العدد 64 - الملف
 

منصور المعلا

يتذكر محمد راجح ) 65 سنة(، كيف كان يقف على سور الشارع المؤدي إلى داري سينما الأردن وستوديو الأردن المتجاورتين، وينظر في اتجاه وسط البلد، حيث تقوم اليوم سينما الحسين، لعله يستطيع متابعة فيلم يعرض في سينما الإمارة.

كانت «الإمارة »، دار سينما صيفية غير مسقوفة، فكان في إمكان الواقف على حافة الشارع الواقع في الجانب الشمالي من جبل عمان، أمام منزل رئيس الوزراء الأسبق توفيق أبو الهدى، مشاهدة فيلم يعرض على شاشة تلك السينما الفريدة في تاريخ عمان، فقد كانت أول وآخر دار سينما صيفية. لم يكن محمد راجح وحده هو الذي يقف في تلك المنطقة، بل كان يقف معه أطفال كثيرون، طمعا في أن يشاهدوا السينما التي كانت المتعة الوحيدة المتوافرة لأناس ذلك الزمن، مجانا. فقد كانت هنالك دور سينما أخرى، ولكن كان على من يود مشاهدة فيلمين بتذكرة واحدة في سينما البتراء أن يدفع ثلاثة قروش، وهو مبلغ لم يكن يتوافر بسهولة في تلك الأيام التي تعود إلى أوائل الخمسينيات من القرن الماضي.

عرف الجمهور الأردني قاعات العرض السينمائي منذ االعشرينات من القرن الماضي، حين افتتحت سينما البتراء في منطقة وسط بين سيل عمان وشارع المهاجرين. وكانت إلى جانب كونها أقدم دور السينما، أكبرها مساحة. وقد تعرضت السينما لحريق في أواسط الستينيات، ثم أعيد بناؤها قبل أن تتم إزالتها بعد إعادة تخطيط المنطقة التي كانت قائمة فيها في السبعينيات من القرن الماضي. ومن أقدم سينمات عمان، إلى جانب سينما الإمارة وسينما البتراء، سينما الأهلي التي ما زالت باقية مكانها في المحطة مقابل جسر المحطة الذي كان قائما في الخمسينيات، وقرب محطة حديد عمان في المحطة، وسينما دنيا في شارع المهاجرين، وما زالت قائمة حتى اليوم.

مع نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات ازداد عدد دور السينما التي أقيم الكثير منها في مناطق متفرقة من وسط البلد، فأقيمت سينما الفيومي في سفح جبل اللويبدة، والتي رممت وأعيد بناؤها في نهاية الخمسينيات وافتتحت مجددا تحت اسم سينما الخيام. ثم سينما الأردن وسينما ستوديو الأردن

اللتان أقيمتا على سفح جبل عمان المقابل لسفح جبل اللويبدة، وكانت سينما الأردن تعرض الأفلام العربية فيما اختصت سينما ستوديو الأردن بعرض الأفلام الأجنبية. وكان الوصول إليهما يتم عبر درج طويل ومرتفع ما زال قائما حتى الآن. افتتحت سينما بسمان في النصف الأول

من الخمسينيات، وكانت تعرض فيها، إلى جانب الأفلام السينمائية، بعض العروض المسرحية، وكثيرا ما كانت تستضيف أحد أبطال الأفلام التي تعرض على شاشتها، ومنهم: يوسف وهبي وفؤاد المهندس. وما زالت الدار قائمة حتى اليوم. افتتحت سينما زهران العام 1954 ، وكان

أول فيلم يعرض فيها هو الدرع الأسود، الذي قام ببطولته نجم هوليوود في الخمسينيات والستينيات توني كيترتس. وقد أجريت عليها تحسينات عدة، وأعيد تجديدها أواسط الستينيات لتعرض عليها أفلام من نوع خاص على شاشة خاصة قيل إنها مجسمة، وحملت اسم زهران هيرا كلوراما. وفي أوائل الستينيات ألحقت بها سينما صغيرة هي سينما ستوديو زهران، وما زالت الاثنتان قائمتين بعد أن تحولتا في السنوات الأخيرة إلى سينمات شعبية. وعرفت ظاهرة السينمات التوأم في عمان، مثل الأردن وستوديو الأردن، وزهران وستوديو زهران، فظهرت سينما رغدان وسينما عمان، اللتان كان يصل بينهما درج داخلي.

