العدد 63 - الملف
 

دلال سلامة

أشعر أنني سيارة، انخفضت قيمتها مع الاستعمال ». بهذه الكلمات عبرت حنان ) 26 عاماً(، التي طلقت بعد تجربة زواج قصيرة جداً لم تتعد

الأربعة أشهر، عن وضعها بعد الطلاق. كان قريباً لأمها، يقيم مع عائلته في الدانمارك. حضر مع أسرته في أثناء إجازة له لمدة شهر، قرر خلالها

البحث عن عروس، ووقع الاختيار عليها، وخلال عشرين يوماً كانت قد تزوجته. بعد عشرة أيام من الزواج سافرت معه، وهناك اكتشفت أن

لزوجها علاقة بامرأة دانمركية مستمرة منذ سنوات. واعترف لها بأنه لا يريد قطع العلاقة بالمرأة، ولا يقبل في الوقت نفسه – لاعتبارات اجتماعية - أن يتزوجها لتصبح أماً لأولاده. «عندها قررت الرحيل »، تقول حنان. ما تستغربه حنان، هو الانقلاب الهائل في حياتها بعد طلاقها منه، فقد كانت في الثالثة والعشرين من عمرها؛ جامعية، ذكية وجميلة، وتقدم لها قبل زواجها من قريبها كثيرون، وكانوا جميعاً، وفق المقاييس الاجتماعية، فرصاً ممتازة. بعد طلاقها بأشهر، بدأ كثير من الرجال يطلبون يدها، ولكنها لاحظت أن نوعية الذين يتقدمون إليها تختلف كلياً عن نوعية أولئك الذين طلبوها بعد الطلاق، بل كان هنالك من طلبها على ضرة، أي زوجة ثانية.

تتساءل حنان عن الذي حدث لها خلال شهور الزواج الأربعة، وجعلها تخسر معظم «أسهمها ،» ثم تعود لتتساءل: «هل أصبحت مستعملة؟ .»

ورغم أن حنان تنتمي إلى عائلة منفتحة نسبياً، وكان هامش من حرية حركة المعقول مفتوحاً أمامها، فإنها فوجئت، بعد طلاقها، بالتضييق عليها: «قبل زواجي كنت أستطيع زيارة صديقاتي والخروج إلى السوق وحيدة. الآن يصر أهلي على أن يصحبني أحد في كل مرة أرغب في الخروج. وكثيراً ما يكون هذا «الأحد » هو أخي الذي يبلغ من العمر 7 سنوات .»

عايدة ) 32 عاماً( تفسر التضييق ال ذي تتعرض له المطلقة بقولها: «هناك اعتقاد بأن العذرية ضمان يمكن من خلاله الحكم على سلوك الفتاة. من الواضح أن المطلقة تفتقر إلى هذه الضمانة .» عايدة، الأم لثلاثة أطفال، بعد طلاقها من زوجها، استأجر لها أهلها شقة في العمارة نفسها التي يقيمون فيها، وبدأوا في مراقبة تحركاتها، ولم يعد مسموحاً لها أن تقوم بأشياء بسيطة مثل: الذهاب في رحلة نظمتها زميلاتها المعلمات في المدرسة إلى العقبة. رغم أنها كانت ستأخذ أطفالها معها. المفارقة هي أنها كانت قبل سنتين قد ذهبت في رحلة مشابهة، وكان زوجها في عمل خارج البلاد. عايدة تشعر دائماً أنها بحاجة إلى إثبات براءتها من تهم لم يوجهها إليها أحد، وعليها مقابل ذلك أن تقبل بألا تكون لها أي خصوصية: «لا يجب الاّ أذهب إلى غرفة أخرى لإجراء مكالمة، وإذا تناول أخي هاتفي وعبث فيه لا يحق لي الاعتراض، لأن اعتراضي سيثير الريبة .» صدمة لينا ) 37 عاماً( لم تأت من أهلها بل من صديقاتها؛ فبعد طلاقها لاحظت أن صديقاتها صرن يتحسسن من زيارتها لهن في منازلهن، ومن حديثها مع أزواجهن، ورغم أنها كانت تتبادل وزوجها الزيارات العائلية معهن، فإنها، بعد طلاقها، أخذت تلاحظ أن «الجو يتكهرب إذا جاء زوج المرأة وجلس لبعض الوقت في الغرفة. بعد فترة قصيرة من الطلاق، لاحظت أنني حين كنت أزور صديقاتي، لم يعد أزواجهن يدخلون حتى لإلقاء التحية .»

