العدد 64 - الملف
 

نهاد الجريري

عندما كان أبو غسان طالبا في مدرسة عمر بن الخطاب القريبة من المدرج الروماني في أوائل الخمسينيات، كان المدرج القديم متنفسا له ولأصدقائه، يقضون فيه وقتا وهم يتقافزون على درجاته المتآكلة بعد دوام المدرسة في الطريق إلى بيوتهم في الجوفة.

يقول أبو غسان: «كان المدرج أشبه بمنطقة مهجورة تملؤها الشجيرات، والحشائش كانت تنمو بين درجاته القديمة. كنا نطلق عليه اسم درج فرعون .» لكن الحال لم يبق كذلك، فقد تغير بعد سنوات عندما بدأت عملية لإعادة ترميم المدرج في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. كان والد أبو غسان «دقيق » حجر. فعمل في المشروع. وتواصل أبو غسان مع حجر المدرج عندما كان يحضر صرة الغداء لوالده، أو كلما مر به لحاجة في المنزل. بعد انتهاء عمليات الترميم، في أوائل الستينيات، تحول المدرج الذي أعيد ترميم حجارته وأعمدته ونظفت ساحته، إلى مكان تقام عليه الحفلات والنشاطات الفنية. وقد شهد المدرج في تلك الفترة عددا من الحفلات التي كانت جديدة تماما على جمهور عمان آنذاك: فقد شهد المدرج حفل تزلج على الجليد، وشهد حفلا لموسيقى الجاز شارك فيه ديوك ألنغتون الذي كان آنذاك أحد أبرز موسيقيي الجاز، وحفلات أخرى شاركت فيها فرق شهيرة آنذاك مثل فرقة رضا المصرية، وموسيقيون ومطربون مشهورون مثل: فريد الأطرش، ووديع الصافي.

ولم تقتصر الأنشطة التي كانت تقام على المدرج على الفنون، بل تعدتها إلى المصارعة والملاكمة. وما زال كثير من الأردنيين يتذكرون مباراة الملاكمة الشهيرة التي جرت في مطلع العام 1967 بين فهد الطنبور وأديب الدسوقي الملقب آنذاك «بطل فلسطين والشرق الأوسط .»

أبو محمد كان أحد منظمي هذه المباراة التي أقامها النادي الأهلي حين كان مقره في رأس العين. يقول أبو محمد: «إن التذكرة كانت بنصف دينار ». وهو يتذكر أنه بالرغم من تعاطف الجمهور مع الدسوقي، إلا أنه خسر لصالح طنبور. ولشدة تعاطف الجمهور راجت شائعات بأن مادة مخدرة دُسّت للدسوقي حتى لا يظهر كما يجب، يذكر أبو محمد. كان المدرج مكانا لاستقطاب السياح من مختلف أنحاء العالم، وبخاصة مع وجود فندق

فيلادلفيا في الجهة المقابلة له. ويتذكر أبو عامر أن مجرد النظر إلى موقع الفندق كان يوحي بالأبهة. «كانت تحيط به الأشجار، وكنا نتسلقها كي نتفرج على السياح والسائحات وهم يسبحون في بركة الفندق ». وكان الأطفال من جيل أبو عامر يتقربون من السياح ليدلوهم على أماكن يحبون زيارتها في عمان القديمة مثل سوق البخارية واليمنية والمسجد الحسيني. «كنا نأخذ من السائح ربع أو نصف دينار في كل مرة ». ويذكر أبو عامر أيضا كيف انتشر باعة السوس والخروب في ساحة المدرج. «أذكر تحديدا أبو علي الذي كان يبيع السوس للسياح، ولا أعرف إن كان ما يزال على قيد الحياة أم لا .» لم يقتصر رواد المدرج على السياح؛ فكان المدرج قريبا من مجمع سفريات باتجاه بغداد والكويت، كما كان قريبا من مجمع سيارات باتجاه الزرقاء. وهكذا لم يكن المكان يخلو في أي وقت من النهار من عابري الطريق أو الباحثين عن شيء من روح التاريخ.

المدرج الروماني: درج لفرعون في وسط عمّان
 
19-Feb-2009
 
العدد 64