العدد 63 - ثقافي
 

وليد الشاعر

في أقل من عقدين، شهدت عمّان طفرة تشكيلية تمثلت بتأسيس عدد من صالات العرض الخاصة، إذ بدأت تقام المعارض التشكيلية بصورة منتظمة وتستقطب المقتنين والمتابعين، وبدأت تظهر تغطيات صحفية، ناهيك عن الاهتمام بالأخبار التي تتناول مسبقاً افتتاح معرض، أو زيارة فنان عربي إلى عمان، أو مشاركة فنان أردني في معرض في الخارج.

احتضان عمان لهذا الفن الذي بقي مهمشاً سنوات طويلة، ارتبط، بشكل أساسي، بقدوم الفنانين التشكيليين العراقيين إلى عمان إثر حرب الخليج 1991 ، وهم الذين يحملون إرثاً فنياً عريقاً يعود إلى قرن مضى، إضافة لبدء التفكير جدياً في الاستثمار في هذا القطاع، فظهرت بعض صالات العرض لعدد من المهتمين بالتشكيل، إلاّ أنه ظهر، بالمقابل، عدد من المستثمرين، الذين لم يتردد بعضهم عن تقديم نفسه بوصفه تشكيلياً. العام 2008 كان استثنائياً في المشهد التشكيلي العمّاني، إذ احتضنت صالات العرض أكثر من 200 معرض وندوة وورشة، وهو رقم قياسي على مستوى المنطقة كلها، كما افتتحت ست صالات عرض جديدة: غاليري فورتين، وغاليري بنك القاهرة عمان، وغراند غاليري، وغاليري نبض، واثنان خاصان بالتصوير الفوتوغرافي، هما: دارة التصوير، ومحترف ضوء، لتزيد صالات العرض على 30 صالة، وهو رقم مرشح للازدياد. هذه الصالات توزعت على معظم مناطق عمان، وإن تركز أغلبها في منطقة اللويبدة، واقتصر نشاط معظمها على إقامة المعارض والقليل من الندوات والمحاضرات والورشات، باستثناء مؤسسة خالد شومان-دارة الفنون، وبصورة أقل المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة، اللذين دأبا على إقامة محاضرات حول تاريخ الفن، وعرض أفلام تتناول مشاهير الفن ومدارسه.

تقيم هذه الصالات معارض كل شهر تقريباً، وتستضيف تشكيليين أردنيين وعربا وأجانب، في موازاة القيام بفعل تسويقي طوال العام لعدد محدود من الفنانين الأردنيين تتقاسمهم هذه الصالات، إذ يتضح للمراقب تأثير عوامل أخرى –لا تقتصر على المستوى الفني- من أبرزها العلاقات الشخصية.

تساهم المراكز الثقافية الأجنبية، مثل: «الفرنسي » و «الإسباني » )ثربانتس( في الحراك التشكيلي الأردني، مع عدد قليل من النشاطات السنوية تتبناها مراكز ثقافية وسفارات أجنبية أخرى، إلى جانب المؤسسات والصالات المحلية ومن أبرزها: المركز الثقافي الملكي، مركز رؤى للفنون، دار الأندى، غاليري بندك، غاليري الأورفلي، زارة، برودوي، المشرق، دويندي، قاعة المدينة في أمانة عمان الكبرى، صالة توفيق السيد في رابطة التشكيليين، غاليري مكان، محترف رمال، غاليري القرية الثقافية، رواق البلقاء، غاليري شارع الثقافة، المتحف الوطني، ودارة الفنون.

