العدد 63 - ثقافي
 

مراجعة: مارك ليفاين

يمثل كتاب «العولمة والعالم الإسلامي » مساهمة مهمة في أرقى ما توصل إليه التخصص الأكاديمي في مجال دراسة العولمة في العالم

الإسلامي، بخاصة وأن الأبحاث التي قامت عليها المساهمات الإحدى عشرة التي يضمها الكتاب، جاءت قبل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ، فهي تذكرنا بأولويات العلماء المتخصصين قبل أن «يتغير كل شيء »، وأولويات كثير من الباحثين الذين انتقلوا إلى القضايا العديدة التي استخدمت في إطار الحرب على الإرهاب.

تلقي فصول الكتاب الضوء على المشاكل التي واجهها التيار الرئيسي في هذا التخصص لدى النظر للعولمة - أولا، بوصفها، وإلى حد كبير،

ظاهرة للشمال )في وقت كان قد تم توطينها في الجنوب(، وثانياً، من خلال «إهمال النشاط الديني » بوصفه شكلا مشروعا وحديثا لتجربة

العولمة. الفصل الأول من الكتاب، الذي وضعه بيرجت شايبلر بعنوان «تمدين الآخرين »، يثبت هذه النقطة بنقاش حول الشبه بين الفهمين؛

الأوروبي والإسلامي لـ"الحضارة"، وكيف بقي كذلك حتى الحقبة الإمبريالية العليا، حين بدأ الأوروبيون يعيدون تخيل العالم الإسلامي بوصفه منطقة متخلفة ومفتقرة إلى الحداثة، والتي كانت، في أفضل الأحوال، تحتاج إلى تمدين. في تلك اللحظة بدأ تحويل الحضارة من «مفهوم كوني » يمكن من خلاله لجميع الشعوب المشاركة فيها، إلى مفهوم يشير إلى أهمية العديد من الكتل الثقافية والتراثية الكبرى، التي تم التمييز بينها على أساس موقعها على خريطة البربرية والحداثة.

الفصل الذي وضعه مهرزاد بروجردي بعنوان «إخضاع العولمة » يوسع من فكرة اتساع الحضارة، فهو يتضمن توبيخا عنيفا للمختصين الغربيين، أو أولئك الذين يعيشون في الغرب، وينبههم إلى ضرورة إيلاء مزيد من الانتباه إلى النسخ الوطنية من الفكر المعولم بحسب شروطه هو، من دون أن يحاول إرجاعها أو وضعها في سياق النماذج الغربية. ويثبت بروجردي، بطريقة مشابهة بعمل عالمي الأنثروبولوجيا جين وجون كوماردوف حول شبكات «الجنوب – الجنوب » في النظرية النقدية، أي كيف أن حركات التوطين في العالم الإسلامي تناقض مزاعم كثير من علماء الغرب، عن أن هذه المعرفة هي بالضرورة «اعتذارية، شوفينية وأصولية » وغير ذلك من الأوصاف السلبية. من المؤكد أن فكرة تحرير «العقول الأسيرة » قد شغلت جيلا بأكمله من المثقفين الجنوبيين. وما يرسخ هذا الاعتقاد هو الرؤى المزدوجة القائلة إن الثقافة والعلوم الاجتماعية الغربية لم يكونا النموذجين الوحيدين الصالحين لأن يتبعهما علماء الجنوب )أو حتى أفضل نموذجين(. المثير للاهتمام هو أن هذا الشعور قد انبثق من الشكوك نفسها التي رددتها السرديات الغربية الرئيسية، حول العقلانية الكونية والعلوم المحايدة التي كانت حافزا للنظرية ما بعد النيِتشوية في الغرب. وعلى أي حال، ففي الوقت نفسه، كانت عملية التوطين مشوبة بالصعوبات لأنها قد تنتج نوعا من «الفصام الثقافي » الذي يقوم فيه «العلم الاجتماعي »، على سبيل المثال، بنقد الحداثة، ولكنه يحاول القيام بالأدوار الاجتماعية نفسها التي يقوم بها علم الاجتماع الحديث.

