العدد 63 - كاتب / قارئ
 

ذهبت إلى مدرسة ابني البالغ من العمر عشر سنوات، وتوجهت إلى صفه لأسأل معلمته عنه. عندما عاد من المدرسة طلب مني ألاّ أذهب مرة أخرى إلى مدرسته، وإذا حدث وجئت، فإنه لا يريدني أن أذهب إلى صفه كما فعلت اليوم.

سألته عن السبب، فرفض الإجابة، لكنه في النهاية انفجر باكيا، وقال إن الأولاد "عيّروه" بأمه غير المحجبة. قال إن ولدا سأله: هل أنت مسلم؟ وعندما أجاب بالإيجاب، قال له الولد: إذن أمك كافرة. ولد آخر سأله: أمك ما بتستحي تمشي في الشارع من دون منديل؟ ما حدث لم يحدث في إحدى قواعد طالبان، بل في الصف الرابع الابتدائي في واحدة من المدارس الأردنية. كنت أعرف أن الأولاد سيبدأون في النهاية بمضايقته على المسألة هذه بالذات، فنحن نسكن في منطقة شعبية، وأنا الوحيدة في دائرة قطرها 2 كيلومتر التي تعدت الثالثة عشرة ولا تضع منديلا.

| لكنني لم أتوقع أن المواجهة ستكون مبكرة هكذا، ولا بهذا العنف، أن يقوم ولد في العاشرة من عمره بتكفيري لأنني لا أغطي شعري. أعتقد أن ما حدث مع ابني لا يمثل حالة فردية، بل أجزم أن هذه هي بالضبط نوعية الأفكار التي تمررها الغالبية الساحقة من أسرنا لأطفالها، وإلا ما كنّا مجتمعا يرفض الآخر بهذه الطريقة، الآخر المختلف دينا أو فكرا أو بلدا أو حتى لونا. وعندما يغيب الآخر المختلف في عقيدته أو لونه، ننكفئ على

أنفسنا، فننقسم مثل كائنات أحادية الخلية إلى أقاليم وعشائر و"حمايل" وأفخاذ، لنبدأ في رفض الآخر الذي يتخلق منّا . أعتقد أيضا أن المناهج الدراسية تقوم بإكمال مهمة الأسرة، فمناهجنا الدراسية ما زالت تطرح المسلمين بوصفهم أمة الله المختارة، وتمسخ الأمم الأخرى في عيون التلاميذ الصغار، عندما تختصرها في عبارة واحدة "مجتمعات غربية منحلّة".

في مناهجنا الدراسية لا تحضر الأمم الأخرى إلا عندما نريد أن نستذكر فضلنا في الماضي عليها، أو عندما نريد أن مقارنة أسرنا المتماسكة بأسرها المفككة، أو عندما نتغنى بأخلاقنا الحميدة مقابل أخلاقها غير الموجودة. لقد راهنت كثيرا على التربية، وعلى محاولاتي المستميتة لجعل ابني ينفتح على العالم دون مسلّمات جاهزة، رغم هذا كنت أعرف أنني في النهاية سأواجه مواقف مثل هذه، لأن للمجتمع والبيئة في النهاية سطوة ليس سهلا علينا نحن البالغين تجاوزها، فما بالك بالأطفال. أختم بالموقف غير التربوي الذي حدث مع صديقتي، التي عُينت معلمة للصف الأول الابتدائي في قرية نائية، وفي أيامها الأولى وقفت واحدة من البنات وقالت لها ببراءة: "أمي تقول إنك قليلة أدب، لأنك تأتين إلى المدرسة دون منديل". فردت دينا: "قولي لأمك مس دينا بتسلم عليك وتقول لك إنها تنوي أن تأتي إلى المدرسة دون ملابس".

نبيلة أحمد

المناهج والموقف من الآخَر
 
12-Feb-2009
 
العدد 63