العدد 63 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير الدخول إلى عالم رجل الأعمال حيدر مراد يحمل معاني الصدمة: ثمة اجتماع صباحي لمجلس إدارة غرفة تجارة الأردن، يشترك به بدعوة مُلحة، صحفي جاء على موعده، وأكاديمي كثير الاستفسار، وموظفون يأتون للسلام، فضلاً عن طالبي حاجات يمدون أعناقهم عبر الباب غير الموصد، ما يذكر بثقافة السوق التي تأخذ بألبابه، على بساطتها. ولد مراد في غزة هاشم العام 1940 على يد الداية زهرة البلبيسي، وفي فمه ملعقة من ذهب، لكن حتى خصومه يشهدون بأنه عمل وثابر ولم يركن لدعة أو كسل. والده عيسى مراد، التاجر ذائع الصيت بين الأردن وبيروت وغزة.. تاجر بالزيت، والتمر، والصابون، والحبوب. حادث وقع أواخر الخمسينيات ما زال ماثلاً في ذاكرته، تمثل بغرق باخرة مستأجرة لأبيه محملة بكل أنواع البضائع. الخسارة كانت كبيرة، فقد فيها عيسى مراد كل ما يمتلك من مال في المتوسط العتيق. في وقت لم يكن فيه نظام تأمين على البضائع. ترك غرق الباخرة أثره البالغ على العائلة، وخاطب الوالد الذي تعين عليه أن يبدأ من الصفر مجدداً، ابنه البكر الذي كان في مقتبل شبابه بلهجة من يخاطب رجلاً: «إننا الآن لا نمتلك شيئاً، ولن نستطع أن نعيش ونأكل كما كنا بالسابق، أريد منك أن تصبر حتى يفرجها الله علينا». تعلم من والده الصبر عند الشدائد، كما تعلم أصول المهنة التي رأسمالها الصدق في المعاملة والإخلاص في العمل. لجأ الوالد إلى تكتيك تجاري، فقد ملأ محله بأكياس الملح كونه بضاعة رخيصة. لكي لا يعتقد الناس أنه خسر كامل أمواله، فضلاً عن وقوفه إلى جانب والده بالعمل في التجارة، أكمل دراسته في مدارس غزة، ومنها حصل على التوجيهي، ثم سافر إلى القاهرة ودرس التوجيهية المصرية، ثم انتسب لكلية الاقتصاد والتجارة في جامعة القاهرة، ومنها حاز البكالوريوس العام 1962. يصفه زميل له في القاهرة «بأنه كان طالباً مجتهداً، بعيداً عن السياسة، يتصف بالرصانة والثراء». عمل الوالد اقتضى تنقلاً دائماً، وفي مطلع الستينيات استقرت العائلة في الضفة الشرقية من الأردن. كبرت الشركة التي أسسها والده، وبعد وفاته اقتسم الأبناء التركة إثر افتقارهم إلى وسيلة تفاهم،، وانفصلوا عن بعضهم بعضاً، وفق خبير اقتصادي يعرف العائلة. تزوج في العام 1963، من سيدة غزية من عائلة اللولو، ولهما من الأبناء ثلاثة: عيسى، ويوسف، ومحمود، وثلاث بنات. جميع أبنائه يعملون بشركته، فيما يعلن هو تفرغه لغرفة الأردن التجارية. لا يؤمن بالزواج الثاني، ويعلن في كل مناسبة تقديره لزوجته التي سهرت وكافحت إلى جواره. لا ينكر أنه استكمل النجاح التجاري الذي حققه والده كتاجر مشهور. وليس دخوله إلى غرفة التجارة إلاّ تحقيقاً لطموح الوالد المرحوم. بدأت رحلته مع الغرفة حينما قرأ إعلاناً في الصحف عن فتح باب الترشح لعضويتها استعداداً للانتخابات العام 1986، فتذكر رغبة والده وسجل اسمه، رغم خشيته من ألا يكون النجاح حليفه، فقد كان صغيراً في السن، إلى جوار «عتاعيت التجار» المترشحين للمنصب. يوم