العدد 64 - دولي | ||||||||||||||
ستيفن غلين في ربيع 2002 ، دعت دبلوماسية أميركية، عبر تصريح قوي أدلت به بصفتها الشخصية، إلى علاقات وثيقة بين واشنطن ودمشق. وقالت لي إن العلمانية المتجذرة في سوريا تشكل أساسا قويا لعلاقة استراتيجية من شأنها تعزيز موقف واشنطن في الشرق الأوسط. وأضافت الديبلوماسية قائلة: "علينا ألا نعادي الشعب في سوريا، فهي بلد متعدد في طبيعته. وسبق أن كنا نتحدث في السعودية كيف أن لأمريكا مصالح مشتركة مع السعوديين ولكن مع قيم مختلفة. أما هنا فلدينا قيم مشتركة ومصالح مختلفة. هذا مجتمع نريد أن نعمل معه". بالطبع لم يكن ذلك أكثر من تصريح إنشائي، فلم يكن قد مضى على الانتفاضة الثانية ثمانية أشهر، ولم يكن قد مضى على وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد سوى عام. قبل أسبوع من ذلك كان وزير الخارجية الأميركي كولين باول قد دعا إسرائيل إلى إنهاء حصارها للمدن الفلسطينية، ودعا المتشددين الفلسطينيين إلى وقف عملياتهم الانتحارية ضد إسرائيل. وبعد أيام قليلة، خفف الضغط على الإسرائيليين، وعاد ليؤكد دعم واشنطن المعهود لحق الدولة اليهودية في حماية نفسها. اليوم، وصلت العلاقات السورية الأميركية أدنى مستوياتها على الإطلاق، في مؤشر آخر على عجز في الموروث الرئاسي الملتبس لباراك أوباما. فالسفير الأميركي في دمشق، الذي تم استدعاؤه بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005 ، لم يستبدل بعد، وفي الخريف الماضي، بعد أن أغارت القوات الأميركية المتمركزة في العراق على مواقع سورية، أغلقت دمشق المدرسة الأميركية ومركز اللغات الأميركي التابع للسفارة. تصحيح مسار هذه العلاقة سيكون صعبا بقدر ما هو ملح، وعليه فإنه من الجيد أن نرى قادة ديمقراطيين في واشنطن يأخذون زمام المبادرة في ذلك الاتجاه. الأسبوع الماضي، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أنها ستسمح لشركة بوينغ بتصدير قطع الغيار إلى سوريا، وهو تخفيف نادر للعقوبات التي فرضتها إدارة بوش على دمشق. تأتي هذه الخطوة بعد أن قامت رئيس مجلس النواب نانسي بيلوسي بزيارة دمشق مؤخرا، حيث التقت الرئيس بشار الأسد. كما ينتظر أن يصل العاصمة السورية هذا الأسبوع جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وأحد المتحمسين لتقوية العلاقات السورية الأميركية. ومن المتوقع أيضا أن يزور سوريا قريبا هوارد بيرمان الذي يرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. هذا الحجيج الدبلوماسي، الذي يتم تنسيقه مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، يوحي بإحياء للمسار السوري الأمريكي الصعب الذي غذاه جيمس بيكر عندما كان على رأس الدبلوماسية الأميركية في إدارة جورج بوش الأب. التوجه الإسرائيلي نحو اليمين وانشغال السلطة الفلسطينية في حرب صراع القوى سيجعل التقدم على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية شبه مستحيل إلى حين انقضاء النصف الأول من إدارة أوباما. حتى لو تمكن الرئيس أوباما من أخذ فسحة لالتقاط الأنفاس، من خلال تحقيق استقرار في الاقتصاد خلال عام – هنا نستخدم "إذا" كبيرة – فسوف ينصرف حينها إلى الانتخابات النصفية. ولقد بدأت شخصيات جمهورية قيادية مثل إلينا روز ليتنين، التي تحتل منصبا رفيعا