العدد 63 - الملف
 

سعد حتر

سئل مالك بن دينار: "هلا تزوجت؟ فأجاب: والله لو استطعت أن أطلق نفسي لفعلت"، قد تختزل هذه المقولة مكنونات مشاهير العزّاب الذين فضلوا الوحدة على الشراكة الزوجية.

بعيدا عن قيود القفص الذهبي وتعقيدات فك الارتباط المحتمل لاحقا، يتمسك رجال ونساء بصومعة العزوبية، وبعضهم يمسي مرجعية في "الاستقلالية"، إما لأنهم نذروا حياتهم للعلم والعمل، أو لأن "قطار الزواج" فاتهم.

من مشاهير "العزّاب" طاهر حكمت، شبيب عمّاري، ناصر اللوزي، ينال حكمت، جريس سماوي وهشام التل وباسم عوض الله. ومن الجندر "الناعم" برزت أسماء مثل النائب السابق أدب السعود، عميد كلية الأسنان في الجامعة الأردنية لميس درويش أبو رجب، مديرة مدرسة سكينة الثانوية للبنات شمسة العيسى والكاتبة-الأكاديمية هند أبو الشعر.

ليس ثمّة من قاسم مشترك بين العزّاب من الرجال. أما النساء فتشتركن في نيل درجات تعليم عليا. ليس من السهل نبش تفاصيل حياة العزّاب لتقصي أسباب عزوفهم عن الزواج. لكن من مشاهير "الاستقلاليين" من يعلن عدم "اقتناعه" بمؤسسة الزواج، ومنهم من يبرّر عدم الارتباط بالخشية "من الجمود وعدم التجديد". وبعضهم يقّر بوجود جرعة من الأنانية، تلح عليهم رسم حيّز من التأمل والخصوصية.

شمسة العيسى ترفض التحدث عن الموضوع بوصفه شأنا شخصيا، تماما مثل الكشف عن عمرها. وهي تكتفي بإرجاع عزوفها عن الزواج إلى "عدم الاقتناع، والسعي طلبا لشهادة الدكتوراه". حين اتصلت بها "السجل"، بالكاد أجابت لميس أبو رجب، على الهاتف نتيجة انشغالها بعملها المتواصل. "هذا السؤال صعب وسهل في آن"، تجيب أبو رجب، لكنها تعود لتؤكد أن من "الصعب الإجابة عليه". الآنسة أبو رجب تقرّ بأن فرصا

عدة للارتباط مرت عليها، لكنها لم تصل إلى النهايات "لعدم وجود كيمياء" مع الطرف الثاني. تقول: "لم أصل أبدا إلى مرحلة الاتفاق على الاقتران. ربما لأنه لم يحصل انجذاب يمهد الطريق للزواج". وتعود للقول "الحياة هيك. النصيب حكم. ما اخترت أن أكون هيك، بل شاء القدر هيك تسير الأمور". " في المحصلة شفت حالي لحالي فاستهواني العيش المستقل"، تؤكد أبو رجب.

ينال حكمت وزير سياحة في حكومة عبد السلام المجالي الأولى ) 1993 (، مستعد للحديث عن سجلّه في العمل العام، لكنّه يرى أن قضايا الاقتران من عدمه تبقى شأنا خاصا. حكمت تنقل بين عدّة مناصب رفيعة، أهمها رئيس التشريفات الملكية في عهد الراحل الحسين بن طلال، مستشار الملك في العهد السابق وعضو في مجلس الأعيان. طاهر حكمت ) 68 عاما(، انخرط في سلك العسكرية منذ الصغر، ثم تعددت اهتماماته في حقل الثقافة والقانون مدفوعا بنزعة تأملية، فأضحى أحد نجوم المؤتمرات خلال العقدين الماضيين. لكنّه لم يغامر في طرق باب الزواج.

القانوني والسياسي يتحاشى التطرق إلى القضايا الشخصية. لكن سجل حياته يشير إلى ابتعاده عن المرأة كشريكة حياة بسبب ظروف العيش وقسوته. إذ تعهد بتزويج أشقائه وشقيقاته عقب وفاة والده مطلع ستينيات القرن الماضي، دون أن ينتبه إلى أن قطار الزواج غادر المحطّة إلى غير رجعة. كثافة العمل شغلته لاحقا عن الارتباط، هو الذي ساهم في وضع وثيقة "الإتحاد الوطني"، مطلع سبعينيات القرن الماضي. حكمت، الذي يصاحب قرابة 40 ألف كتاب، يؤكد أن 73 من خيرة علماء العرب والمسلمين ظلّوا عزابا، بمن فيهم أهم مفسري القرآن الكريم. في قديم الزمان، كان الباحث والرحّال يبتعد عن بناء أسرة لأنه يقضّي معظم وقته في السفر وجمع الأحاديث.

