العدد 63 - الملف
 

خالد أبو الخير

منح معظم شعوب العالم القديم حق الطلاق للرجل. ولم يكن أمام المرأة سوى الرضوخ لهذا الحق أو رفضه مع ما يجره ذلك من عقاب يتم بمباركة الإلهة. فيما حظيت المرأة بهذا الحق لدى شعوب أخرى.

البابليون، عرفوا الطلاق الذي نصت عليه شريعة حمورابي 1795 - 1750 ق. م. فللزوج أن يطلق زوجته متى شاء، غير أن هناك حالات محددة نص عليها القانون البابلي يسمح خلالها للرجل بطلاق زوجته بناء على أسباب متعددة أهمها: ارتكاب الزوجة خطأ جسيماً، حيث يحق للزوج طلاقها دون أن يكون من حقها الحصول على أي تعويض، كما كان يحق للزوج في هذه الحالة أن يستبقي زوجته عنده كعبدة.

وإذا كانت الزوجة عاقراً، يحق لزوجها طلاقها على أن يمنحها مبلغاً من النقود. وفي حال مرض الزوجة بمرض خطير فمن حق الزوج أن يتزوج أخرى مع إبقاء زوجته الأولى التي تتمتع بامتياز خاص. أما إذا هجرت الزوجة المريضة منزل الزوجية وعادت إلى بيت أهلها بموافقة الزوج، اعتبر ذلك بمثابة إعلان لنيته في تطليقها بسبب المرض ووجب على الزوج أن يرد للزوجة أموالها وأن يتولى الإنفاق عليها.

بالنسبة للزوجة فقد كان من حقها اللجوء إلى القضاء لتطالب بتطليق زوجها إذا ما ارتكب أخطاء جسيمة في حقها مثل الخيانة الزوجية. أما إذا رغبت في ترك زوجها دون سبب مقبول فهي تعاقب بالموت، لأن إقدامها على ذلك يعد بمثابة إثم لا يغتفر في القانون البابلي.

وكان الزوج البابلي يطلق زوجته بقوله: «لست زوجتي بعد اليوم »، أو ما يقارب هذا المعنى، ، وقد يعمد الزوج إلى أن يهجر زوجته نهائياً، ما يشير إلى حدوث الطلاق. وقد كانت هناك مصطلحات أخرى يعبر فيها عن فعل الطلاق مثل: «الترك » أو «قطع حواشي الثوب ». أما الزوجة فإذا كرهت زوجها قالت له: «لن تأخذني »، أو «أنت لست زوجي ،» وفي هذه الحالة تعتبر المرأة متمردة على زوجها فتقع تحت طائلة القانون، الذي تصل عقوبته لها حد الموت. الحضارة الفرعونية، أعطت المرأة حقوقاً أكثر من حضارات شعوب وادي الرافدين، فكان منهن ملكات؛ حتشبسوت حوالي ) 1850 ق.م- 1350 ق.م(، نفرتيتي التى يعنى اسمها «الجميلة أتت » حوالي ) 1370 ق.م- 1330 ق.م(، وكليوبترا ) 68 ق.م - 30 ق.م(، وقاضيات؛ القاضية نبت التي كانت والدة زوجة الملك بابي من الأسرة السادسة، وقد أنصفت الحضارة الفرعونية المرأة في حالة الطلاق، إذ كانت المطلقة تحتفظ بما كانت تمتلكه عند الزواج، إضافة إلى حصولها على ثلث ممتلكاتهما المشتركة أثناء فترة الزواج. لم يكن الطلاق شائعاً عند قدماء المصريين الذين مجدوا الحياة الأسرية وتمسكوا بشدة بتقليد دفن الزوجات بجانب الأزواج في القبر نفسه، وهناك مقولة شهيرة كان الفراعنة يرددونها هي: «الزوجان شريكان في الحياة، ولا يفرقهما حتى الموت، بل يظلان عاشقان في الآخرة .» شريعة «مانو »؛ الديانة المانوية المنتشرة في الهند، لا تبيح لأتباعها الطلاق. وبدلاً من أن يطلق الزوج زوجته، فإنه يحضر الزوج زوجة أخرى لتحل محل الزوجة الأولى، وتبقى الاثنتان معاً في منزل الزوج! وللرجل أن يلجأ إلى هذه الوسيلة إذا بقيت زوجته عاقراً لمدة ثماني سنوات، أما إذا خاطبت الزوجة زوجها بلهجة قاسية، فإنه يقاطعها مدة عام، على أن يعولها خلال تلك المدة، فإذا انتهى العام وأظهرت بغضها وكراهيتها له، فإنه يستولي على كل ما تمتلك، ولا يترك لها إلا ما يكفيها من الطعام والملبس، ولا تقيم معه في منزل واحد!.

