العدد 63 - الملف | ||||||||||||||
السجل - خاص حاولت مرارا الاختباء تحت جناح عائلتها من بطش الزوج وعنفه، لكن أهلها كانوا يعيدونها دائما إلى "مكانها الطبيعي" بجانب زوجها مهما كان عاقا أو ظالما. فتكررت حالات الضرب المبرح على يد زوج مستبد، حتى انتقلت دعاء ذات ال 17 ربيعا إلى المشرحة، لتضيف رقما جديدا في عدّاد ضحايا العنف الأسري. كان يمكن إنقاذ حياة دعاء، التي قضت متأثرة بجراحها قبل ثلاثة أسابيع، لو أنها تمكنت من انتزاع حقّها في الانفصال، أبغض الحلال، الذي قد يضحي طوق نجاة في هكذا حالات. في الأردن عدة مؤسسات وخط ساخن لحماية النساء المعنّفات، إلا أن الأهل والعادات يحولون أحيانا دون إيصال الإسناد، وأحيانا، الإغاثة إلى مستحقاتها في الوقت المناسب. مصادر أمنية ومؤسسات حماية الأسرة تؤكد أن العديد من حالات التعرض للعنف لا يتم الإبلاغ عنها بسبب "الخوف من تدخل الجيران أو المعارف" في قضايا أسرية، وفي المحصلة تدفع المرأة المعنّفة حياتها ثمنا للصمت أو تخرج بعاهة مستديمة. دعاء التي فارقت الحياة بعد أن تعرضت للضرب المبرح بالعصا بعيد منتصف الليل مطلع العام الماضي، بحسب تقارير الشرطة، دفعها زوجها، بحسب استنتاجات المحكمة، «عن الدرج، ما أدى إلى إصابتها برضوض جسدية نتيجة الركل بالرجلين ». حين فقدت الزوجة وعيها، اتصل الزوج بأهلها وطلب منهم الحضور لاصطحابها إلى المستشفى، لكنها دخلت في غيبوبة نتيجة «موت دماغي .» محكمة الجنايات الكبرى أنزلت بحق الزوج عقوبة السجن لمدة عشر سنوات. دعاء ليست أول ضحية. أمل واجهت المصير نفسه بعد سلسلة خلافات واعتداءات على يد زوجها. في البدء، تركت أمل عش الزوجية هربا من الضرب والتقريع، لكن زوجها أصر على والدها كي يعيدها بعد أن «وسط بعض الأقارب ». وحين رفضت الزوجة العودة، حضر الزوج إلى منزل ذويها وقتلها بطلقات من رشاش كالاشنيكوف، أطلقها الزوج وهو يصيح «يا ذابح يا مذبوح ». في غمرة الهجوم أصيب ابن الزوجين وشقيق الزوجة بالرصاص لكنهما نجيا من الموت. وقد وجدت محكمة الجنايات الكبرى أن المتهم «أقدم على أفعاله تحت سورة غضب شديد بسبب إقدام زوجته على شتمه ،» واعتبرت أن «ما صدر عنها يعد جنحة »، لذلك استفاد الزوج من «العذر المخفف » فيما يعرف بجرائم الشرف وحكم بالسجن 10 سنوات. ضمن جهود إسناد المرأة أقرت لجنة الشؤون القانونية في مجلس الأعيان مشروع قانون الحماية من العنف الأسري، لكن هذا القانون يحتاج إلى تفعيل. في دراسة أجريت قبل خمس سنوات، وجد معهد الملكة زين أن المرأة تعاني من شتّى أنواع العنف الجسدي، بما فيه «العض أو شد الشعر » فضلا عن العنف اللفظي من شتم وتحقير وصراخ. أما تقييد حريات الزوجة فيتمثل، بحسب الدراسة نفسها، في «الحرمان من الدراسة، الحبس داخل المنزل، فرض الأصدقاء، والحرمان من إبداء الرأي وفرض الحجاب ». ولم يخل المسح من «الإساءة الاقتصادية » بما فيها «الاستغلال المادي وفرض التخلي عن الإرث وتعدد الزوجات .» دراسة مماثلة لمركز التوعية والإرشاد الأسري، وجدت أخيرا أن العنف الجسدي شكّل 17.5 في المئة من الاعتداءات المسجلة. وشكلت الاعتداءات ضد المرأة 46.39 في المئة من الاعتداءات فيما تلقى الزوج 8.04 في المئة من العنف. الدراسة التي أجراها مركز الإرشاد والتوعية الأسري عام 2000 على عينة من 1164 أسرة في محافظة الزرقاء، ثاني أكبر مدن المملكة من حيث عدد السكاّن، وجدت أن 34.95 في المئة من الزوجات «يستسلمن على تعنيفهن .» رئيسة مركز التوعية والإرشاد الأسري ناديا بشناق، تؤكد أن خطا ساخنا «يستقبل حالات العنف الأسري في الحالات الطارئة والمستعجلة ». وتشير إلى أن «المتصلة تحتاج إلى الإرشاد السريع لضمان السلامة وحسن التصرف ». لكن في كثير من الأحيان «لا تتمكن النساء من الوصول للمركز، سواء لبعد المسافة أو لعدم توافر أجرة تنقلات أو لأنهن ممنوعات من الخروج من المنزل .» تتحدث بشناق عن إصدار كتب إرشادية حول العنف الأسري وكيفية التعامل معها. آخر كتاب في هذا الشأن صدر عام 2006 ، وهو يحوي عينة من الرصد الالكتروني لحالات العنف الأسري التي تراجع المركز. ويسجل الكتاب 2500 حالة عنف أسري بين عامي 