في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، تطلق أسهم تحذيرية إلى البيت الأبيض حول "مساعدة نظام لا يتعظ". إلا أن سوريا مفتاح للحل بالنسبة لكل من لديه استعداد للقيام بشيء لإصلاح الموقف الأميركي المتعثر في الشرق الأوسط. قبل ستة أعوام، وبسبب سياسة العزل ضدها، بدت دمشق وكأنها على شفا أزمة اقتصادية، وكان المسؤولون في إدارة بوش يتندرون كيف أن الأسد سيكون الزعيم البعثي التالي على قائمة البنتاغون. سقوط صدام حسين وانتهاء برنامج الأمم المتحدة للنفط مقابل الغذاء حرم سوريا من الحصول على نفط عراقي مدعوم. اغتيال الحريري هدد بتعميق عزلة دمشق، وانسحابها اللاحق من لبنان حرمها من السوق السوداء التي كانت تمثل مصدرا تجاريا مهما لها. الآن، سوريا لاعب مهم في الإقليم. وقد نما اقتصادها المحلي غير القائم على النفط، بنحو 34 في المئة منذ 2004 ، بفضل سياسة تحرير صارمة، وعلاقاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي تشهد تناميا. كما أن حزب الله وحماس المدعومين من سوريا، خرجتا سليمتين من حربين داميتين مع إسرائيل. ومع تأثر مصر والسعودية والإمارات للشارع العربي، بسبب دعمهم المبدئي لفتح أثناء هجوم إسرائيل الدموي ضد حماس، برز الرئيس الأسد بوصفه الصوت العربي الأصيل المعبر بصدق عن المقاومة ضد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وحصارها لغزة. وهنالك إيران، فبعد أن تواجه أوباما وكلينتون خلال الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين حول أهمية الحديث مع طهران، فإنهما يبدوان اليوم جاهزين للتعامل مباشرة مع إيران، ولكن ليس قبل الانتخابات في حزيران/ يونيو. وسوف يعطي الحوار الذكي بين الولايات المتحدة وسوريا الناخبين الإيرانيين – وحتى ربما القائد الأعلى آية الله علي خامنئي – شيئا يفكرون به. بينما يدعم خامنئي الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد، فإنه لم يحرك ساكنا لوقف منافسه المعتدل والرئيس السابق محمد خاتمي. وبافتراض أن خامنئي يعتقد بأنه سيكسب شيئا من العلاقات المستقرة مع الشيطان الأعظم – وهو ما يعتقده كثير من التجار ورجال الأعمال الإيرانيين؛ فبخلاف سوريا، الاقتصاد الإيراني في وضع سيء – فسوف تكون هذه الفائدة أعظم بوجود إصلاحي مثل خاتمي في السلطة. إذا تمكن أوباما من أن يخرج دمشق من تحالفها مع طهران والتزلف إلى روسيا والصين ليلعبا دور المفاوض حسن النية، فقد تتحقق مساومة مقبولة حول الطموحات النووية لإيران. عبارات كلينتون التصالحية حول الصين قبل مغادرتها إلى آسيا الأسبوع الماضي كانت مشجعة في هذا الاتجاه.(مضى على ولاية أوباما، الذي كادت الأزمة الاقتصادية وحدها أن تستنفذ طاقاته، شهر عصيب. سيمر وقت قبل أن تتضح معالم استراتيجيته حول الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن انفراجة تلوح في الأفق مع سوريا، فإن هنالك عقبات تتعدى الهجمات المتوقعة من جناح اليمين الموالي لإسرائيل. عليه أن يظهر حساسية تجاه مخاوف لبنان، حتى لا يتحول استقلاله الذي انتزعه من دمشق بصعوبة إلى ورقة مساومة في المحادثات مع الأسد مثلا. لكن من الواضح أن الرئيس الجديد يتمتع بمقدرة على أن يضع خصومه في موقف الدفاع – ليس بالقوة العسكرية، بل بشيء أكثر فاعليه: سحر الشخصية. |
|
|||||||||||||