العدد 63 - الملف
 

ابراهيم قبيلات

الطلاق لغوياً يعني الإطلاق، أي الإرسال والترك، وفي السياق الشرعي يعني حل رابطة الزوجية. فإذا وقع النزاع بين الزوجين وأدى إلى الشقاق بينهما، ووصل أحدهما إلى المحكمة طالباً الطلاق، فعلى رئيس القضاة أن يطلب منهما أولاً الحضور إلى المحكمة ويعرض عليهما الصلح ويؤجل الدعوى لأكثر من مرة، ثم قد يلجأ إلى أن يعين حكمين عدلين من أهلها وأهله، كما ينص قانون المأذون الشرعي، لبحث أمرهما والعمل على إصلاح ذات بينهما، فإن عجزا عن الإصلاح ولم يكن لهما حل، أعطى الحكمان رأيهما بالتفريق بينهما، فانه يفرق بينهما.

لكن المرأة الساعية لفسخ قرانها تواجه سلسلة من التعقيدات التشريعية والتنفيذية منها: طول أمد التقاضي، وتهرب الطليق من دفع النفقة، مع استخدام التحايل والرشوة أحياناً، حسبما كشفت مصادر في المحكمة الشرعية بعمان.

هذه التعقيدات قد تكون مفتعلة، مثل التذرع بعدم توافر ما يكفي من نفقة، والمبالغة في طلب البيانات الخطية والمستندات اللازمة لإثبات البينة، وقد تكون حقيقية، مثل عدم توافر النفقة فعلاً، ومثل الجهل بالثقافة القانونية في مثل هذه المواقف، وقد تأتي على خلفية فساد من خلال الرشوة لتأجيل النظر في القضية، وأخيرا، فقد تنشأ التعقيدات عن الاختلاف بين اللغة المستخدمة في حقل ما، مثل الحقل الطبي، وبين اللغة التي تستخدمها المحكمة. تبدأ هذه التعقيدات بالتكشف مع الولوج إلى جزئيات الطلاق. وترى أسمى خضر، الناطقة الرسمية السابقة باسم الحكومة، أن المرأة المطلقة، إذا كانت حاضنة، ولم تتوافر لها نفقة كافية تتسلمها بشكل منتظم، فإنها تعاني متطلبات الإنفاق لتأمين السكن لأسرتها، وبخاصة إذا كان لديها عدد كبير من الأطفال، حيث إن أسرة المرأة المطلقة لا ترحب غالباً بأبنائها، لينتج عن هذا خياران أحلاهما مُر؛ إما الرضوخ لمطرقة الخيارات المفروضة من قبل الزوج، أو الإتكاء على سندان المحكمة الشرعية، حيث يعتمد القاضي على إنهاء القضية بصورة أساسية على المرافعة لتقديم البينة، إذ إن المرأة في هذا الشأن أضعف من الرجل، وذلك بسبب الطبيعة المحافظة للمجتمع، بخاصة أن ما يحدث بين الزوجين يتم بين جدران صماء، فلا وجود للشهود، وهذا ما يعطي الطرف الآخر، أو محاميه، فرصة للمماطلة، وقد تصل المدة التي تستغرقها المحكمة لإصدار الحكم في القضية عاماً كاملاً.

وأشارت خضر إلى أن اللجنة الوطنية لشؤون المرأة، قد وضعت «مشروع قانون صندوق تسليف النفقة »، بهدف مساعدة المرأة في الحصول على حكم النفقة، وتنفيذ هذا الحكم، وذلك في مسعى لمساعدة المطلقات.

العين مي أبو السمن، أمينة سر تجمع لجان المرأة، تؤكد ما ذهبت إليه خضر، وتضيف عدم إلمام المرأة بالثقافة القانونية الخاصة بهذه الأحوال يجعلها تتنازل عن حقوقها، فقد يتسبب جهلها بالإجراءات القانونية التي يجب أن تُتخذ في هذه الحالات، مثل إلزام المرأة بإحضار بيانات خطية أو مستندات معينة خلال فترة محددة، قد يؤدي إلى خسارتها الدعوى. وقد يعمد الرجل إلى العديد من أنواع التحايل، لتأخير القضية وللتأثير عليها،

