العدد 63 - اقتصادي
 

محمد علاونة

تعيش مجموعات من المواطنين في دول الخليج حالة قلق مستمر بسبب مخاوف من فقد وظائفهم، وسط موجة استغناء عن العاملين في تلك الدول طاولت خليجيين، بحسب تقرير لشركة «أدفانتج » للاستشارات الإدارية والاقتصادية، صدر الشهر الجاري. وأفاد التقرير أن سوق العمل في منطقة الخليج العربي فقد نحو 30 ألف وظيفة، بين عمالة متدنية وإدارة رفيعة، وتوقع الإعلان عن فقدان 30 ألف وظيفة مع نهاية الربع الثاني من العام 2009 .

«فقدت عملي بسبب إعادة هيكلة الشركة ،» يقول سفيان الجمل، الذي كان يعمل في إحدى شركات التأمين في الكويت، لكن الجمل يقلل من وطأة الصدمة، بحسب تعبيره، فهو حصل على حقوقه كاملة، التي تضمنت تعويضاً وبدل نهاية خدمته في الشركة والتي استمرت 10 سنوات، فبحسب الجمل، هناك من فقد عمله بسبب حالة إفلاس أعلنتها الشركة، فلم يحصل العاملون فيها على حقوقهم. حال الجمل مثل حال كثيرين ممن يعملون

في دول الخليج، لكن قوانين العمل في تلك البلدان، بحسب الجمل، تختلف حين يأتي الأمر إلى عمليات إنهاء الخدمة. الجمل يشرح بأنه يصدر، في بعض الأحيان، كتاب إنهاء خدمة يتبعه تعويض، كما حدث معه، لكن في بعض الأحيان تلجأ إدارات شركات إلى إيكال مهام إضافية للعامل في حال لم تخفض الراتب.

وبالرغم من عدم وجود دراسات تفصيلية حول مهن العاملين في الخارج، إلاّ أن قادمين من دول الخليج بينوا أن معظم الأردنيين يعملون في المهن الفنية والإدارات المتوسطة، وتتراوح رواتبهم بين 600 و 1200 دينار. الخبير الاقتصادي هاني الخليلي، يؤكد وجود مؤشرات واضحة لتسريح عمالة أجنبية في الخليج ومنها عمالة أردنية، وهو ما اعتبره خطيراً، فمعظم العمالة الأردنية في الخارج تعمل في منطقة الخليج، التي أخذت تعاني من | أزمة حقيقية مرشحة لأن تتفاقم خلال الشهور القليلة المقبلة، وكان أبرز معالمها وقف بعض المشاريع، وحدوث ركود غير مسبوق تعاني منه الشركات الكبرى. وتأتي تأثيرات تسريح عمالة أردنية، بالدرجة الأولى، على تحويلاتهم إلى المملكة التي تأثرت أيضاً بمعدلات التضخم التي شهدتها دول الخليج، واستنزفت مداخيلهم، بعد أن كان العاملون يحولون أكثر من 50 في المئة من دخلهم باتوا يرسلون أقل من 25 في المئة، بحسب الخبير الاقتصادي منير الحمارنة. وتأتي أهمية تحويلات المغتربين من أنها تندرج في بند الحساب الجاري في نشرة «البنك المركزي الأردني »، الذي يشمل «الميزان التجاري، حساب الخدمات، حساب الدخل، التحويلات الجارية »، ويتضمن بند التحويلات الجارية «تحويلات العاملين » الذي يتضمن مجموع المبالغ التي يحولها الأردنيون العاملون في الخارج من طريق الجهاز المصرفي ومحلات الصرافة. وفقاً للبيانات الأولية للبنك المركزي، فقد شهد إجمالي تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي تراجعاً نسبته 13.1 في المائة، وخلال الأحد عشر شهراً الأولى من العام 2008 ، ارتفع إجمالي تلك التحويلات بنسبة 11.3 في المئة لتبلغ 2.478 بليون دينار. وبحسب البيانات، فإن تحويلات هؤلاء المغتربين حققت نمواً مطرداً خلال السنوات الأخيرة؛ إذ كانت تبلغ قيمتها 1.28 بليون دينار العام 2001 ، قبل أن ترتفع إلى 1.36 بليون دينار في العام 2002 ، ثم زادت إلى 1.4 بليون دينار العام 2003 وبلغت 1.46 العام 2004 ، ثم ارتفعت إلى 1.54 بليون دينار العام 2005 ، ثم زادت العام 2006 إلى 1.78 بليون دينار، بينما قفزت بعد ذلك إلى 2.1 بليون دينار العام .2007 في الجانب الآخر، هنالك شركات في دول الخليج تراجعت عن قرارات تسريح عمال بعد تدخل الحكومة، مثلما حدث في شركة بتلكو البحرينية التي وضعت 42 عاملاً تقرر الاستغناء عن خدماتهم أمام خيارين: الأول: أن يحتفظوا بأعمالهم ولكن في وظائف أخرى ترى الشركة أنها تتناسب مع مؤهلاتهم وخبراتهم، والثاني: إحالتهم للتقاعد الطوعي المبكر الذي سبق الاتفاق عليه بين النقابة وإدارة الشركة. التطورات المتسارعة في أسواق العمل الخارجية تتطلب تحركاً فورياً من قبل الحكومة، نحو مطالبة الدول الدائنة بالسماح للأردن بوقف دفع خدمة الدين كون الأزمة الاقتصادية سيكون وقعها أكبر لدى الدول الدائنة، بحسب ما يقول الحمارنة. البيانات الرسمية تشير إلى أن الحكومة قدرت خدمة الدين الخارجي ما بين موازنة ومكفول، للعام 2008 بنحو 386 مليون دينار منها 128.6 مليون دينار فوائد. ورى الحمارنة أن الوضع الاقتصادي الراهن، وما قد يتحقق من توقعات بحدوث انخفاض في الإنتاجية، على خلفية التأثر بالأزمة المالية العالمية، إضافة إلى تسريحات محتملة بحق عمال أردنيين، سوف يلقي بظلاله على معدلات البطالة، التي سترتفع متجاوزة نسبة 17 في المئة المعلنة رسميا، كما يتوقع حدوث انخفاض في التحويلات المالية التي كانت، على الدوام، عماداً أساسياً من أعمدة الاقتصاد الأردني. يذكر أن معدل البطالة في المملكة قد سجل أدنى مستوياته في 16 عاماً العام 2008 ، بوصوله نحو 12.9 في المئة، وذلك بحسب أرقام صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة. لكن الخليلي القادم من دبي أخيراً، يرى أن من الصعب الآن تقدير أعداد الذين سيفقدون وظائفهم سواء محلياً أو في الخارج، ويؤكد أن التحويلات ستشهد تراجعاً ملحوظاً خلال الأشهر المقبلة. يقول الخليلي: «إن لم يفقد الأردنيون وظائفهم في الخارج، فإن رواتبهم سيطرأ عليها انخفاض في حال تفاوض أرباب العمل مع من يستخدمون للاحتفاظ بتلك الوظائف .» تقرير مؤسسة «أدفانتج » يقول: «إن بعض أكبر الشركات العقارية في إمارة دبي، مثل «إعمار » و «نخيل » و «تعمير » و «داماك ،» عمدت إلى الاستغناء عن أكثر من 1500 موظف، معظمهم في قطاع التسويق، بعد تراجع الطلب على العقار في الإمارة بمعدل تجاوز 40 في المئة .»

