العدد 64 - بلا حدود | ||||||||||||||
على مرتفع يطل على وسط عمان في الجهة المقابلة للبريد المركزي سابقاً، وعلى مسافة وجيزة من الدوار الأول لجبل عمّان، يتربع «مسرح البلد »، هذا الفضاء الثقافي والإنساني الذي تديره نخبة من الفعاليات الثقافية التي تنتمي إلى عالم المسرح والسينما والفنون. هذا المكان الذي يعود بناؤه إلى الخمسينيات من القرن الماضي هو سينما الأردن )فرساي سابقاً( الذي ما زال يعمل بآلات العرض القديمة حتى الآن، والذي جعل منه مسرح البلد جسراً للتواصل بين إرث عمان الجميل وبين حيز عام حر يتسع للأصالة والحداثة. للاقتراب أكثر من ماهية هذه المؤسسة/المشروع، تحاور «السّجل » اثنين من إدارة المسرح، رائد عصفور، وغادة سابا.
السّجل »: من أين جئتم بفكرة مسرح البلد؟ - رائد: بدأنا العام 2000 ، بمشروع عربي مشترك يبحث عن فضاءات بديلة، منطلقاً من الإسكندرية في مكان اسمه «الكراج ». بعد نجاح هذا المشروع، عقدنا ورشة عمل إبان مهرجان أيام عمان المسرحية مع مجموعة من المعماريين لدراسة الأماكن المناسبة في الأردن لفكرة الفضاء البديل. وأشرف على الورشة الخبير السويدي غيرت-أوفا فاغستام، وطارق أبو الفتوح من صندوق شباب المسرح العربي، وأنا، ممثلاً للمركز العربي للتدريب المسرحي، ولفرقة الفوانيس التي كنت رئيساً لها آنذاك. وبعد عام ونصف العام، وقع الاختيار على سينما الأردن كأفضل مكان لتنفيذ الفكرة، واستأجرنا المكان العام 2003 ، وبدأنا العمل بإمكانيات متواضعة في أواسط 2004 ، وافتتحنا المشروع العام 2005 .هذا المشروع كان يتطلب من المؤسسات التي أعدته أن تسلمه إلى مؤسسة جديدة. تلا ذلك خلافات في فرقة فوانيس، استقلت إثرها مع ثمانية من زملائي. وظل البحث جارياً حول شكل المؤسسة التي ستتولى إدارة المشروع، إلى أن توصلنا إلى صيغة مسرح البلد، فسجلناه العام 2006 كشركة غير ربحية. «السّجل »: كيف تعرّفون رسالة مسرح البلد؟ - غادة: رسالة المسرح تنبثق عن كونه مكاناً للثقافة، يستضيف عروضاً مهمة، ويوفر المكان للتدريب الفني لشبان راغبين في إبراز مكنوناتهم الفنية، أو تقديم أنفسهم. فمثلاً، عندنا حفلة موسيقية في موعد قريب، يقدمها زيد الروسان، وهو من الشبان الأردنيين الجدد الذين لديهم موسيقى مختلفة. هذا النمط من الأنشطة مهم جداً بالنسبة لنا، لأنه يعكس جانباً من اهتمامات المسرح ورسالته. مسرح البلد كان أيضاً المكان الذي أتاح لمخرجين أردنيين أن يعرضوا أفلامهم الأولى. بهذا يكرس المسرح دوره في أن يكون حاضناً للتواصل والاستمرارية للإبداع والتجديد، في مجالات ثقافية متنوعة. «السّجل »: هل هناك خصوصية للمكان من حيث العلاقة مع المحيط، أم أنكم وسط البلد، وتأتي الناس إليكم من المناطق الأخرى؟ - رائد: نحن نعمل في هذين الاتجاهين معاً، أي بمعنى الشغل على المحيط من حولنا وإقامة العلاقة مع ناسه، نعرفهم على أنشطتنا ونتعرف على احتياجاتهم وكيف يرونا وماذا يمكن أن نقدم لهم، وفي الوقت نفسه، المسرح مساحة يأتيها الناس من مختلف مناطق عمان. بعد ثلاث سنوات من العمل، صارت هناك مدارس تأتي إلينا، وهناك جمعيات تخرج دوراتها في المسرح. هذه العلاقة نشأت نتيجة الثقة التي بنيت بين المسرح وبين الناس حوله، والمحيط الأوسع الذي هو عمان. - غادة: يستضبف المسرح أيضاً ورش عمل، وهذه الورش ساعدت على تعريف الناس بمسرح البلد أكثر. وصار هناك أناس يأتون ليسألوا عن أنشطتنا، وليستشيرونا، كيف يمكن أن يكون لهم حضور، أو كيف يمكن أن يقدموا ما لديهم. وهذا يرسخ مكانة المسرح باعتباره جزءاً لا يتجزأ من محيطه ومن منطقة وسط البلد. «السّجل »: ما التحدي الذي يمثله لكم مسرح البلد؟ - رائد: عندما تفتح مكاناً هذا يرتب عليك مسؤولية، وهذا جزء من بحثك عن ثقافة مختلفة، عن حوار آخر مع الناس. هذه المساحة تحملنا مسؤولية مواصلة البحث عن شيء يربطنا مع محيطنا، مع مجتمعنا، مع وسطنا الفني، وحتى مع فكر كل منا، فهل نحقق أنفسنا أم لا؟ إذاً، هذا يحملنا مسؤولية أكبر. مطروح أمامنا دائماً أسئلة نبحث لها عن أجوبة. لذلك ما يجمعنا في مسرح البلد ليس هو الشكل القانوني، بل هو هذا البحث عن ثقافة مختلفة. ونحن نعتز بدور زملائنا الآخرين في مجلس الإدارة: زين غنما، سمر دودين، لمياء الراعي، سامية سلفيتي، سيرين حليلة، رسل الناصر، سحر خليفة، طارق الناصر، خالد نحاس، وعامر الخفش. كذلك هناك جزء من مشاريعنا طويلة الأمد تحتاج ربما لسنتين حتى تظهر، خصوصاً المشاريع الجديدة التي نتحاور حولها. فإذا تحدثنا عن الرقص المعاصر، فهذا شيء جديد في الأردن. كذلك نحن نؤسس لأعمال مسرحية شبابية. « المسرح »: ما الرؤى المشتركة التي تجمع بين أعضاء مجلس إدارة المسرح؟ - غادة: العنصر المشترك هو الهم الثقافي. فنحن في البداية جئنا من مشارب مختلفة، فهناك مشتغلون في المجال الثقافي، من مسرح وسينما وفنون، وهناك فعاليات أخرى فيها المهندس، ورجل الأعمال، وسيدة الأعمال، وبالتالي أعتقد أن ما جعل عملنا المشترك ممكناً هو الهم الثقافي. وجميعنا نؤمن بمسرح البلد، ونحرص على استمرارية هذا الفضاء في الوجود، وعلى أن يبقى مفتوحاً لكل شخص يرغب في اكتشاف أو تقديم ذاته الثقافية، بالشكل الذي ندير فيه الأمور، وبما يفيد مجتمعنا، ومحيطنا، ويفيد بلدنا. «السّجل »: إلى أي مدى يرتبط هذا الفضاء الثقافي بتعميق حرية الناس؟ - رائد: الأساس أن المكان مفتوح للكل، ويقدم الناس ما يرغبون بتقديمه دون أي حدود، فليس هناك رقيب على أفكارهم أو أعمالهم. ويكون المبدعون أمام تحدي إثبات أنفسهم. لكن هناك صراع دائم مع تلاوين الرقابة الرسمية، هذا الأمر يواجهه كل العاملين في الهم الثقافي. هذا الصراع تعودنا عليه ونتعامل معه بشكل يومي. عندما بدأنا هذا المشروع، كنا حريصين على عدم التفكير بأية محاذير، لهذا المسرح متاح للجميع، وعلى العمل المعروض فيه أن يثبت نفسه ويبني علاقته مع الناس، هذا بعد مهم من أبعاد الحرية. «السّجل »: كم هي المساحة المتاحة في المسرح؟ - غادة: عندنا قاعتان؛ واحدة كبيرة وأخرى صغيرة، إضافة إلى المدخل الذي يمكن استخدامه. وفي كثير من الأحيان تكون كل المساحة مشغولة، اجتماع هنا، بروفة هناك، وحوار حول الشغل في المدخل، ويكون أناس ينتظرون دورهم لبدء تدريباتهم. صحيح أننا لا نتحدث عن فضاء شاسع، لكن هذه المساحة على محدوديتها، تدار بشكل جيد ومنتج، إذ يوجد غالباً أنشطة متزامنة في محاولة لاستغلال المكان إلى أقصى حد، وبخاصة في فترة الربيع، حيث تتكثف الأنشطة، وتُشغل كل القاعات. وأحيانأ تكون هناك حجوزات مسبقة قبل موعد النشاط بشهر أو أكثر. «السّجل »: كانت لديكم علاقات وثيقة مع الشاعر محمود درويش، هل تعملون على مشاريع تخصه؟ - رائد: تشرفنا باستضافة درويش ثلاث مرات لتوقيع أعماله الأخيرة قبل وفاته. فهو بحق من رموز الثقافة العربية المتميزة. هناك مشروع بدأ درويش العمل عليه هو «هوية الروح »، فقد ألقى قصيدة للشاعر النرويجي هنريك إبسون، مع قصيدة له، وتم ترتيب فني تكون فيه خمس شاشات تعمل في الوقت نفسه، وتعرض شيئاً مختلفاً. هذا المشروع أنجزه درويش قبل رحيله، واطلع على نسخته الأولية. عرض هذا العمل في 22 مدينة في فلسطين، بلغ مجموع مشاهديها 40 ألفاً. ونحن نعدّ لعرض هذا العمل صيفاً في عدة مدن أردنية. هناك معرض أيضاً سنستضيفه مع دارة الفنون في 10 آذار/مارس المقبل، اسمه «جواز سفر »، يشارك فيه 28 فناناً فلسطينياً كل منهم يقدم لوحة فنية لترجمة فكرة التقطها في قصائد درويش. «السّجل »: هل مسرحكم نموذج ناجح كجسر للتواصل الثقافي محلياً وخارجياً؟ - غادة: مسرحنا، برسالته والحرية التي بوفرها وتتوافر فيه، هو جسر للتواصل مع جميع المؤسسات التي لديها هموم مماثلة. المهم هو الاستمرارية في الشغل الثقافي ضمن هذا الاتجاه، لأنه بدون الاستمرارية لا نستطيع تقييم أين وصلنا. مسرح البلد عضو أيضاَ في عدة شبكات فنية عربية. ويشكل حاضنة لأعمال عربية مشتركة بالنظر لطبيعة الأردن المتوسطة بين دول المنطقة. كما تسمح ظروف الأردن السياسية للفنانين الفلسطينيين بالتواصل مع نظرائهم العرب، وهناك نشاط قادم يشبك فيها مسرح البلد بين فنانين من الأردن وفلسطين وهولندا. «السّجل »: في خضم الأنشطة التضامنية مع غزة، هل كان للمسرح إسهامه؟ - رائد: نعم. بادرنا كمجموعة من الفنانين، كل واحد اختار وسيلة تعبير مختلفة ما بين الغناء والموسيقى والشعر، وأنجزنا عرضاً فنياً شارك فيه 12 موسيقياً وعدد من الممثلين، هذا العمل أخرجته سمر دودين، وتضمن استنكارنا لما جرى في غزة. محمود درويش «شاركنا » بعمل مسجل ألقيت فيه قصيدة «على هذه الأرض ما يستحق الحياة »، وتبرعنا بريع هذا النشاط لغزة. |
|
|||||||||||||