وبالتالي إعاقة الحكم في النفقة، وهو ما يلقي على المرأة ظلالا نفسية كئيبة. سيدة مطلقة، التقتها "السجل" في المحكمة الشرعية، ولكنها فضلت عدم الكشف عن هويتها، قالت إنها تراجع في قضية نفقة أقامتها على زوجها، ولكنه، أي طليقها، واظب، وما زال مواظباً، على عدم حضور جلسات المحكمة. وأوضحت السيدة أنه قد مضى ما يقارب العامين من دون أن تتمكن من الحصول على حكم في قضيتها. ابراهيم الكيلاني، رئيس لجنة علماء الشريعة في جبهة العمل الإسلامي، يعلل التأخير بوضعه في إطار التشدد في إيقاع الطلاق. يقول الكيلاني: «إن مهمة القاضي هي حماية الأسرة من الهدم، ومن أجل إنجاح هذه المهمة، فإنه يتشدد في إيقاع الطلاق جزافاً، فلا بد من التأني وجمع كل ما من شأنه الوصول إلى الهدف المنشود، وفي سبيل ذلك قد لا يسجل القضية ويعمد إلى إمهال الزوجين المتخاصمين فترة من الزمن علهما يرجعان إلى رشدهما .» لكن سليم علي، المفتش في دائرة قاضي القضاة، يرد التأجيل الحاصل في بعض القضايا إلى المتخاصمين، فهنالك الشهود الذين يجب على المحكمة الاستماع إليهم، كما أن هناك بعض القضايا التي تتطلب السير بجميع خطواتها المرسومة بالقانون، «وهذا، إلى حد ما، من شأنه تأخير البت في القضية مثل قضية الشقاق والنزاع ». يقول علي. وتتطرق أبو السمن، إلى قيمة النفقة، والتي قد لا تكون كافية لتلبية الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأساسية للمرأة كما ترى، لذا، فإنها ترى أن النفقة لا بد أن تشمل ما يضمن للمرأة أن تعيش حياة كريمة.

وتتفق مع أبو السمن المحاميتان: أماني أبو فرحة، وشيماء حلمي، اللتان تشددان على ضرورة أن يكون هناك حد أدنى للنفقة يتناسب والظروف الصعبة السائدة، فمعظم قضايا النفقة لا تزيد على ثلاثين ديناراً، كونها تعتمد على دخل الزوج، وفي هذه الحالة لا تجد المرأة أمامها سوى الاعتكاف في المحاكم الشرعية معلنة يأسها من الموضوع برمته. تقول مطلقة في العقد الخامس من عمرها التقتها "السجل" في المحكمة

الشرعية أنها، بعد فترة تناهز العام، وصفتها بالصعبة، قررت المحكمة، بعد الاطلاع على البينة، وهي)الإقرار والاتفاق(، قررت المحكمة لها مبلغ 12 ديناراً لكل طفل من أطفالها الاثنين، و 25 ديناراً لها تحصل عليها حتى انتهاء فترة العدة. وتؤكد أن قبولها بهذا المبلغ الضئيل جاء نتيجة لعدم إلمامها بما يخصها من قوانين. ويرى إبراهيم الكيلاني، رئيس لجنة علماء الشريعة في جبهة العمل الإسلامي، أن النفقة يجب أن تقدر تقديراً من قبل القاضي بناء على مستوى دخل الزوج، أو اتفاق المتخاصمين على مبلغ معين، وإذا لم يتفقوا تستعين المحكمة بعدد من ذوي الخبرة الذين يختارهم الزوجان أو المحكمة، ويراعى أن يكون العدد فردياً لغايات الترجيح. لكن سليم علي، يؤكد ألا شأن للمحكمة في البحث والتحري عن دخل الزوج، فهذا من واجب المرأة، فهي المكلفة بإثبات حالة عدم كفاية النفقة لها، ويحق لها أن تعترض وتقدم ما يثبت أن الرجل قادر على الإنفاق عليها بما يؤمن لها حياة كريمة.

قضايا الطلاق: مماطلات الزوج وجهل المرأة بحقوقها تطيل أمد القضايا
 
12-Feb-2009
 
العدد 63