العدد 63 - سينما وتلفزيون
 

عدي الريماوي

يقلق كثيرون مع تقدّمهم في العمر، ومع مرور السنوات، من تعرضهم لأمراض مختلفة أو لفقدان الذاكرة، ويتجنبون كشف عمرهم الحقيقي للناس،

أما بالنسبة لـ" بينجامين بوتون" ، فقد كان الأمر مختلفاً، فمبعث قلقه أنه سيصبح طفلاً صغيراً حينما يكبر!.

لم تخطئ «أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية ،» حينما منحت الفيلم المميز «القضية الغامضة لبينجامين بوتون » أعلى عدد من الترشيحات لجوائز الأوسكار، فهو فيلم متكامل تتضافر فيه الأحداث السلسة والإخراج المتقن، مع الموسيقى التصويرية الهادئة والقصة الفريدة من نوعها، التي تشد المشاهد بمجرد السماع عنها، ليخرج فيلماً سيتحدث عنه الكثيرون لفترة طويلة.

يقوم ببطولة الفيلم النجم الوسيم براد بيت، الذي انتقده كثيرون لاعتماده على مظهره، وعدم تقديمه أفلاما مميزة إلا ما ندر، حين نال ترشيحاً لجائزة الأوسكار في العام 1995 ، لكنه استطاع من خلال هذا الفيلم إثبات قدرات تمثيلية متميزة، إلى جانب الممثلة المبدعة كيت بلانشيت، الحاصلة على جائزة الأوسكار، والتي رُشحت لها أربع مرات أخرى. تشاركهما التمثيل الحائزة على جائزة الأوسكار للعام الفائت، تيلدا سوينتون.

يستند الفيلم إلى قصة | قصيرة للكاتب سكوت فيتزغيرالد كتبها في عشرينيات القرن الفائت، وتتحدث عن طفل يولد عجوزاً في الثمانين من عمره، ويبدأ عمره بالرجوع إلى الوراء حتى يموت وهو طفل، ومن المدهش أن وعيه يزداد نضجاً كلما صغر عمره، فهو يظهر كأنه في السبعين من عمره ويتصرف كصبي يبلغ من العمر عشر سنوات، وحين يصبح بهيئة صبي عمره عشرة أعوام، يفكر ويتحدث وكأنه عجوز في السبعين!.

يبدأ الفيلم بالحديث عن رجل يستطيع صنع ساعة تمضي للوراء، أملاً بأن يعود الزمن للماضي ويعيد له ابنه الذي قتل في الحرب، وكأن هذه الساعة هي التي صنعت بينجامين، وينتقل بنا الفيلم من لحظة مفاجأة الأب عندما يرى ابنه على هذه الهيئة، فيقوم بإلقائه على باب مأوى للعجزة، وتقوم امرأة هناك بالعناية به كأنه ابنها، ويبدأ مع مرور الزمن بتناقص عمره، فينتقل من عجوز لا يستطيع المشي، إلى كهل يستعين بعكازين، في حين أنه يفكر ويتصرف كطفل، ثم يبدأ الشباب يظهر على وجهه وجسده تدريجياً، ليجوب العالم وينتقل من مكان إلى آخر، ويصل إلى أحد الموانئ، فيعثر على عمل هناك على إحدى السفن. وعندما يعود بينجامين إلى دياره، يتعرف عليه والده ويعطيه مصنع الأزرار - الذي منح الاسم لعائلته - فتزدهر حياته ويعيش مع المرأة التي أحب، ثم يضطر لتركها عندما ينجب منها بنتاً، ويعلل ذلك بأنها «لا تستطيع أن تُربي كليهما معاً ». ونرى المشهد الأخير المؤثر، حينما تحمله زوجته، وهو طفل «في الثمانين من عمره » فينظر إليها النظرة الأخيرة، ويودعها للأبد.

يبدع المخرج ديفيد فينشر الذي قدم أفلاماً رائعة تعاون فيها مع «بيت » نفسه، مثل «نادي القتال » و «سبعة » -ونال كلاهما إعجاب النقاد والمشاهدين- في إخراج فيلم كلاسيكي، من حيث طريقة الإخراج المختلفة التي تعتمد على المشاهد المقطعة، واستخدام أسلوب الراوي. إذ تروي ابنة هذا الرجل القصة لأمها التي ترقد على فراش الموت، ويراوح المخرج بين صوت البنت وصوت بينجامين المتداخل معه، سارداً تفاصيل حياته المميزة بطريقة سلسلة ومؤثرة. رغم أن مدة الفيلم تزيد على الساعتين ونصف الساعة، إلا أن قصته الفريدة وسلاسة عرض أفكاره،

تجذب المشاهد إليه، وتساهم الموسيقى التصويرية الهادئة، واللكنة الأميركية الجنوبية المميزة، على إضفاء نكهة مختلفة لهذا الفيلم، الذي لا يحتوي على أحداث متلاحقة ويخلو من التشويق، إلا أن الأداء المختلف لممثليه، ولهفة انتظار نهاية هذا الرجل، تفرض على المشاهد البقاء أمام الشاشة.

ديفيد آنسين، كتب في مجلة «نيوزويك » الأميركية، أن الفيلم «حزين، سوداوي، ويغرق في حس من الموت المؤقت والمنتظر »، وأضاف: «فيلم ديفيد فينشر إعادة طرح راديكالي للحياة ». في حين قال بيتر راينر من صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور » إن «الفيلم ليس عن التاريخ أبداً، إنه قصة حب لجميع الأجيال، وعند نهاية الفيلم، نشعر وكأنه يتحدث عنا جميعاً .» نجح الفيلم الذي أطلق في عيد الميلاد الماضي، بجمع 120 مليون دولار في شباك التذاكر الأميركي، وهو رقم يعدّ متواضعاً في السينما الأميركية، إلا أنه من المتوقع أن يزداد الإقبال على الفيلم بعد ترشيحات الأوسكار، التي ترفع من أسهم هذه الأفلام.

"القضية الغامضة لينجامين بوتون" : لهفة انتظار النهاية
 
12-Feb-2009
 
العدد 63