرى بأن منح التسهيلات من قبل اتخذ أحجاما متفاوتة ما بين شهر وآخر، إذ كانت زيادتها ملحوظة في النصف الأول من العام الماضي، بينما تذبذبت في فترات أخرى. القسوس كشف عن سماح البنك المركزي للبنوك بإعادة جدولة القروض لمرة واحدة، خصوصا للمقترضين الذين يحتاجون إلى سيولة لفترة مؤقتة، وهو ما تترتب عليه فوائد إضافية.

« المركزي » يقر بوجود مخاطر في حال المبالغة في منح التسهيلات التي تغذي الضغوط التضخمية في الاقتصاد الكلي وترفع من احتمال التعرض لمخاطر الائتمان التي تنعكس، ليس فقط على مؤسسات الجهاز المصرفي، وإنما على القطاعات المقترضة من الجهاز المصرفي، مع تشديده على عدم توافر بيانات كاملة لتقييم مخاطر المقترضين. أما الخبير الاقتصادي خالد الوزني، فلا يرى تناقضا بين حجم التسهيلات الممنوحة من البنوك خلال العام 2008 ، والتشدد الذي اعتبر أنه بدأ بعد شهر أيلول/سبتمبر، وإن كانت هنالك إعادة جدولة بشكل محدود،

بحسب قوله. « حين كانت البنوك تقوم بأداء دورها الرئيسي، وهو دور الوسيط مابين المودع والمقترض، كان أداؤها متوازنا ومتماشيا مع

الحركة الاقتصادية في البلاد »، يقول الوزني. أما مرحلة التشدد «فأخرجت البنوك من لعب دورها الأساسي، في ظل الحديث عن وجود أكثر من بليون دينار من السيولة لديها، ولم يتم إقراضها، وهو ما سينعكس على أدائها .» وهذا هو ما ذهب إليه القسوس في توقعاته بأن المرحلة الحالية ستكون مؤقتة، وبأن عجلة البنوك ستعود إلى الدوران خلال العام الجاري، «وإلا انعكس ذلك على أداء البنوك وأرباحها » كما يقول. ورغم استحواذ التسهيلات الممنوحة لقطاع الشركات على الحصة الأكبر من إجمالي التسهيلات، فإن حصة التسهيلات الممنوحة للأفراد، والتي غالباً ما تمثل تسهيلات استهلاكية، هي في ارتفاع، فقد انخفضت الأهمية النسبية للتسهيلات الممنوحة لقطاع الشركات من 76 في المئة العام 2002 إلى 73 في المئة في النصف الأول من العام 2008 . وقد جاء هذا الانخفاض لصالح التسهيلات الاستهلاكية للأفراد والتي ارتفعت أهميتها النسبية إلى 27 في المئة في النصف الأول من العام الماضي.

البيانات الصادرة عن البنك المركزي تشير إلى أن حجم التسهيلات الممنوحة من قبل البنوك العام الماضي ارتفع الى 13.29 بليون دينار نهاية العام 2008 ، من 11.49 بليون دينار العام 2007 . مصرفي يعمل في بنك خاص طلب عدم ذكر اسمه، قال إن إعادة جدولة ديون وفوائد متراكمة لعدم سداد أقساط كانت ضمن تلك الأرقام. وبيّن أن البنوك عادة ما ترفق بياناتها شهريا في نصف السنة ونهاية العام، متسائلا عن الزيادة الملحوظة التي طرأت على بند «الجاري مدين »، والتي بلغ حجم النقود الممنوحة من خلاله 1.57 بليون دينار، في الوقت الذي شكا فيه التجار من تشديد في هذا المجال. ومعروف أن حساب الجاري مدين يستخدم للتمويل القصير الأجل، ويوفر الحق باستخدام مبالغ نقدية تتجاوز الرصيد المتوافر في حسابات التجار والشركات. الحديث عن ارتفاع حجم تلك التسهيلات لفترة لا تمتد إلى أكثر من شهر، بحسب المصرفي «قد يكون في جزء ضئيل منه فوائد أو إعادة جدولة، ولكن لعام كامل كما حدث في العام 2008 ، فإن قيمة الفوائد المتراكمة لن تكون أقل من 9 في المئة من إجمالي التسهيلات الممنوحة .» «المركزي » أشار في تقريره الأخير إلى أن الديون غير العاملة ارتفعت في النصف الأول من العام 2008 إلى 503.2 مليون دينار في نهاية النصف الأول من العام 2008 ، إلا أنه اعتبر هذا الارتفاع بسيطا إذا ما قورن بالارتفاع الملحوظ في حجم التسهيلات الممنوحة التي ارتفعت خلال النصف الأول من العام 2008 بما مقداره 1.63 بليون دينار. ويقر البنك المركزي في تقريرهأخير له بانخفاض نسبة تغطية مخصص تدني التسهيلات للديون غير العاملة والتي تقيس المخصصات المقتطعة من قبل البنوك لمواجهة ديونها غير العاملة، إلى 67.8 و 64.9 في المئة للعام 2007 والنصف الأول من العام الماضي، مقارنة بأعلى مستوياتها في العام 2006 حيث بلغت النسبة فيه 80 في المئة. لكن المصرفي وصف ما لدى البنوك ب «التخمة المالية »، مع وجود أكثر من 18.3 بليون دينار ودائع بأنه أمر سلبي من جانبين، الأول: أن تلك البنوك رفعت أسعار الفوائد على الإيداع لحاجتها إلى سيولة، والآخر: أنعدم استخدام تلك الأموال في إعادة منحها كتسهيلات سينعكس سلبا على البنوك. لكن الوزني يوضح أن قرار الحكومة بضمان الودائع دفع عملاء من داخل الأردن وخارجه إلى زيادة مدخراتهم لدى البنوك، وهو أمر ايجابي، لكنه مشروط بإعادة جدولة ديون ومنح أخرى جديدة، لسببين الأول: أن هذه البنوك تحتاج تلك الفوائد لتصب في أرباحها نهاية العام، والثاني: عدم القضاء على شركات وأعمال هي الآن بحاجة لسيولة مالية مؤقتة، وتعثرها ينعكس على الاقتصاد الكلي بشكل عام. واعتبر تلك الودائع «فرصة ذهبية لتلك البنوك في تقديم تسهيلات نوعية لمشاريع حيوية عقارية وصناعية تعود بالنفع على البنوك أولا المستثمرين كذلك.

ارتفاع حجم تسهيلات البنوك بعضه جدولة ديون وفوائد متأخرة
 
19-Feb-2009
 
العدد 64