أقيمت دارا السينما في أواخر الخمسينيات، وكانت سينما رغدان تعرض الأفلام الراقية، وأول فيلم عرض على شاشتها فيلم رافادوس للممثل الشهير آنذاك غريغوري بيك. أما سينما عمان فقد كانت تطل على وسط البلد ومدخلها من شارع الملك حسين، وكانت أكثر شعبية من سينما رغدان، وما تزالان قائمتين حتى اليوم، رغم تراجع مستواهما ومستوى الأفلام التي تعرضانها. ومن السينمات التوائم سينما الحسين وسينما فلسطين اللتان أقيمتا معا في الشارع الذي تم شقه في بداية الستينيات من شارع السلط وحتى شارع الشابسوغ، وشهدت سينما الحسين التي كانت توصف بالفخمة فترة ذهبية في الستينيات، قبل أن تتحول مع الزمن ومع ظهور دور عرض جديدة إلى سينما شعبية.أما سينما فلسطين فبدأت شعبية، وما زالت كذلك حتى اليوم. في أوائل الستينيات أقيمت سينما الحمراء على جسر الحمام المتفرع عن شارع الملك طلال، وهي ما تزال قائمة حتى اليوم، وفي الوقت نفسه تقريبا أقيمت سينما الرينبو، لتكون أول سينما تقام بعيدا عن وسط البلد، إذ أقيمت في جبل عمان قرب الدوار الأول حيت سمي الشارع باسمها حتى اليوم، وكانت من أكثر دور السينما فخامة في عمان حتى فترة السبعينيات حين تراجع دورها هي أيضا، ثم تحولت إلى مسرح خاص منذ بداية التسعينيات. مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، بدا الإقبال على السينما يخف بالتدريج، وبخاصة مع ظهور التلفزيون، وبدأ بعض الدور تلغي حفلاتها، في حين بدأت دور آخر تعرض أفلاما قديمة، ولجأت دور أخرى إلى عرض أفلام تتضمن مشاهد جنسية مقتطعة من أفلام مختلفة ولممثلين مختلفين وممثلات مختلفات، فيما لجأت دور أخرى إلى عرض مباريات لكرة القدم لم تكن تعرض في المحطات الفضائية.

مع نهاية التسعينيات كانت دور السينما في وسط البلد قد فقدت دورها، وبدأت في الظهور دور عرض أخرى تتميز بالفخامة، والمجهزة بأحدث الأجهزة والمعدات، والتي تعرض أحدث الأفلام العالمية والعربية في وقت عروضها في بلدانها الأصلية، كما ظهرت مجمعات سينمائية فاخرة تضم عدة قاعات للعرض تعرض مجموعة من الأفلام الحديثة في وقت واحد تلبي أذواق قطاعات مختلفة من الجمهور. من هذه السينمات سينما غاليريا التي تضم قاعتين فخمتين للعرض تعرضان فيلمين مختلفين، وهي من أوائل دور السينما الفخمة التي ظهرت مؤخراً، وتقع في منطقة

عبدون. وكذلك سلسلة قاعات عرض سينما سانشري التي تضم ست قاعات مختلفة تعرض كل واحدة فيلما مختلفا، وسلسلة قاعات عرض سينما جراند في مجمع مكة مول والتي تضم 8 قاعات مختلفة، وسلسلة سينما رويال في مجمع لارويال في الدوار الثالث في جبل عمان، وتضم ثلاث قاعات مختلفة، وهي أحدث القاعات التي أقيمت في عمان. يجدر التذكير بحادثين طريفين عن تلك الدور، فقد كانت تقوم في وسط البلد،

سينما كانت تحمل اسم الفردوس. وفي أواسط الخمسينيات تحولت هذه السينما إلى مقهى هو مقهى العاصمة، الذي أصبح من أشهر مقاهي البلد إلى حين هَدمه في مطلع التسعينيات من القرن الماضي. وفي حالة معاكسة، تم في مطلع الستينيات تحول مقهى كان يقع في شارع لمهاجرين، إلى دار سينما حملت اسم سينما الكواكب، ما زالت قائمة حتى اليوم.

سينمات وسط البلد: بدأت في العشرينيات واندثرت في التسعينيات
 
19-Feb-2009
 
العدد 64