العدد 63 - كتاب
 

اشترط المُشرّع على مالكي السيارات كافة، على اختلاف أنواعها، ضرورة إجراء تأمين إلزامي عند ترخيص وتجديد ترخيص سياراتهم، كما ألزم شركات التأمين القائمة بذلك. وكان واضحاً منذ البداية أن هذا النوع من التأمين الإجباري يهدف إلى إيجاد مظلة قانونية وعملية لحماية حقوق «الطرف الثالث »، أو لتعويض أي مواطن من غير المؤمنين أو المؤمن عليهم، يتعرض لإصابات أو أضرار، أو لتعويض أسرهم في حالة الوفاة من حادث سيارة، أي سيارة، وفي نطاق حدود وشروط وترتيبات مدرجة في القانون وفي الأنظمة الصادرة بمقتضاه.

ولأنه تأمين فُرض بولاية القانون، فإن شروطه وتكلفته وتفاصيل التعويض للمتضرر لم تترك لشروط العقد، وإنما جرى تحديدها، وبخاصة بالنسبة لرسم التأمين، بنص صريح في القانون أو النظام مع إمكانية تحريكه وتعديله بالزيادة أو النقصان مع تغيّر المعطيات، وقد ازداد هذا الرسم بأكثر من ضعف في تعديل مبالغ فيه في عهد حكومة علي أبو الراغب.

وفيما شكل فرض هذا الرسم أو مضاعفة قيمته بعد ذلك عبئاً ثقيلاً على المواطن العادي مالك وسائق السيارة، وبخاصة الصغيرة منها، فإنّ

الرسم الذي حددته الحكومة قبل الزيادة وبعدها كان كافياً لتغطية كل التعويضات التي دفعتها شركات التأمين لمتضرري حوادث السيارات، وبقاء فائض يشكل هاجساً ربحياً معقولاً لأكثر من شركة أو حتى لكل شركات التأمين العاملة، وكان تكاثر وتضاعف أعداد السيارات العاملة في البلاد ما سمح بذلك والاستمرار في جدوى هذا التأمين لأطرافه كافة ولتحقيق مستوى جيّد من الربحية للشركات المؤمنة.

فعلى سبيل المثال، منذ 2004 وحتى نهاية 2008 ، وطبقاً للأرقام المنشورة من قبل هيئة التأمين الأردنية، تجاوزت قيمة الأقساط التي حصلتها جميع الشركات عن تأمين السيارات «المركبات » قيمة التعويضات التي دفعتها عن أضرار الحوادث، وليبقى للشركات فائض سنوي يراوح بين 17.5 مليون دينار العام 2002 و 19 مليون دينار العام 2008 ، ولا يغيّر من حقيقة تحقق الربح الأخذ في الحسبان مصاريف الشركات الإدارية والمالية الموزعة على فروع أنشطتها التأمينية، أو أن هامش ربح التأمين الشامل للسيارات يتجاوز هامش ربح التأمين الإلزامي.

وللأسف لاحظنا أن شركات التأمين العاملة في الأردن، أو اتحادها، لم تكتف بالسقف الذي تحدد لرسم التأمين الإلزامي، الذي حقق لها ربحية جيدة، في معظم الحالات، بل لجأت إلى المطالبة بزيادة قيمة ما تحصله بابتداع آلية جديدة معقدة وغير منطقية، يتيح لها رفع سقف قيمة التأمين الإلزامي على كل سيارة ارتكب صاحبها أو سائقها مخالفات أو تسبب في أضرار للغير، وبحيث ترتفع القيمة المضافة للرسم القانوني بالتوازي مع زيادة عدد المخالفات وحجمها. وقد استجابت الحكومة ممثلة في هيئة التأمين لمطالبة الشركات بهذا الترتيب، ونصت عليه ضمن نظام معدل، ولكنها أحاطته ببعض الشروط والقيود بحيث لا يتم تطبيقه وتحديد مداه إلاّ بعد موافقة واعتماد مديرية الأمن العام )دائرة السير(، وهيئة التأمين له.

معظم شركات التأمين في لهفتها لاكتساب المزيد من الإيراد والربحية في أجواء وظروف أصعب أزمة مالية واقتصادية محلية ودولية، سارع مؤخراً إلى تنفيذ هذا التوجه غير المتوازن وغير العادل بقرار منفرد من قبلها بما يتضمنه من أعباء مالية وأخرى إجرائية على السائقين المطلوب منهم إحضار جدول معتمد بالمخالفات من دائرة السير وتقديمه لشركة التأمين شرطا مسبقا لإصدارها بوليصة التأمين!!.

وفيما يسجّل لمديرية الأمن العام، وهيئة التأمين معارضتها لممارسة شركات التأمين هذه، وتغريم بعضها، والطلب منها تجميد تطبيق نص المادة ) 7( التي تربط قيمة قسط التأمين الإلزامي بمستوى المخالفات والحوادث المرورية حتى أيار/مايو المقبل، فإننا نرى بدلاً من ذلك أو إضافة إلى ذلك، إلغاء وشطب هذه المادة، وهذا الربط الذي يقترب من البدعة لعدم منطقيته وعدم عدالته في تحميل صاحب السيارة وسائقها

عبء غرامة المخالفة مرتين، الأولى: عند ارتكابه المخالفة ودفع قيمتها إلى الحكومة/الأمانة، والثانية: بالقيمة نفسها وربما أكثر، ولصالح الشركة عند تجديد الترخيص، كما أنه يفتح أكثر من باب للمزاجية والتجاوز في تحديد قيمة قسط التأمين من قبل بعض الشركات في وضع يصعب فيه متابعة ومعرفة ما تطلبه أو ما تقوم الشركة بزيادته مقابل المخالفات، فيما تتحمل مديرية الأمن، وهيئة التأمين مزيداً من متاعب ازدحام المراجعين، ومزيداً من التكلفة الناجمة عن تطبيق هذا الإجراء. أمّا مشكلة زيادة وتكاثر المخالفات، والحوادث المرورية، واتساع نزيفها البشري، كما المالي، فإنّ لمواجهتها والحدّ منها منافذ ووسائل أخرى لا يكون من بينها ربط قسط التأمين بالمخالفة، ونتطلع مرة أخرى إلى شطب وإلغاء هذا الربط في القانون، أو في النظام وليس تأجيل تطبيقه فقط.

أحمد النمري: التأمين الإلزامي عبء آخر
 
12-Feb-2009
 
العدد 63