السجل - خاص

في العام 2006 ، قبل أن تجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية اليمنية، سُئل الرئيس علي عبدالله صالح، الذي كان قد أعلن أنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية تلك، إن كان سيورث ابنه الحكم، فأجاب أن ابنه قد يتسلم الحكم من بعده، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي، آنذاك، جورج بوش، قد تسلّم الحكم بعد أبيه، وأن الرئيس بيل كلنتون، الذي حكم البلاد بعد جورج بوش الأب، لم يكن أكثر من «محلل » بين بوش وأبيه. «المحلل » تعبير استعاره الرئيس اليمني من القاموس الديني ليستخدمه في مجال السياسة، وتنبع طرافة التعبير من السمعة غير الحميدة التي تلصق بمن يقوم بدور «المحلل الشرعي »، والمحلل الشرعي هنا هو ذلك الشخص الذي يقوم ب «مهمة » الزواج من زوجة طلقها زوجها ثلاث مرات طلاقاً بائناً لا رجعة عنه، حتى تحل له ثانية، وذلك امتثالاً لما جاء في سورة البقرة «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره »، فللرجل إذا طلق امرأته أن يرجعها ما دامت في عدتها، فإن طلقها الثانية فله أن يرجعها كذلك، فإن طلقها الثالثة فليس له عليها سبيل حتى

تتزوج من غيره، فإن طلقها الزوج الثاني وخرجت من عدتها فللزوج الأول أن يتزوجها. والأصل في زواج المحلل أن يتم من دون اتفاق الزوج والزوجة، فإذا كان هناك اتفاق بَطل الزواج، بحسب مصدر في المحكمة الشرعية، إذ يجب أن يتم الزواج مثل أي زواج آخر، كما يقول المصدر الذي رفض الإفصاح عن اسمه.

وبحسب موقع الشيخ البحريني محسن العصفور على الإنترنت، فإن هذا النوع من الطلاق ينتشر في المحاكم السنية في صورة أكبر مما يوجد في المحاكم الشيعية التي تلتزم المذهب الجعفري، فبحسب المذهب السني، يمكن للزوج أن يطلق زوجته ثلاث طلقات في مجلس واحد، أما المذهب الجعفري، فيشترط أموراً عدة ليتم الطلاق،ومنها أن ينطق الزوج باللفظ المحدد للطلاق، وأن تكون الزوجة ساعة الطلاق في طهر، مع وجود شاهدين عدلين يسمعان الزوج وقت حدوث الطلاق.

وللمحلل الشرعي، كما حددت دوره الديانة الإسلامية، جذور في الممارسات الجاهلية، فقد أحلّ الجاهليون للزوج أن يعود إلى زوجته بعد الطلاق البائن، شريطة أن تتزوج من رجل غريب بعد وقوع الطلقة الثالثة، على أن يطلقها بعد اقترانه بها. وقد بقي هذا الحل للطلاق البائن حتى بعد ظهور الإسلام، كما بقيت الألقاب التي كانت تطلق على الرجل الذي يتزوج المطلقة ليحلها لزوجها الأول مثل: «المحلل »، أو «التيس المستعار »

أو «المجحش »، وهي ألقاب أطلقت على المحلل على الرغم من أن ما يقوم به يتفق مع ما تنص عليه الشريعة الإسلامية، فقد ورد عن ابن مسعود أنه قال: «لعن رسول الله المحلِل والمحلَل له »، وروي عن عقبة بن عامر أنه قال: قال رسول الله: «ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلِل والمحلَل له » رواه ابن ماجه في سننه، ونسب إلى عمر بن الخطاب قوله: «لا أوتي بمحلِل ولا محلَل له إلا رجمتها .»

وربما جاءت السلبية في النظر إلى المحلل هذه النظرة الدونية، من حالة المهانة الإنسانية التي تتعرض لها المرأة في حالة زواجها من محلل، كما تقول ثريا كامل، وكيلة جمعية التضامن الاجتماعي في البحرين، فهي ترى أن في هذا الوضع امتهاناً لإنسانية المرأة، وإذلالاً لشخصيتها، أما عضو الجمعية بهيجة حافظ، فترى أن الزواج من محلل «وضع شائن، ولكنه وضع متخلف ناتج عن وضع خاطىء آخر هو إباحة الطلاق للرجل في أي وقت وكيفما شاء .»

هذه السلبيات التي علقت بالعملية برمتها أمر نادر الحدوث في بلد مثل بلدنا يتسم بالمحافظة الشديدة، وبحسب مصدر في المحكمة الشرعية فضل عدم ذكر اسمه، فإن السنوات العشر الماضية لم تشهد سوى حالات لا تصل إلى الخمس من حالات اللجوء إلى محلل. وقد أكد المصدر أن العدد الذي ذكره هو عدد تقريبي، فلا يوجد في المحاكم الشرعية ما يشير إلى أن هذا الزواج تم بوساطة محلل أو أنه زواج عادي، من هنا كان من الصعب معرفة عدد حالات الزواج بهذه الطريقة. وأشار المصدر إلى أن كثيرا من حالات الزواج عبر محلل تتم خارج الأردن، حيث يتفق الزوج )المحلل( والزوجة على الزواج في بلد مجاور أو أي بلد آخر، ولدى العودة يتم الطلاق، وتعود الزوجة إلى زوجها الأول. وضع المحلل، بما فيه من مفارقات، كان موضوعاً للعديد من الأعمال الفنية، فقد تناولت السينما المصرية الموضوع في فيلم أنتج العام 1956 حمل عنوان «الست نواعم » الذي قام ببطولته تحية كاريوكا، وإسماعيل ياسين، ويروي قصة محلل يتفق معه زوج طلق زوجته ثلاث مرات، على أن يتزوج زوجته ليوم واحد حتى يصبح في إمكانه الزواج منها ثانية، ولكن ما يحدث هو أن الزوجة تقع في حب المحلل، فتبقى معه رافضة العودة إلى زوجها السابق. هذه الثيمة كانت موضوع عدد من الأعمال الفنية اللاحقة، ربما كان أهمها فيلم «جوز مراتي » الذي أنتج العام 1960 ، وقام ببطولته صباح وفريد شوقي، ومسرحية «الواد سيد الشغال »، التي مثلها عادل إمام في أواخر الثمانينيات.