الزواج، في نظر أمين وزارة الثقافة جريس سماوي، «مؤسسة ضاغطة تقيّد الفرد، على غرار سائر المؤسسات » الرسمية في الدولة. لذلك بقي الشاعر الذي اقترب من مشارف الخمسين، أعزب لأنه يرفض بناء «علاقة مع الجنس الآخر من خلال ترتيبات، قوانين وتنظيم ». فهو يرى أن مثل هذه العلاقات «تأتي بعفوية في لحظة ما؛ تتفاعل الكيمياء ويتداخل المجال المغناطيسي بين الطرفين .»لكن دائرة اللحظة التاريخية لدى سماوي لم تغلق حتى الآن. ومع ذلك، كانت هنالك عدّة محاولات اقتران، تعود أولاها إلى سن المراهقة، حين كان في الثامنة عشرة من العمر.

اليوم يحاول الشاعر والأديب تفسير سيكولوجية العزلة التي أتقنها. إذ يقول: «ربما لا تحتمل شخصيتي وجود شخص لصيق بي، لا تريد آخر في حياتها. فلي طقوسي الخاصة في العزلة. أن أكون وحيدا أمارس هواياتي المفضلة؛ الكتابة، القراءة والتأمل ». ويقر سماوي بأن شغفه للخلو «بنفسه ربما يكون ضربا من الأنانية .» يطلق على هشام التل ) 66 عاما( «أمير العزاب » بلا منازع. على أن المحامي ونائب رئيس الوزراء للشؤون البرلمانية ووزير العدل الأسبق، لا يعزو عزوبيته إلى موقف من المؤسسة الزوجية التي "يجلّها ويحترمها"، وإنما لانشغاله بالعمل المهني والسياسي.

رئيس الديوان الملكي ناصر اللوزي، الذي تخطّى الخمسين قبل عامين ما زال "طليقا". مقربون من اللوزي، الابن البكر لرئيس الوزراء الأسبق أحمد اللوزي، يؤكدون أنه ظل يرفض الارتباط ضمن معايير الزواج "التقليدي" وخصص جل وقته في العمل متنقلا بين القطاعين العام والخاص.

أما الأصغر سنّا بين مشاهير العزّاب المعاصرين، في خندق الذكور، فهو رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض ا .ّهلل العام الماضي، مرّ عوض الله بتجربة خطبة لم تدم. معارف خطيبته السابقة يصفونها بأنها "حادّة الذكاء، تجيد عدّة لغات وجميلة"، لكن الفرحة لم تتم لأن باسم فعليا "ما فضيلهاش".

شبيب عمّاري، رئيس مجلس مجموعة الاتصالات الأردنية، دخل مرحلة الشباب وتخطّاها وهو يطارد التحصيل العلمي الراقي، ما أبقاه على قائمة العزّاب. بتشجيع من والديه، نال عمّاري البكالوريوس في الولايات المتحدة، ثم قنص درجتي ماجستير وانتزع الدكتوراه في تلك البلاد، قبل أن يدخل حقل التدريس في كاليفورنيا لمدّة ثمان سنوات. عقب عودته، كلفّته الحكومة بدراسة ملفات ومعالجة أوضاع مؤسسة اقتصادية متعثرة، وهكذا أمضى تسع سنوات متنقلا بين سحاب وعمّان. ذلك لم يمنع عمّاري من بناء شبكة علاقات نسائية، غالبيتها "غير متكافئة" أو اصطدمت بأسوار اختلاف الدين والمذهب.

كل ذلك أبقاه على صدر لائحة مشاهير العزّاب في الأردن. في عقده السابع، يختزل عمارّي رحلة العمر: "ساقني الزمن ومبسوط إني عزاّبي". فكرة الاقتران قد تبتعد عن الذهن كلما تقدّم الرجل والمرأة في العمر، حسبما يشرح أحد العزّاب الذين التقت بهم "السجل" لكنه يقرّ بأن الحنين إلى بناء أسرة بأثر رجعي، يتعاظم أيضا في خريف الحياة". في الختام، يرتبط بمعادلة الحب والزواج هذا التوصيف: "يريد الرجل أن يكون أول حب للمرأة.. وتسعى المرأة لأن تكون آخر حب في حياة الرجل".

مشاهير العزاب في محراب الاغتراب
 
12-Feb-2009
 
العدد 63