سارة ) 42 عاماً(، تحمّل المرأة جزءاً كبيراً من المسؤولية في الطريقة التي يتعامل بها المجتمع مع المطلقة، فهي تعتقد أن مشكلة المرأة تكمن

في أنها تتبنى قيم المجتمع، وتعمل على إعادة إنتاجها «المرأة لدينا تتعامل مع طلاقها وكأنه عار تحمله، وهي تحاول دائماً أن تكون حذرة في كل

خطوة كي لا تجلب لنفسها كلام الناس .» سارة أم لطفلين، وتعمل محاسبة في إحدى الشركات، قررت بعد طلاقها أن تواصل حياتها كالمعتاد: «هناك كثير من الأشياء التي لا أستطيع أن أفعلها لأنني امرأة، وقد قررت ألا أضيف إليها أشياء أمتنع عنها لأنني مطلقة .» وهي تنبه إلى قضية ترى أنها مهمة، فهي ترى أنها حظيت بحريتها لأنها مكتفية اقتصادياً، هذا في رأيها، ما ساعدها على أن تكون قوية في مواجهة من حاولوا الحدّ من حركتها، وهي تستغرب حالات بعض النساء اللواتي يمتلكن دخلهن الخاص، ويخترن مع ذلك الخضوع. إذا كانت للمرأة معاناة مزدوجة، كامرأة، وكمطلقة، فإن هذا لا ينفي أن للمجتمع موقفاً سلبياً من الرجل المطلق أيضاً، وكما تنخفض )أسهم( المطلقة في سوق الزواج، فإن الرجل يعاني من ممارسات شبيهة بما يحدث مع المرأة، وإن في درجة أقل حدّة. يسود لدى الناس اعتقاد بأن المطلق شخص لا أمان له، وأن من طلق مرة، يمكن أن يعيد الكرّة ثانية وثالثة. كان هذا هو السبب الذي جعل مازن ) 29 عاماً(، وهو مطلق منذ سنتين، يخضع لتحقيق مفصّل من قبل عائلة الفتاة التي تقدم لخطبتها بعد طلاقه. وعلى رغم أنه كان على وفاق مع الفتاة، وأنه قام بشرح ملابسات طلاقه لها، فإن والدها واثنين من أعمامها، شكّلوا ما يشبه لجنة تحقيق، وطالبوه بسرد أدق التفاصيل المتعلقة بظروف طلاقه، «كنت أجلس أمام مجموعة من الغرباء، وأستمع إلى مطالبات بأن أتحدث بالتفصيل عن أشد تجاربي خصوصية وألماً .» مازن، يشير إلى اعتقاد آخر سائد، وهو أن المطلق شخص منفلت، تتعدد علاقاته دون ضوابط أخلاقية، أي أنه «هامل »، على حدّ قوله، وهذا ما جعل التحقيق يتناول أيضاً العامين التاليين لطلاقه. يوسف ) 48 عاماً( مطلق من ست سنوات، يشكو من تعامل زوجات أصدقائه معه: «لا أذكر خلال ست سنوات من طلاقي أن أحداً من أصدقائي المتزوجين دعاني إلى بيته، وكثيرون قطعوا علاقتهم بي، وبعضهم اعترف بأن زوجاتهم يتضايقن مني .» يضيف يوسف: «إنهن يعتقدن أن المطلق شخص موبوء، ويخفن بالتالي على أزواجهن من العدوى .» من حيث الجوهر، وجد الطلاق ليكون حلاً لمشكلة مستعصية، إنه شيء مثل الجراحة التي يخضع لها المريض لتخليصه من ألم أقسى، لكن المجتمع بما يترسب فيه من بقايا تخلف قد يحول لطلاق من حل لمشكلة مستعصية إلى وصمة لا يمكن الفكاك منها.

المجتمع والمطلقات: نظرة تتغير مع وصول ورقة الطلاق
 
12-Feb-2009
 
العدد 63