العدد 2 - أردني | ||||||||||||||
الزرقاء، مادبا – هل طرحت صوتك للبيع أو تلقيت عرضا للتصويت مقابل دعم نقدي أو وعود بالمال؟ وهل أدرجت بورصة الأصوات ضمن موازنة حملتك الإنتخابية أو تلقيت "عطاء" بشراء أصوات؟
حملت "السّجل" هذه الأسئلة إلى ناخبين محتملين ومرشحين عشية الاقتراع في منطقتي مأدبا والزرقاء فوجدت أن ستة من عشرة أردنيين تلقوا "دعما ماليا" مقابل وعود بالتصويت لدافع المال بينما رفض ثلاثة طلبات ببيع أصواتهم فيما أكد العاشر أنه لم يدخل قط في مثل هذه الصفقات.
من بين خمسة مرشحين، أقر اثنان بدفع مالا على الأول على شكل "مساعدة إنسانية" والثاني عرضه "طواعية لمن يرغب"، فيما صنّف الثالث مادفعه ضمن بند "الأتعاب". أما الرابع فرفض هذا السلوك بالمطلق معتبرا انه "يقوض أسس الديمقراطية" وتمسك الخامس بان المساعدات لا تدخل في باب المال السياسي". ولحظ المسح المحدود غير المنهجي أن تبادل النقود والوعود تتم عادة مع أشخاص متعلمين بعضهم في مناصب مهنية رفيعة، فضلا عن فقراء في مجتمع محافظ. كذلك وجد أن المرأة، سيدة البيت في المجتمع الريفي، تندفع أكثر من الرجل في مقايضة صوتها بالمال أو الخدمات.
المفارقة أن غالبية الذين أقرّوا يرهنون أصواتهم لأكثر من مرشح فيما يشبه "البيع بالجملة". تتراوح وسائل استقطاب الأصوات بين الدفع المباشر تحت غطاء بدل أيجار خيالي لمحال تجارية تستخدام كمقار لمرشحين،او كطرود غذائية، او ما يصف بعضهم انها اتعاب مستحقة لقاء عملهم لمصلحة مرشح .
هذه السلوكيات يتبناها مرشحون وسماسرة من خلال جولات ميدانية، مستغلين صلاتهم بالناخبين، أو رسائل "عرض وطلب" عبر الهواتف النقالة.
الزرقاء
أبو احمد (35 عاما) أب لثلاثة أبناء يفاخر بأنه باع صوته مرتين لمرشحين مختلفين "الأول دفع 20 ديناراً مقدما، وسيدفع 80 دينارا عقب الاقتراع". بعد ذلك تلقى أبو أحمد، الذي يعمل مراسلا في احدى المدارس، عرضا "أسخى" من مرشح آخر دفع 100 دينار مقدماً.
أما الأرملة الأربعينية خديجة، فحصلت على إعانة مالية فورية بقيمة 200 دينار، ستساعدها بلا شك في إعالة اسرة مكونة من اربع فتيات احداهن طالبة جامعية.
ولحق الزمالة مكان في مجريات الانتخابات، فـ "محمد"، سائق حافلة، اعترف صراحة بتلقيه 50 ديناراً من مرشح عمل بمعيته سابقاً على احدى الحافلات، وأصابه ثراء مفاجئ في اعقاب طفرة الاراضي الاخيرة.
ولا يقتنع محمد بأهلية مرشحه هذا للنيابة، لكنه يقول: "واجب الزماله السابقة يحتم علي منحه صوتي".
يقر مازن، طالب جامعي، بأنه تلقى مبلغ 50 ديناراً مقابل حلف يمين لمرشح باعطائه صوته ، مقدما تبريرا براغماتياً لسوكه هذا، فحواه: " خذ وطالب " !.
وتتعدى الاستفادة المالية من المرشحين شراء الاصوات الى مجالات اخرى، منها على سبيل المثال، استغلال حاجتهم لافتتاح مقرات انتخابية.
ابوخالد، ملاك مخازن تجارية في الزرقاء، قال انه "آجر مخزناً لاحد المرشحين مقابل الف دينار لأستخدامه كمقر، الا انه عدل عن رأيه حين دفع له مرشح اخر الفي دينار، وقام بتأجير المحل لصاحب أعلى سعر ".
وينشط سماسرة شراء الاصوات الانتخابية على مرمى خمسة ايام من صناديق الاقتراع مستهدفين ضعاف النفوس والمحتاجين.
يصف معتز ، ما يجري في الانتخابات الحالية بعودة الى زمن "الرق"! ، مبيناً ان "المترفين "حسب توصيفه يسعون الى استغلال حاجات الناس.
وافاد معتز، وهو اكاديمي يعمل في مجال العمل التطوعي، انه تشاجر مع سمسار انتخابات عرض عليه 500 دينار مقابل القاء خطاب يحض فيه الناخبين للتصويت لصالح مرشحه . في الجانب الأخر، يبرر مرشح " يصفه ناخبون في دائرته بأنه سخي" ما يقوم به من دفع لمبالغ مالية لأسر محتاجه بأنها" من أموال الزكاة الخاصه به" ، ويصف المبالغ التي يدفعها لمناصريه بـ "بدل اتعاب" ، ومقابل الجهد الذي يبذلونه في الترويج له .