2004 و 2008 . وقد اتجه المركز أخيرا صوب منحى جديد يتمثل «بالتعامل مع الجناة والمسيئين، لدراسة أسباب العنف وطرق التعامل معها في ضوء مفاهيم جديدة .» ويمتلك المركز، بحسب بشناق، فريقا متخصصا في مجال حماية الأسرة وتنظيم جلسات إرشاد فردية وجماعية، فضلا عن السعي لتوفير فرص عمل أو دعم الزوجة لفتح مشاريع صغيرة مدرة للدخل لتحسين مستوى المعيشة .» بموجب قانون الحماية من العنف الأسري، شكّلت «لجان الوفاق الأسري » بهدف محاولات «الإصلاح والتوفيق بين أفراد الأسرة بمساعدة ذوي الخبرة .» وحسبما يقول مدير المركز الوطني للطب الشرعي، مؤمن الحديدي، يكشف المركز عن تسجيل شكوى عنف أسري لدى الجهات الأمنية والقضائية في منطقة عمان الكبرى، ضد الزوج في الغالب، كل 34 ساعة. يعتمد الحديدي في تصريحه إلى دراسة مسحية لنحو 1011 حالة عنف أسري سجلت لدى مراكز الطب الشرعي بين عامي 1994 - 1990 . وجد تقرير المركز الوطني للطب الشرعي بأن 73.1 في المئة من بين 89 اعتداء مرصود جاءت على شكل «سحجات وكدمات ناتجة عن الركل والضرب بقبضة اليد، أو باستعمال أدوات رياضة »، فيما شكّلت الجروح الرضّية أو القطعية أو الطعنات بأدوات حادة نحو 7.7 في المئة من الاعتداءات المسجلة. كما وجد التقرير أن 0.7 في المئة من الاعتداءات كانت حروقا مختلفة و 2.1 في المئة كسورا والتواء مفاصل، و 6.7 في المئة إصابات شديدة بمناطق العينين والأنف والأذنين. في الإجمال يتركز الضرب في 27.9 في المئة من الحالات، في منطقة الرأس والعنق، و 46.9 في المئة في مواضع متعددة من الجسم. أما الإصابات الشديدة نسبياً، مثل الجروح القطعية والرضّية، فتركزت في منطقة الرأس والعنق وهي شكّلت 68.4 في المئة من مجمل إصابات الجروح البالغة 67 إصابة. على أن تقارير الطب الشرعي تتوقف عند تشخيص الحالات وتحديد المسبّبات، وبالتالي فإن من الصعب رصد نهايات تلك الاعتداءات ومعرفة ما إذا لجأت المرأة للطلاق من أجل وقف انتهاك جسمها وروحها، حسبما يشرح أطباء شرعيون وعلماء اجتماع. استناداً إلى تقرير المركز الوطني للطب الشرعي، «فإن غالبية النساء المعنّفات لا تقدمن شكاوى رسمية .» ويشير التقرير إلى أن المرأة التي تتعرض للأذى «تحاول تغيير طباع زوجها حتى يقلع عن الإساءة »، كما تتمسك «بوعود سابقة يقطعها بالإقلاع عن تصرفاته، إلى جانب شعورها بالذنب من أنها قد تحطم الأسرة، وهنالك أيضا خوفها من تهديدات الرجل .» وفي أحيان كثيرة لا تمتلك المرأة «موردا ماليا أو مكانا تلجأ إليه .» يقول مصدر أمني إن الضابطة العدلية تلجأ أحيانا إلى «احتجاز نساء في مراكز الإصلاح، ليس بسبب ارتكابهن جريمة، وإنما حفاظاً على حياتهن من انتقام أولياء أمورهن .» الدراسة أظهرت أيضا أن «إساءة معاملة المرأة هي ظاهرة مرضية موجودة في مجتمعنا، لا يمكن السكوت عليها ولا بد من معالجتها ». والعنف الجسدي ضد الزوجة بالتحديد هو «الأكثر شيوعا » في الأردن. مستشار الطب الشرعي والخبير في مواجهة العنف الأسري لدى منظمات الأمم المتحدة هاني جهشان يؤكد أن «الدولة هي الضامنة لحقوق مواطنيها وتمتعهم بحقوقهم الإنسانية الأساسية، مثل الحق بالحياة والأمن والأمان، والحق بالتمتع بالصحة الجسدية والنفسية »، وبالتحديد مسؤوليتها في «التصدي للعنف الأسري )..( لأنه لا مجال للفشل عندما يتهدد الإنسان بأبسط حقوقه، وحين تدمر أسر تحتضن أطفالا وترعاهم وتتفشى الجريمة في المجتمع ». ويرى جهشان في حديث إلى"السجل" أن «تغاضي المجتمع والدولة، صراحة أو ضمنا، عن هذا النوع من العنف »، يساعد المعتدي على الإفلات من العقوبة. هذا التجاهل، بحسب جهشان، «لا يشجع على القيام بمزيد من الاعتداءات فحسب، وإنما يوجه رسالة مفادها أن مرتكب العنف الأسري يقوم بعمل مقبول وعادي، ما يؤدي إلى إنكار العدالة على الضحايا .» ويشتكي خبير العنف الأسري من أن «نسبة ضئيلة من حالات العنف ضد المرأة تصل إلى مرحلة الشكوى الرسمية »، وبالتالي، فإن «عددا قليلا جدا من مرتكبي هذه الجرائم محاسبون على أفعالهم .» بين الخشية من الانفصال وإيذاء الزوج، تعيش بعض النساء في خوف دائم ويتعرضن لعنف قد يودي بحياتهن. |
|
|||||||||||||