العدد 63 - دولي
 

ستيفن غلين

يمكن إرجاع الفوضى التي حلت بغزة إلى المبادرة الأميركية الفاشلة للتخفيف من الضغط الإسرائيلي على الاقتصاد الفلسطيني. فقد تعرضت اتفاقية العبور والحركة، أولا من خلال جر إسرائيل إلى مفاوضات مع الحكومة الأميركية حول شروط شبكة المسح الضوئي ذات التقنية العالية، ولاحقا بعد نجاح حماس في الانتخابات البرلمانية التي جرت في كانون الثاني/يناير 2006 ، وذلك على أيدي أصدقاء إسرائيل الصقوريين في واشنطن.

ومهما كانت جدية الرئيس باراك أوباما في بحثه عن سلام في الشرق الأوسط، فإن القصة المحزنة لاتفاقية العبور والحركة، تكشف كم إن هناك في العملية السياسية الأميركية، تمترسا لجماعات ذات مصالح، معادية لأي أفق نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة واقتصاد مزدهر تقوم عليه.

ردت واشنطن على انتصار حماس الانتخابي بحصار مالي على السلطة الفلسطينية، فجمدت اتفاقية العبور والحركة، بخاصة وأنها على صلة بمعبر كارني، وهو المعبر التجاري الرئيسي لغزة، وفي المعدل لم تكن تعبر أكثر من 20 شاحنة إلى غزة ومنها في العام 2006 ، أي نحو 5 في المئة من الحجم المستهدف في اتفاقية الحركة. وبعد عام من فرض إجراءات الحصار الأميركية، أعلن البنك الدولي أن الإجراءات في كارني "غير مقبولة". واستمر اقتصاد غزة في التدهور، ومع أواسط العام 2007 ، كانت الأمم المتحدة تحذر من أزمة إنسانية.

وعلى الرغم من أن عددا من المراقبين من الجانب الأميركي كان يتوقع فوز حماس الكاسح، فإن لجنة الشؤون الخارجية الأميركية الإسرائيلية )آيباك( لم تنتهز أي فرصة. وقبل التصويت في الانتخابات، كانت جماعة الضغط المذكورة التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، توزع مذكرة على المسؤولين، تشجعهم فيها على رفض أي حكومة فلسطينية تشارك فيها حماس. )تتمتع آيباك بسجل عن الكيفية التي يصوت فيها المسؤولون الأميركيون على التشريعات المتعلقة بإسرائيل. فهي عادة ما تطلب من سيناتور أميركي أو عضو برلمان من أصدقائها، أن يطالب بتصويت مسجل، بحيث يمكنها تحديد الأعضاء الذين صوتوا لصالحها، ثم ينشرون النتائج في مجلة آيباك إنسايدر، وهي دورية فصلية تصدرها المجموعة.( وعلى موقعها على الشبكة الإلكترونية، تم كيل المديح لآيباك على دور القابلة القانونية الذي قامت به لإصدار قرار المجلس رقم 575 ، في 18 تشرين الثاني / نوفمبر 2005 ، والذي نص على أن "حماس وغيرها من المنظمات الإرهابية يجب ألا تشارك في انتخابات السلطة الفلسطينية."

وبعد أيام من فوز حماس، وبعد عمل دؤوب قامت به آيباك في هذا المجال، قدم البرلمان مسودتي قرارين وقدم مجلس الشيوخ قرارا آخر. وقد تحولت اللغة المستخدمة في المسودات إلى نصوص أدخلت على مسودة قرار يدعو إلى تمويل عاجل لحرب العراق، الذي تحول إلى قانون في 15 يونيو/حزيران 2006 . وينص القرار على منع أي "مخصصات لعمليات خارجية، من تمويل صادرات وبرامج ذات صلة...لمساعدة السلطة الفلسطينية." وبجرة قلم من واشنطن، أوقفت جميع المشاريع الفلسطينية التي تمولها الولايات المتحدة، ومن ضمنها برامج لجعل النظام القضائي الفلسطيني أكثر شفافية، وتدريب وتعليم قوى الشرطة، وجعل لجنة الانتخابات الفلسطينية أكثر مهنية. وفي مذكرة أرسلت