من الخطوات المهمة التي شهدتها الساحة التشكيلية، نظام التفرغ الإبداعي الذي أطلقته وزارة الثقافة، ويتضمن تفريغ فنان تشكيلي واحد كل عام. وقد نال منحة التفرغ في العام 2007 الفنان أحمد صبيح، بينما استحقها العام 2008 الفنان عصام طنطاوي الذي انسحب احتجاجاً على تفريغ فنان واحد فقط، لتصبح من حق الفنان محمد العامري. رغم كل هذا الحراك، فإن فنانين ونقّاداً وأكاديميين يشككون في أهميته، بالنظر إلى انحسار جمهور هذه الفعاليات في عدد قليل من المقتنين والفنانين والمتابعين الذين يتبدلون قليلاً بين فعالية وأخرى بالنظر إلى طبيعة علاقتهم مع الفنان الذي يقيم معرضه، وبما أن هذه «الشللية » تحكمها مصالح وعلاقات شخصية، فإن الحديث عنها يغدو تابوها في بعض وسائل الإعلام، لكنه في الوقت نفسه لا يعني تجاهل فنانين حقيقيين لهم تجاربهم الخلاقة. فنان وناقد تشكيلي، فضّل عدم نشر باسمه، يلفت إلى أن جردة الحساب الحقيقية تظهر بؤس المشهد التشكيلي في العام 2008 ، ويرى أن ثلاثة معارض فقط كانت ذات مستوى فني عالٍ هي: معرض أحمد نعواش، والمعرضان الاستذكاريان للفنان الإسباني بيكاسو والفنان الفلسطيني إسماعيل شموط، وهذا لا يمنع من وجود عشرة معارض أو أكثر قليلاً، متوسطة من حيث القيمة والحضور الفني من أصل زهاء 200 معرض أقيمت خلال العام، ما يعني خسارة للمشهد وليس إضافة نوعية له. في سياق متصل، يتساءل فنانون عن سر غياب أو خفوت الحركة النقدية في الساحة التشكيلية رغم كل هذه النشاطات، ويغمز آخر عن سر الاحتفاء في الصحافة الأردنية بالمعارض المقامة لعامة، ما يعني اختلاط القيم الجمالية ومساواة الرديء بالجيد، وإذا صودف يوماً وكتب صحفي موضوعا نقديا يتسم بالقسوة حول معرض ما، فإن الموضوع لا يجد طريقه للنشر في الغالب، وإن نُشر سيرى القارئ بعد يوم أو يومين، موضوعا آخر في الصحيفة يحتفي بالتجربة وصاحبها، ويكون بمثابة اعتذار، ناهيك عن أن فناناً متوسط الإبداع قد تزيد مساحة التغطية الصحفية حول معرضه، على تلك الممنوحة لتجربة فنان كبير مثل مهنا الدرة أو أحمد نعواش.

ينسحب الأمر كذلك على الكتب النقدية ذات التماسّ المباشر بتطور الحركة التشكيلية الأردنية، فهي نادرة ولا يحاول كتّابها – عادة- نقد تجارب لتشكيليين بعينهم، إضافة إلى أن أغلب النقاد أكاديميون قرر بعضهم الانكفاء جانباً وتحييد معرفته عما يجري، فيما اتسق آخرون مع الحالة الراهنة، وإن علا صوتهم بين فينة وأخرى.

بل إن فناناً له تجربته الطويلة والمميزة، هو عبد الرؤوف شمعون، لم يقم معرضاً شخصياً منذ أكثر من خمس سنوات، كموقف احتجاجي يحافظ به على فنّه وتاريخه بالدرجة الأولى. بالرجوع إلى الاقتناء، فإنه في ظاهره ينبئ عن وجود جمهور له ذائقته واهتماماته بالتشكيل، وهذا ما يكشفه حجم الاقتناء المتزايد لدى بعض العمّانيين، لكن ذلك كلّه يبدو غير ذي شأن عندما تطلب مالكة غاليري من فنان ما التركيز على لون معين في أعماله كالبني أو الأزرق «لأنه مرغوب أكثر »، أو أن يرسم شكلاً بدلاً من آخر داخل اللوحة نفسها، بحسب ما يكشف عدد من الفنانين. الوسط التشكيلي يعاني أيضاً من غياب التفاعل والتواصل بين الفنانين على اختلاف أجيالهم ومدارسهم، وطغيان الشللية التي تعني أن من يعرض في صالة ما فإنه سيُمنع من العرض في أماكن أخرى، والعكس صحيح؛ واستمرار الخلافات في رابطة التشكيليين، حتى إن خمس هيئات تعاقبت على إدارة الرابطة في أقل من أربع سنوات.

إضافة إلى ذلك، ما زالت مجلة «فنون » التي تصدر عن وزارة الثقافة تشهد تعثّراً في مسيرتها. جردة حساب ثقيلة للتشكيل الأردني 2008 ، لكن ما يبعث الأمل وجود فنانين حقيقيين في الأردن يمكن لهم أن يؤسسوا حالة صحية، لكن من دون البحث عن أمجاد واهمة والسعي لفقء فقاعات فارغة، ليظهر الفن الجيد نوعاً لا كماً.

التشكيل في الأردن: غياب نقدي وطغيان للشللية
 
12-Feb-2009
 
العدد 63