العدد 63 - الملف | ||||||||||||||
دلال سلامة كان عمر مجدي سنة ونصف السنة فقط عندما تخلص من الفوطة، في العاشرة صار يستيقظ كل يوم على فراش مبلل. كان مرحاً واجتماعياً ومتفوقاً في المدرسة، لكن علاماته انخفضت بشدة، وصار يعاني حالات شرود وحزن دائمة، وفقد جميع صداقاته تقريباً، فقد أصبح سلوكه عنيفاً مع الأطفال الآخرين .» كانت أم مجدي وهي تراقب التغيرات التي طرأت على ابنها منذ طلاقها من أبيه قبل سنتين، تعتقد أن الأمور ستتغير، وأنه سيتأقلم مع واقعه الجديد، ولكنه الآن، وهو على أعتاب المراهقة، يحوّل حياتها إلى جحيم «إنه عنيف طوال الوقت ومع الجميع، وأكاد أفقد السيطرة عليه .» أم شهد، لديها أربع بنات، تتراوح أعمارهن بين الثالثة والرابعة عشرة. تقول إنها عندما طلقت انتقلت مع بناتها إلى منطقة أخرى لتكون قريبة من أهلها، وانتقلت بناتها بالتالي إلى مدرسة جديدة، وبعد شهرين من انتقال البنات إلى المدرسة الجديدة قررت الذهاب للسؤال عنهن عندما، «طلبت مني ابنتي الكبرى ألا أخبر أحدا في المدرسة بأنني ووالدها مطلقان، وفوجئت بأنها وأخواتها يخفين الأمر عن الجميع، لأنهن يخجلن من وضعهن كبنات امرأة مطلقة .» محمد الشوبكي، طبيب نفسي، ينبه إلى الآثار المدمرة التي يخلّفها الطلاق على نفسية الأطفال، مثل «الانطواء وضعف الثقة في النفس والسلوك العدواني تجاه الآخرين والخجل من الطلاق والمقارنة المستمرة مع الآخرين، بالإضافة إلى آثار أكثر خطورة مثل الاكتئاب والإدمان. الشوبكي يشدد على أنه يمكن الحدّ من الآثار المدمرة للطلاق، ولكن لا يمكن تلافيها كليّا، ويقول إن أبناء المطلقين يمكنهم أن يواجهوا بسبب تجربتهم هذه مصاعب في حياتهم الزوجية في المستقبل. لكن قيمر القيمري، أستاذ علم النفس في الجامعة ا لعر بية المفتوحة، يرى أن الطلاق ليس شراّ خالصا، وأنه في حالات معينة يمكن أن تكون له إيجابيات: «يخطئ كثير من الأزواج عندما يقرون الاستمرار في علاقة استحالت أي إمكانية للتواصل فيها، وهم يفعلون ذلك من أجل الأطفال. الحقيقة أن الأجواء الأسرية المشحونة بالتوتر والخلافات المستمرة هي أكبر انتهاك لنفسية الأطفال ومصلحتهم .» القيمري، يقول إن هؤلاء الأزواج يمكنهم أن يحافظوا على الزواج «إذا تمكنوا من التوصل إلى صيغة يتكيفون فيها مع خلافاتهم دون إيذاء الأطفال، وإلا فالطلاق أفضل .» نادر، أب لطفل يبلغ إحدى عشرة سنة، لا يعتقد أن المشكلة تكمن في الطلاق نفسه، بل في طريقة تعامل المطلقين مع أطفالهم. نادر، الذي يعتقد أن «طلاقا ناجحا خير من زواج فاشل »، يرى أن الأطفال بحاجة إلى الحب والرعاية، سواء حصلوا عليهما من أبوين مرتبطين أو منفصلين، من هنا فإن نادر وزوجته عندما اتفقا مع زوجته على الطلاق، قررا أن يفعلا ذلك بالطريقة الصحيحة، فلم يناقشا الأمر أمام الطفل، بل اتفقا على تهيئته وإبلاغه بالقرار بشكل مشترك، وتفاهما حتى على اختيار العبارات التي سيقولانها للولد. نادر يشدد على أنه بعد خمس سنوات من الطلاق «لم يحدث قط أن تحدث أحدنا أمام الولد بشكل سيء عن الآخر ». وتحدث أحد الزوجين عن الآخر في صورة سلبية هو أحد الأخطاء التي يحذر أطباء النفس الأزواج منه، ويحدث أحيانا في سياق منافسة بين الأبوين، أن يحاول كل منهما أن يحشد الأبناء إلى صفه. الأمر الذي يؤكد الشوبكي على أنه نمي لدى الأطفال شخصية مضطربة وغير سوية. السباق للفوز بالأبناء قد يتحول أحيانا من محاولة كل منهما تشويه الآخر، إلى محاولة التفوق عليه في العطايا، وهذه حالة عدنان، وهو أب لثلاثة أبناء، تتراوح أعمارهم بين 12 و 19 سنة. عدنان مغترب في إحدى دول الخليج، وهو يقوم في كل شهر بالإضافة إلى مصروف البيت المعتاد، بإرسال مبالغ مالية يتعمد أن تصل إلى أبنائه شخصيا بعيدا عن والدتهم، وذلك غير الهدايا الباذخة التي يجلبها معه في إجازاته الثلاث كل سنة. زوجة عدنان التي لا تستطيع منافسته في )العطايا(، وجدت نفسها بعد فترة مضطرة لمجاراته من طريق التساهل مع أبنائها ومنحهم حريات إضافية، «لقد وجدت أنني تحولت إلى شخصية غير مرغوب فيها، فأبوهم لا يرفض لهم طلبا، في الوقت الذي كان مطلوباً مني فيه أن أتابع سلوكهم ودراستهم وأجبرهم على الالتزام بالقوانين .» القيمري ينبّه إلى أن تسابق الزوجين على إرضاء الأبناء وتدليلهم «يسهم في إفسادهم وفي تنمية الانتهازية لديهم .» في كثير من الحالات يكون الطلاق شرا لابد منه، ولكنه شر على الأزواج أن يعوا جيداً كيفية التعامل معه للخروج بأقل قدر من الخسائر، وبخاصة على الأطفال، الذين هم في النهاية الخاسر الأكبر. |
|
|||||||||||||