العدد 64 - الملف | ||||||||||||||
دلال سلامة «يشبه الدكتور الطلياني واحدا من الكهنة القدامى؛ طويل مملوء، له لحية قصيرة مشذبة، يرتدي باستمرار مريوله الأبيض، وتتدلى على صدره السماعات الطبية. لم يكن يُرى وحيدا، فغالبا ما تكون حوله مجموعة من الراهبات الإيطاليات اللواتي يرفلن بثياب بيضاء طويلة وكأنهن في معبد، أو إلى جانب أحد الكهن. يقمن وعائلته إلى جانب المستشفى، في جناح ملحق بها، تماما مثل مساكن الكهنة إلى جانب | الأديرة. كان يحب الطب، ويحب الحياة، وكانت تروى عنه قصص كثيرة .» هكذا يصف الروائي عبد الرحمن منيف، في كتابه «سيرة مدينة عمان في الأربعينات ،» الدكتور فاوستو تيزيو، الطبيب الإيطالي الذي قدم إلى عمان في العام 1926 ، كي يضع حجر الأساس للمستشفى الإيطالي، المستشفى الأول في ما كان يسمى آنذاك إمارة شرق الأردن. كانت عمان وقتها قرية صغيرة تقع على ضفة السيل الشرقية، وهناك بعثة تبشيرية إيطالية قدمت قبل حضور الطبيب بأربع سنوات، واختارت السلط لتكون مقرا للمستشفى، ولكن تيزيو قرر، بعد حضوره، بناءه في موقعه الحالي على سفح جبل الأشرفية. وهكذا تم شراء الأرض وإقامة المستشفى. وفي العام 1927 بدأت عشرون راهبة في العمل في المستشفى، رغم أن تيزيو كان قد بدأ باستقبال المرضى قبل هذا التاريخ. المدير الإداري في المستشفى، حنا سابا، يقول: «إن المستشفى أحدث فرقا هائلا في حياة الناس في عمان، وكان يعالج الجميع، ابتداء من الفقراء والعامة إلى أفراد العائلة المالكة، فالملكة الراحلة زين الشرف وضعت سمو الأميرة بسمة فيه. وفي تلك الأيام كان المستشفى يقدم خدماته العلاجية للجميع دون تفرقة، ولم تكن أجرة الغرفة تزيد على السبعة قروش .» سابا يؤكد أن الدور الخيري للمستشفى ما زال موصولا، فهو إلى الآن يتعاون مع جمعيات خيرية مثل: الكاريتاس والبعثة البابوية، ويقدم في إطار هذا التعاون الخدمات مجانا لمحتاجين مثل العراقيين واللاجئين الفلسطينيين. المستشفى الذي بدأ بطبيبين وعشرين راهبة، صارت مساحته الآن ثلاثة آلاف متر مربع، مقامة على مساحة 11 دونماً، ويتسع 80 سريرا، وتجري فيه 200 عملية ولادة في الشهر، ويقدم خدماته إلى خمسين ألف مريض خارجي. وقد خدم فيه بعض مشاهير الأطباء مثل جميل التوتنجي، نبيه معمر، نديم حبش، ناورز شقم، كريم العجلوني، خليل صويص. بطرس حجازين ) 69 عاما( دخل المستشفى العام 1947 ، وكان في الثامنة عشرة من عمره، وعمل، على حد، قوله في كل شيء، فكان ممرضا وسائق سيارة إسعاف، إلى أن انتهى أخيرا كمأمور مقسم، حيث ما يزال يعمل إلى الآن. يتذكر بطرس، الأيام القديمة، عندما كان المرضى يأتون على ظهور الخيل والحمير «لم تكن هناك سيارات، فكان الناس يأتون على ظهور الدواب ويربطونها بحديد النافذة، وكثير منهم لم تكن لديهم ما يدفعونه لقاء العلاج، فكانوا يعرضون سلعا عينية كالبيض مثلا، ومرة أحضر فلاح للدكتور تيزيو دجاجة مقابل العلاج، ولكنه رفض أخذها .» عدنان حجازين، كان في السابعة عشرة من عمره عندما عيّن في المستشفى العام 1966 ، وهو لم يدرس التمريض، ولكنه تعلمه بالممارسة من خلال عمله مع الأطباء والممرضات. ولم يكن التمريض هو وحده ما تعلمه، فقد أنهى خدمته في المستشفى وهو يتحدث الإيطالية بطلاقة. سابا يؤكد أن المستشفى كان حاضرا في الحروب والأزمات، وكان حريصا على أن يقدم العون للجميع، فبعد النكبة كان هناك تعاون بينه وبين «الأونروا « :» كان الشخص يحضر بطاقة المؤن، ويقيم في المستشفى المدة التي يحتاجها دون أن يدفع فلسا واحدا .» هذا الأمر يؤكده أيضا عدنان، الذي يتذكر أحداث أيلول، عندما اضطر كثير من العائلات المقيمة بالقرب من المستشفى إلى اللجوء إليه: «بقينا 17 يوما دون أن نخرج، ونفذت الكثير من المعدات، واضطرت الراهبات إلى قص الشراشف واستخدامها كضمادات .» يقول عدنان إن المؤن أيضا نفدت، واضطر أحد الأطباء إلى الخروج، واستطاع الحصول على شوال طحين «قامت الراهبات بعجنه، وعندما خبزنه نال كل واحد على قطعة منه بحجم صحن القهوة .» |
|
|||||||||||||