الطلاق كان حقاً من حقوق الرجل عند العرب الجاهليين، أما المرأة فلم يكن لها حق الطلاق إلا فيما ندر، ولكنها كانت تتمتع بحق الخلع، فهي تستطيع خلع نفسها من زوجها بالاتفاق معه على ترضية تقدمها. وكان من عادة الجاهليين عند الطلاق أن يقول الرجل للمرأة: «حبلك على غاربك ،» أي أخليت سبيلك، فاذهبي حيث شئت. ومن العبارات التي استخدموها لإيصال معنى الطلاق: «أنت خلية، أو أنت برية »، أو «أنت

مُخلى كهذا البعير »، أو «الحقي بأهلك ،» أو «اذهبي فلا أنده سربك »، أو «اخترت الظباء على البقر »، أو «فارقتك » أو «سرحتك .» وكان لدى الجاهليين نوع من الطلاق يطلق عليه: «الظهار ». وقد سمي كذلك لأن الرجل كان يشبه زوجته المطلقة بأي محرم عليه، كأن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، أو كبطنها أو كفخذها الخ. أو كظهر أختي أو عمتي. وكان الظهار من أقسى أنواع الطلاق عند أهل الجاهلية. ومن أنواع الطلاق الأخرى عند الجاهليين: الإيلاء، وهو القسم على ترك المرأة مدة محددة؛ شهوراً معينة أو سنة أو اثنتين أو أكثر، لا يقترب خلالها منها، وهو ما يشبه الهجر في الإسلام.

وكان من الجاهليين من يطلق زوجته ويفارقها، لكنه لا يسمح لها بالزواج من غيره حمية وغيرة، ويهددها ويهدد أهلها إن هي حاولت الزواج، وقد يمنحها بعض المال للحيلولة دون تزويجها، فلا يجيزوا لها الزواج، وحين ظهر الإسلام نهى عن ذلك. وعلى الرغم من انفراد الرجل الجاهلي بحق الطلاق، فقد كانت هناك من النساء من اشترطن على أزواجهن أن يكون أمرهن بأيديهن، أي أن تكون العصمة بأيديهن، وذلك لمكانتهن وشرفهن وقدرهن، ومن هؤلاء لنسوة: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش الخزرجية، وفاطمة بنت الشرخب الأنمارية، ومارية بنت الجعيد، وعتكة بنت مرة، والسوا بنت الأعبس. وأم خارجة التي ضرب بها المثل في تعدد حالات زواجها، فقيل: «أسرع من نكاح أم خارجة »، لكثرة زواجها وتطليقها لأزواجها. وقد عرفت هؤلاء النساء بكثرة ما أنجبن من ذرية في العرب إذ إنهن تزوجن جملة رجال.

الطريقة التي تتبعها المرأة التي تمتلك عصمتها في إبلاغ زوجها أنها تريد الطلاق طريفة، فلا كلام فيها ولا مخاطبة. كل ما في الأمر أن المرأة كانت تحول بيت الشعر الذي تقيم فيه من المشرق إلى المغرب وإن كان في اتجاه اليمن حولنه باتجاه الشام، وهكذا، فإذا رأى الرجل ذلك علم أنها طلقته، فلم يأتها. وهنالك بعض القبائل العربية التي تعيش في أماكن متعددة من العالم العربي، ما زالت تسمح بمثل هذه الممارسة، وفي هذه الحالة تسمى المرأة التي تقوم بذلك: الطامح. وقد عرف العرب نوعاً من الطلاق الذي تمارسه المرأة التي أبقت العصمة في يدها، بأن تزف العروس إلى زوجها ومعها حربة وخيمة، وفي هذه الحالة تستطيع الزوجة أن تعود إلى منزلها بعد مدة إذا شاءت ذلك. معنى أن القرار؛ العصمة، في يدها.

الطلاق: الجاهليون منحوا الزوجة حق إبقاء العصمة بيدها
 
12-Feb-2009
 
العدد 63