هذه النقطة الأخيرة تبرز أيضا في الفصل الذي وضعته جوسلين سيزاري بعنوان «الإسلام في الغرب »، والذي يستكشف كيف أن عملية

إضفاء سمات الفردانية والعلمانية على الإسلام، التي تتطور بين مسلمي الشتات في الغرب، قادت أحيانا إلى «صراع بين الحضارات » بين عائلات مسلمة، وليس على المستوى «الحضاري »، وهو ما يركز عليه التيار الرئيسي من العلماء من أمثال صامويل هنتنغتون.

يثبت الفصل الذي وضعه لايف ستنبيرغ بعنوان «الإسلام، المعرفة والغرب »، كيف أن العقلانية التي يقوم عليها إنشاء علاقات أيديولوجية جديدة مع التاريخ على أيدي بعض الإسلاميين المحافظين، تهدف إلى وضع تاريخ طبيعي لإرشاد المؤمنين الذين يرون أن الغرب )وكذلك العديد من جوانب مجتمعاته(، قد «اتخذ اتجاهاً خاطئاً أساساً »، )ص 103 (. القسم الثاني من الكتاب يبني على الآراء الواردة في القسم الأول عبر استكشاف مدة الدوام الطويلة للعولمة، ثم وصولها إلى أكثر أشكال الإعلام حداثة: الإنترنت و «المفتون العالميون » الذين أفرزتهم الفضائيات. ويقدم الفصل الذي وضعه هيذر شاركي تحديداً بعنوان «العولمة، الهجرة والهوية »، مناقشة قيمة لكيف أن ما بدا أنه يقع في منطقة ما وراء العولمة، السودان في القرن التاسع عشر، كان، في واقع الأمر، مفصلاً رئيسياً للاندماج العالمي، ولحركة الشعوب والبضائع والرموز الثقافية. أما الفصل الذي وضعه ياكوب سكوفغارد بيترسون بعنوان «المفتي العالمي »، فإنه يذكرنا بأنه في بعض الأحيان، تكون بعض الشخصيات ووسائل الإعلام التي يبدو من الواضح أنها «عالمية »، مثل: يوسف القرضاوي، و «الجزيرة »، ربما كانت أقل إثارة للاهتمام من علماء وشبكات أخرى أقل انتشاراً، مثل: الشيخ الشعراوي المصري. فبرنامج الأخير على التلفزيون المصري، يعتبر في نظر بعض المشاهدين أكثر عالمية، حتى ولو بدا أكثر تقليدية.

وأخيراً، فإن الفصل الأخير الذي وضعته آن ماري أوليفر، يعود إلى قضية - «قلق الحضارة » - الذي كان مكوناً مهماً من مكونات النقاشات

السابقة في الكتاب. فتحليلها للتطبيق الحرفي المفترض الذي تتبعه حماس، يظهرها على أنها ليست مجرد «رد فعل تفكيكي للعولمة »على حداثة قاسية، بل بوصفها أيضاً جزءاً من محاولة لإنشاء أيديولوجية مضادة للعالمية تقوم بخدمة أهداف لغوية وجمالية، وسياسية ودينية كذلك. وبطريقة قريبة من الموضوع الأخير الذي وضعته الفلسطينية مي الجيوسي، تذكرنا أوليفر بأن أعمال العنف المشهدية، مثل التفجيرات الانتحارية وضيق الأفق الذي تمثله «تشير دائماً إلى قوة مخربة تفعل فعلها »، تحتاج دينامياتها الجمالية إلى الاستفاضة في الشرح بطريقة أكثر رقياً مما تحقق هنا. )ص 214 ( ومع أنها لا تقيم مثل هذه المجادلة، يبدو من نقاشها أن إغواء التفجيرات الانتحارية )وفي إمكاننا أن نفترض أيضا، العنف المفرط الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين أيضاً(، يمكن أن يأتي جزئياً على الأقل، من الإيمان في ما يمكن أن «يرمز إليه » بعدم قدرة الآخ

إيلاء الاهتمام للنماذج الوطنية
 
12-Feb-2009
 
العدد 63