العدد 64 - الملف
 

ليلى سليم

"عندما عرف الأمير أنني ابن سلطان الفايز، أوصى بي مدير المدرسة سليمان عطور، وقال له: دير بالك عليه، هذا الولد أبوه مات شاب، فقال له المدير: ولكن يا سيدي هذا الولد شقي. فرد الأمير: كل البدو أشقياء".

هذه هي الذكرى الأبرز التي يحفظها حاكم الفايز، من أيامه عندما كان تلميذا صغيرا في مدرسة العسبلية التي دخلها في العام 1942 . واحدة من مدارس عمان القديمة، ويرجح أنها تأسست مع مدارس أخرى مثل العبدلية والهاشمية وثانوية عمان في أواسط الثلاثينات.

سميت المدرسة العسبلية بهذا الاسم نسبة إلى شخص من آل العسبلي، وهو مالك البناء، وكان حجازيا من حاشية الأمير عبد الله رافقه عندما قدم من الحجاز في العام .1921 المدرسة التي هدمت الآن، كانت تقع إلى جانب المدرج الروماني بالقرب من الديوان الأميري وفندق فيلادلفيا، الفندق الوحيد آنذاك في عمان، وهو الفندق الذي بويع فيه الشريف الحسين بن علي في العام 1924 . يقول الفايز إن المدرسة كانت ملاصقة للديوان الأميري، ولم يكن هناك سور يفصل بينهما، فكان التلاميذ يشاهدون الأمير عبد الله أثناء قدومه للديوان: "كثيرا ما كان يأتي إلى المدرسة، فيداعب الطلاب ويختبر معلوماتهم بألغاز لغوية". يتذكر الفايز أنه في بداية دراسته في المدرسة سأله أستاذه سالم المعاني عن اسمه، فنطقه محولا الكاف إلى )تش( أو ch

بالإنجليزية، على طريقة البدو، عندها طلب منه أن يخرج إلى اللوح ويكتب اسمه، وعندما فعل، أشار المعاني إلى حرف الكاف وقال: أنظر هذا ينطق )كاف(، واسمك أنت حاكم "ولكنني ظللت مصرا على أن اسمي حاكم بال ."ch درس في العسبلية عدد من الشخصيات التي تبوأت في ما بعد مناصب قيادية في البلد ومنهم عصام العجلوني، محمد خير مامسر، أحمد اللوزي، محي الدين قندور، أكرم صالح عمارين، يحيى سكرية، وزيد حمزة. زيد حمزة الذي دخل العسبلية في العام 39 ، يقول إنه خلال ذلك العام ولد النشيد الوطني الأردني، الذي كان وقتها يسمى السلام الأميري، "جاء إلينا المفتش في وزارة المعارف آنذاك عبد القادر التنير مصطحبا عوده، وبدأ بتدريب فرقة الإنشاد في المدرسة عليه. كان التنير لبناني الأصل وهو من لحّنه، وكتب كلماته عبد المنعم الرفاعي، الموظف في الديوان الأميري آنذاك".

حمزة يتذكر أن التنير جاء بعدها واصطحب التلاميذ إلى حديقة السجن المركزي في المحطة، حيث كانت حديقة كبيرة وجميلة، وكانت هناك سيارة تحمل معدات تسجيلتابعة لإذاعة لندن، قامت بتسجيل السلام الأميري بأصوات التلاميذ.حمزة بقي في العسبلية ستة أشهر، انتقل بعدها بسبب تغيير مكان إقامته إلى العبدلية، وهي مدرسة أخرى من مدارس عمان القديمة، سميت بهذا الاسم نسبة إلى الأمير عبد الله، وتقع قرب القيادة القديمة للجيش، وكان مالك البناء وقتها صدقي القاسم، وما زالت المدرسة قائمة إلى الآن، ومن أشهر من درسوا فيها شاهر باك، ومشهور حديثة الجازي وعبد الرحمن منيف. المدرسة الثالثة في ذلك الوقت كانت المدرسة الهاشمية، أو "مدرسة العجلوني"، كما كان الناس يسمونها بحسب ناصر الدين الأسد، نسبة إلى مالك البناء محمد علي العجلوني، وكانت مدرسة ابتدائية أيضا، وقد دخلها الأسد في العام 33 ، وهي السنة التي قدم فيها مع أسرته إلى عمان من جنوبي الأردن. هذه المدرسة حلّ محلها الآن فندق اسمه "أجنحة فراس" نسبة إلى الشهيد فراس العجلوني، أحد أبناء محمد علي العجلوني . مع تأسيس الإمارة، حددت مدة الدراسة الابتدائية بسبع سنوات، والثانوية بأربع سنوات. والمدرسة الثانوية الوحيدة في عمان في ذلك الوقت، كانت ثانوية عمان، وتقع على سيل عمان، في شارع الملك طلال، الذي كان يسمى وقتها طريق المهاجرين. وكان مالك البناء وصفي باشا ميرزا، الذي صار وزير داخلية في الخسينيات. هذه المدرسة كان ينتقل إليها طلاب المدارس الابتدائية بعد إنهائهم الصف الخامس. بحسب حمزة، فإنه حتى العام 1945 ، "كانت ثانوية عمان تدرس حتى الصف الثاني الثانوي فقط، وكان الطلاب ينتقلون إلى ثانوية السلط لإكمال الصفين الباقيين، ولكن في العامين 46 ، و 47 على التوالي تم افتتاح الثالث والرابع الثانوي". حمزة يتذكر أن الإمكانات كانت في ذلك العصر شديدة التواضع "كانت الإدارة تستعيد منّا الكتب المدرسية في نهاية العام، ولم يكن المعلمون متخصصين، وأذكر أن أحد المعلمين كان يدرسنا اللغة الإنجليزية والزراعة والرياضة والكشافة".

بحسب الباحثة خزامى تيف، فإن الكتاتيب كانت جزءا أساسيا في المشهد التعليمي في عمان في تلك السنوات، فقد نشأت فيها مجموعة من الكتاتيب منذ استقرار الشركس فيها في أواخر القرن التاسع عشر، كتاتيب سبقت المدارس ورافقتها، ومنها: كتّاب بكر أرتسوغ الذي تأسس في العام 1924 ، في حي الميدان مقابل المدرج الروماني، وكتّاب محمد القبلاوي، العام 1929 ، في حي المهاجرين، كتّاب الشيخ عبد، العام 1940 ، في حي الشابسوغ، وكتّاب محمد علي، العام 1947 ، جوار الجامع الحسيني. تشير تيف أيضا إلى وجود عدد من كتاتيب البنات ومنها: حكمت عيسى، العام 1931 في شارع بسمان، حميدة الشركسية، العام 1946 في شارع الهاشمي مقابل المدرج، وفريدة القلطقجي، العام 44 شارع الهاشمي دخلة عصفور. كتاتيب البنات هذه كانت تقوم عليها في الغالب معلمات من أصول شركسية أو سورية أو فلسطينية، كانت المعلمات فيها يقمن بالتعليم المختلط، عكس كتاتيب الذكور التي كان التعليم فيها يقتصر عليهم.

المدارس: العسبلية، العبدلية وكتاتيب مختلطة
 
19-Feb-2009
 
العدد 64