ورجحت المؤسسة العالمية أن تنخفض نسبة الزيادة في الرواتب في كل من البحرين والكويت وعُمان والسعودية إلى 8.4 في المئة و 8.1 في المئة و 9.7 في المئة و 7.8 في المئة على التوالي، بسبب الانكماش الاقتصادي السائد، مع خفض الوظائف، وخصوصاً في قطاعات الاستثمار والمصارف والعقار. دول الخليج تضم القسم الأكبر من المغتربين الأردنيين، إذ يتجاوز عددهم 600 ألف أردني، وفقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية الأردنية. من بين الدول الخليجية، تعتبر السعودية البلد الذي يعيش فيه أكبر عدد من الأردنيين، حيث يصل عددهم 260 ألفاً، فيما يبلغ عددهم في الإمارات 250 ألف مغترب، مقابل 42 ألفاً في الكويت. الشريحة الكبرى من العمالة الأردنية في الخارج التي ستتأثر بالموجة الجديدة هي مغتربو السعودية التي تستقطب العدد الأكبر من المغتربين. يشار إلى أن موازنة العام ٢٠٠٩ أشارت إلى عجز متوقع بمقدار ٦٥ بليون ريال، أي نحو ١٧ .٣ بليون دولار، وذلك للمرة الأولى منذ ٢٠٠٢، وذلك نتيجة للانخفاض الحاد في أسعار النفط.

أما في الإمارات، فتوقعت غرفة التجارة في أبو ظبي أن يتخلى قطاع البناء عن نسبة كبيرة من موظفيه قد تصل إلى 45 في المئة، وقليلمنهم أردنيون الذي يشغلون مناصب إدارية في شركات العقار. موجودات البنك المركزي من العملات الصعبة يمكن أن تنخفض في حال راجعت التحويلات، بحسب الخليلي، الذي يرى أن الأسواق ستعاني من حالة انكماش أيضاً بسبب انخفاض مشتريات الذين يتلقون التحويلات من ذويهم. داخلياً، أبدى الخليلي تفاؤله، لكنه تفاؤل مشروط بإحداث البنوك انفراجاً في تقديمها للتسهيلات، خصوصاً في قطاعات التجارة والعقار، وهو يتساءل، عن أسباب تحفظ البنوك تجاه منح التسهيلات لمن يرغب في شراء شقق سكنية ومركبات، بينما لا يطبق ذلك على منح تلك التسهيلات لشراء الأسهم التي وصفها بالاقتصاد الوهمي، وتحمل كثيراً من المخاطر. ويرى الخليلي أن الأردن، برغم الأزمة المالية العالمية، قادر على استقطاب الاستثمارات لمواجهة تداعيات انخفاض تحويلات العاملين، لوجود عوامل تتمثل في انخفاض أسعار السلع والمشتقات النفطية، إضافة إلى ربط الدينار بالدولار، الذي يضيف قوة للعملة المحلية ويمنعها من تراجع قيمتها، وهو ما بيّنه الحمارنة بالقول: «إن من الأجدى للحكومة تحويل الاستثمارات إلى قطاعات مجدية تولّد الدخل وفرص العمل".

مخاوف من تراجع أحجام تحويلات أردنيين عاملين في بلدان الخليج
 
12-Feb-2009
 
العدد 63