ويجادل مرشح أخر متعمداً اخفاء استخدامه للمال في حملته الانتخابية، قائلاً إنه فقط قدم تبرعات الى مراكز شباب ونواد رياضية وجمعيات خيرية .
مادبا
يؤسس "وكلاء" في محافظة مادبا "غرف عمليات" بهدف السمسرة وشراء الاصوات لصالح بعض المرشحين، حسبما يؤكد مواطنون، مبينين أنهم تلقوا دعوات لبيع اصواتهم.
يقول شادي قبيلات "26عاما"، جامعي عاطل عن العمل، أنه تلقى دعوة مباشرة لبيع صوته، مقابل وعود بتعيينه في وظيفة حكومية. لكنه رفض.
من جانبه، يفاخر احمد نايف الرواحنة "34 عاما" ، أنه وافق على قبول 50 ديناراً مقابل منح صوته لأحد المرشحين، مرجعا السبب الى رغبته في اثبات حالة "انفصام" المرشحين الذين يرفعون شعارات ويطبقون عكسها.
يعترف الرواحنة، العاطل عن العمل، باتساع ظاهرة ما يعرف بـ"سماسرة شراء الاصوات"، موضحا ان مندوبين يقومون بتقديم عروض مختلفة الى الناخب رغم انهم يمثلون المرشح نفسه. وتعزز آراء رهط من المواطنين ما ذهبت اليه احزاب المعارضة بأن المال سيكون له القول الفصل في حسم الفوز بمقاعد المجلس النيابي المقبل.
ويذهب مواطن آخر، رفض الكشف عن هويته، أنه تلقى عرضا لبيع صوته من مرشح بعينه، ورفض العرض معتبرا بيع الاصوات بيعاً للارادة السياسية. ويؤكد رب عائلة أنه "باع صوته" لقاء 120 دينارا . مبررا تصرفه بأن المرشح حين يصبح نائبا يدير ظهره لكل الشعارات التي كان يرفعها سابقا، والحصول على مقابل مالي الآن افضل من "لا شيء"!.
تعتبر سيدة مطلقة، وهي ام لطفلتين، أن "خمسة دنانير افضل من كل المرشحين" .
وتوضح قائلة " المرشح لا يتعرف علينا حين يصل الى المجلس، ولن نراه مرة اخرى الا على شاشات التلفاز، والأفضل التكسب منهم حاليا".
وبرغم عوز العائلة، ترفض والدة لخمسة اشخاص بيع صوتها، وتقول " لا أقبل الحصول على المال بهذه الطريقة، فقبولي ببيع صوتي انتهاك لكل القيم والاخلاق وارادتي السياسة، وهو أمر محرم دينياً في الاصل" . معربة عن استغرابها من جرأة المرشحين على عرض المال مقابل الاصوات وبهذه الطريقة .
من جانبه افاد احد المرشحين بانه يترشح للمرة الثانية دون ان يحالفه الحظ، لكنه يبدي تشدداً ازاء استخدام المال لشراء ارادة الناخبين .ويعتقد المرشح الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه الظاهرة اسس لها عدد من سماسرة الانتخابات والمرشحين في الدورة الماضية، وقد تعززت في الاوساط الفقيرة.
ويرفض مرشح آخر مبدأ شراء الاصوات "الذي بات يهدد القيم الاخلاقية للحياة السياسية المنشودة بشكل عام" على حد تعبيره.
ويلفت الى أن هذه القضية تتطلب وقفة حكومية جادة عبر اقرار قوانين وتشريعات تُجرّم كل من تسول له نفسه استخدام المال لشراء الاصوات، فضلا عن توجيه الناخبين وتوعيتهم حيال من وصفهم بـ"تجار الإرادات" .ويجادل مرشح اخر بشأن تقديم المساعدات المادية للناخبين، ويعتبر ان هذا التوجه لا يعد اختراقا أو تعديا على حق الموطن السياسي.
وفي هذا الصدد، يقول مرشح رفض الافصاح عن هويته، "من يريد الحصول على المال لقاء صوته حر، ومن لم يرد ذلك حر ايضا، وهذا التوجه لا يعد تعديا على حق المواطن".
ويميز مرشح آخر بين انواع المال المقدم للناخبين، مشيرا الى ان المواد العينية التي تقدم لا تدخل في سياق المال السياسي "فهي تقدم بهدف خدمة العائلات المحتاجة، وإذا ما ارادت منح صوتها لمن يقدم لها الدعم العيني من مأكل أو ملبس أو مواد خدمية، فلها الحق بذلك، وإن رفضت فهي حرة ايضاً، وغير مجبرة على الاقتراع لصالح مرشح بعينه". |
|
|||||||||||||