في 23 حزيران / يونيو، أصدرت وكالة التنمية الدولية الأميركية تعليمات إلى متعهديها في الضفة الغربية وغزة "لضمان عدم صرف أية أموال قد تعتبر معونة للسلطة الفلسطينية." وإلى حد كبير طبق المانحون الأوروبيون هذه التعليمات. وبالنسبة لكيث دايتون، كان القانون بمثابة هجوم مفاجيء على جهوده لتحسين عمل معبر كارني. وقبل شهر أو نحو ذلك من الانتخابات الفلسطينية، كانت وزارة الخارجية قد عينت الملازم في الجيش الأميركي والمخطط السياسي السابق في البنتاغون، منسقا للشؤون الأمنية للمشروع. وفجأة منع هو وفريق الخبراء التابع له من التعامل مباشرة مع أي عضو في الحكومة الفلسطينية باستثناء الرئيس محمود عباس. وللتعويض عن ذلك، أحضرت عناصر من الضباط والمهندسين العسكريين الكنديين للعمل بدلا من الأميركيين. ولحاجته إلى التمويل الأميركي، طالب بتقوية الأمن وتدعيم النشاط الاقتصادي على الجانب الفلسطيني من المعبر. وقد اختصرت مهمة دايتون في تنسيق المعونة الأميركية بالقطعة. وقد قام هو وفريقه بإقناع منظمة هولندية غير حكومية بالمساعدة في تمويل مزرعة للزهور مثلا، وأحضرت بعض المعونات البسيطة من تركيا والسويد. وقد تمكنوا من جمع 1.2 مليون دولار كندي من الحكومة الكندية لشراء كاميرات للأمن، ووافقت وكالة بريطانية للمعونات على تدريب حرس الحدود وبناء قاعة جديدة للطعام. ولمدة أربعة أسابيع في شهر كانون الثاني/يناير، تحولت غزة إلى ساحة للقتل، حين اشتبك مسلحون من فتح وحماس، بعد شهور من التوتر، في معارك كر وفر في الشوارع. ولتحنب الحرب الأهلية، دعا العاهل السعودي الملك عبد الله، قادة الطرفين إلى مكة، حيث وقعوا وبسرعة على تفاقية هدنة تحولت إلى قاعدة لحكومة وحدة وطنية بقيادة حماس. ولدعم عباس واستباقا لأي نزاع أوسع، أعلنت إدارة الرئيس بوش في كانون الثاني / يناير 2007 ، أنها سوف توفر لمكتب الرئيس نحو 86 مليون دولار مساعدات، منها نحو 16 مليون دولار تستثمر في معبر كارني، ولكن ما إن قدمت المعونة المقررة إلى مبنى الكابتول هيل طلبا للموافقة، حتى أوقفها الكونغرس. وتقول نيتا لووي المشرعة التي ترأس لجنة العمليات الخارجية التابعة للجنة مخصصات البرلمان، إنها وضعت يدها على المبالغ بدافع الخوف من أن تصل بعض الأموال إلى حماس. وقد حير قرار التجميد العديد من المراقبين في واشنطن، فهم في النهاية، يجادلون بأن المعونة كانت معدة للتوزيع نقدا ولكن ليس عينيا، كأن تكون مواد وخدمات مثل أجهزة الحاسوب والتدريب الذي تولاه فريق دايتون. وتقول مصادر الكابيتول هيل إن لووي قد اتخذت قرارها بعد لقائها مع دانييل أيالون، الذي كان آنذاك، سفير إسرائيل إلى واشنطن و"الذي لا يفرق بين حماس وفتح،" بحسب مساعد تشريعي طلب عدم ذكر اسمه. في آذار / مارس، وبعد أسابيع من قرار لووي، سافر إفراييم سنيه، الذي كان يمثل الجانب الإسرائيلي في اتفاقية العبور والحركة، إلى واشنطن لحضور مؤتمر القيادة السنوي لآيباك، وهناك، قام بتحذير أعضاء المجموعة لعدم دعمهم تطوير معبر كارني بوصفه حجر الزاوية في اتفاقية الحركة. وقد استدعى مكتب لووي والراحل توم لانتوس، النائب عن كاليفورنيا الذي كان أحد الموقعين على مشروع القانون المعادي لحماس، وأكد لهم أهمية كارني. كما التقى، هو وأحد المساعدين في وزارة الدفاع، بأعضاء وموظفي العلاقات الخارجية ولجنة المخصصات الخارجية. وفي كل خطوة كان سنيه يثبت الرسالة نفسها: ما هو جيد للاقتصاد في غزة، جيد لدولة إسرائيل. وأخيرا، أفرج عن بعض الأموال الخاصة بعمليات دايتون، ولكن ذلك كان متأخرا جدا، ففي حزيران/يونيو تغلبت حماس على قوات فتح المدعومة أميركيا في حرب أهلية قصيرة، ولكنها دامية. وبعد ذلك بقليل، بدأت مجموعات راديكالية في إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل.

معبر كارني: وقف معوان للسلطة كي لا تقع في أيدي حماس! (2-2)
 
12-Feb-2009
 
العدد 63