الانتخابات وحينما بدأ الفرز، ذهب إلى البيت، واستغرق في نوم عميق، فلم يكن يتوقع النجاح. أيقظته زوجته بإلحاح قائلة: «المحافظ يطلبك. فقد فاز بأعلى الأصوات، والفارق بينه وبين رئيس الكتلة المنافسة الحاج حمدي الطباع تسعة أصوات». استلم في الغرفة لجنة مجمدة هي «لجنة التحكيم» وعمل على تفعيلها، حتى صارت من أنشط اللجان، واستطاعت أن تحل مشاكل كبيرة. وما زال إلى اليوم رئيساً للجنة. الانتقال من تجارة الوالد في «الحبوب» إلى تجارة الكهربائيات، حدث عن طريق شقيقه أحمد الذي درس صيانة التلفزيونات والكهربائيات. بدأ العمل بمحل بسيط لتصليح التلفزيونات وبيعها، ثم توسع تدريجياً، حتى أصبحت شركته من أكبر شركات البلد في هذا القطاع، ووكيلة لشركات عالمية كبيرة ومهمة، وفي الوقت نفسه دخلت في مجال الصناعة، وللشركة حالياً أحد عشر فرعاً في مدينة عمان ووكلاء في المحافظات. فرخت شركته المئات من الموظفين، الذين افتتحوا محالاً تجارية وشركات. «السر في النجاح في هذه التجارة أنها تتطلب تقديم خدمات ما بعد البيع، وقد ركزت على أهمية هذا الموضوع.. لذلك كنا نلبي جميع الطلبات التي تورد إلينا للصيانة». عن إدارته لغرفة تجارة الأردن التي يرأسها منذ اثني عشر عاماً، يقول: «أضع نصب عيني دوماً أن لا يتم خلط السياسة مع التجارة، والحقيقة كان التجار دائماً على مستوى المسؤولية في الانضباط والالتزام، لأن السياسة والتجارة لا يجتمعان، لذلك اعتمد الدبلوماسية ومصلحة التاجر والبلد، باتجاه الاستقرار السياسي والسمعة الطيبة للتجارة والتجار في الأردن». يصفه خبير اقتصادي بقوله: «رجل تجارة ورجل عام، يدلي بكثير من الآراء، واقتراحاته تدور في خدمة السياسات الاقتصادية المتنوعة، ولا أوافقه على كل ما يقوله». أقلع عن التدخين مؤخراً، ولا يفتأ يذكر زائريه بهذه الحقيقة، لكنه «يحثهم» على التدخين في حضرته!. لقبه الأحب «الحاج» وقد أدى الفريضة ست مرات. زار غزة آخر مرة العام 2006 بصحبة وزير الصناعة والتجارة، بعد غياب استمر عشرة أعوام، ولعله تملى في شوارعها، وحاراتها العتيقة، وبحرها متلاطم الأمواج، حيث ترقد سفينة والده وذكريات كثيرة بحلوها مرها. «حملت إلى غزة وفائي وانتمائي للأردن، وأعتبر نفسي سفيراً له، لما قدمه هذا البلد من دعم ومساعدة لأبناء قطاع غزة.. وكذلك ولائي لمليكي في كل زمان ومكان، الذي أعتبره واجباً لبلدي وقيادتي». فضلاً عن رئاسته لمجلس إدارة غرفة تجارة الأردن، أختير منذ 2001 عضواً في مجلس الأعيان، وهو عضو في مجلس إدارة بنك القاهرة عمان، ومجلس إدارة مجلس الاستثمار الأعلى، ومجلس إدارة مؤسسة تشجيع الاستثمار، وعضو مجلس الأوقاف الأعلى، وعضو مجلس صندوق المعونة الوطنية، وعضو مجلس إدارة غرفة التجارة العربية البريطانية، وعضو مجلس إدارة غرفة التجارة العربية الأميركية، وعضو مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية.. وغيرها. مشغول في معظم أوقاته، لكنه يترنم دائماً بأغنية قديمة تحكي عن الصبر: «يا عطارين دلوني الصبر وين ينباع». |
|
|||||||||||||