العدد 64 - الملف | ||||||||||||||
وليد الشاعر أسس الروائي الراحل غالب هلسا في روايته «سلطانة » لرؤية معرفية وجمالية لفهم عمّان، تلك المدينة التي قدم إليها من قريته ماعين القرببة من مادبا، منطلقاً في بحثه من قاع المدينة ومقترباً من المسكوت عنه في مجتمع غير منفتح ومتحفظ على أسراره. رصد هلسا أدق التفاصيل في عوالم عمّان الخفية حيث تنتشر الدعارة وأوكار الاتجار بالمخدرات واللعب الخفي بالسياسة ورجالها، منطلقاً في رصده من مقهى السنترال الذي يشكل معلماً بارزاً في رواية أراد صاحبها تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي لمدينة بكر من خلال الكشف عن الأسباب الغامضة وراء نموها وتطورها المتسارعين. في «السنترال » يتطور الوعي السياسي لابن الحزب الشيوعي، الذي كان تنظيما سرّيا، في بحثه عن وسيلة لتغيير المجتمع عبر الأفكار الثورية، ما يفسر انسياق هلسا وراء تلك المفردات التي تؤثث قاع المدينة لتكمل مع ماركسيته تشكيل صورة واضحة عن عمّان، مبتعداً، قدر الإمكان، عن إرهاصات القروي الذي يسكن المدينة للمرة الأولى، لذلك لا يغفل أن يصف انبهاره بعالم عمان المدينة لدرجة التعبير عن فرحته الطفلية حينما أحس بأنه بدأ يندمج في عالمها الذي كان مجهولاً بالنسبة له. فكك صاحب «ثلاثة وجوه لبغداد » المجتمع العمّاني بجرأة وعمق محللاّ العلاقة التي جمعت بين البدو والفلاحين وعلاقتهم بالحكم إبان تأسيس الإمارة، والهجرات المتعاقبة على مدينة عمّان منذ بدايات القرن العشرين، وبخاصة من الشام ونابلس، وهو ما حولها حاضرة تجارية، وخلال فترة متسارعة، مبيناً أحوال السوق والتجارة ابتداء بتجارة الحبوب والألبسة والعطور من دون أن يغفل تجارة الحشيش والدعارة. تعتبر «سلطانة » وثيقة تسجيلية لعادات وعلاقات وتاريخ يعيش في وجدان كل منا، لكن غالب كان من أوائل من وظفوها بشكل باهر من أجل إعطاء الرواية نكهتها الخاصة، مستعينا بقدرته على استحضار التناقض بين عالمين: عالم سري خفي يخرج فيه الأبطال )سلطانة، صليبا، جريس، أميرة، طعمة(، عن دائرة المعقول أو المقبول في عالم مليء بالغرابة والإثارة والحرية العابثة، مقابل عالم آخر يتمسك بقيم إيمانية وميتافيزيقية تصل حد الانخطاف. |
|
|||||||||||||