العدد 63 - أردني | ||||||||||||||
دلال سلامة يباع كيلو الملفوف بربع دينار في الأشرفية، وبنصف دينار في عبدون، قد باعه المزارع إلى التاجر بثلاثة قروش!. أما كيلو الزهرة الذي يباع ب 35 قرشاً في وسط البلد وبسبعين قرشاً في شارع وصفي التل )الجاردنز(، خرج من عند المزارع مقابل مبلغ بخس مشابه. تلك المعادلة المجحفة تنطبق على البندورة، طعام الفقراء، التي يبيعها المزارع بأسعار تتراوح بين عشرة قروش وعشرين قرشاً، لتصل إلى المستهلك بسعر يتراوح بين 35 قرشاً إلى 60 قرشاً. إذاً، أين يذهب الفرق؟. «يذهب إلى الوسطاء والتجار ». هذا ما يقوله حسن منيزل، م زارع صغير في دير علا، الذي كان يقف مرتدياً ملابس متواضعة وحذاء بلاستيكيا مهترئاً، ويدخن سيجارة قال: إنه أخذها من ابنه قبل أن يغادر المنزل، ويشير بيديه المعروقتين إلى أرضه التي «نام عليها المحصول » دون أن يجد يدا تقطفه. منيزل، المتقاعد براتب 100 دينار، ولديه 12 ولداً، من المزارعين الذي خسروا في زراعة الملفوف، والزهرة هذه السنة، فبعد ثلاثة أشهر من العمل الشاق لم يتح له أن يبيع شيئاً من إنتاجه. إبراهيم العرجات، يتشارك مع حسن في المشكلة. العرجات له 17 عشر ولداً، تضمن 30 دونماً مقابل نصف الإنتاج، ولم يجد أيضاً من يشتري محصوله، فاضطر إلى بيع سيارة محملة بثلاثة أطنان من الملفوف مقابل خمسة دنانير كعلف إلى أصحاب مزارع البقر في الظليل. مزارعون كثر يشكون من خسارتهم هذه السنة بالتحديد في صنفي الزهرة والملفوف، فمحمد غانم زرع 60 دونما بالملفوف، واضطر إلى بيع الكيلو بثلاثة قروش، ولم يكن محظوظاً ليسوّق كل إنتاجه، فاضطر | إلى بيع 24 سيارة لمزارعي البقر، محملة كل منها بثلاثة أطنان بمبلغ 400 دينار، لتبلغ خسارته 12 ألف دينار. غانم، يرى أن الفائض تسببت به منافسة مزارعي المناطق الصحراوية لمزارعي الغور، فهؤلاء قاموا بضخ كميات كبيرة من هذين الصنفين إلى السوق. المزارع مازن الحمارنة، يقول: «إن الفائض الهائل هذه السنة في محصولي الملفوف والزهرة بالذات، سببه أن هذين الصنفين حققا في السنة الماضية أسعاراً عالية جداً، إضافة إلى أنهما صنفان لا يتأثران بالصقيع، كما هو حال محاصيل أخرى، ما جعل المزارعين «يهجمون » على زراعتهما دون ضابط، وهذا ما ولّد الأزمة .» برأي الحمارنة هناك مجموعة بدائل يمكن أن تسهم في الحل، منها التصدير والصناعات التحويلية وصناعات التبريد والتدريج، ومنها أيضاً ما يسمى «النمط الزراعي »، وهو آلية لضبط الزراعة حاولت الحكومة تطبيقها في الثمانينيات، وتقوم من خلالها بتحديد الأنواع والكميات التي تسمح بزراعتها للمزارع، لكنها واجهت معارضة شرسة من المزارعين آنذاك فاضطرت الحكومة إلى التراجع عن خطتها. «النمط الزراعي » هو ما يطالب به كثير من المزارعين الآن، لكن الحمارنة يقول إنه يجب أن يرتبط بآليات واضحة ومدروسة بدقة «يجب أن يطبق على أصناف معينة هي الأصناف الإشكالية مثل: البطاطا، البندورة، والباذنجان، هذه مثلاً يجب أن لا تزرع إلا برخص، ولكن يجب أن يرتبط ذلك بآليات تضمن فيها الحكومة للمزارع تسويق إنتاجه .» الحمارنة، شدّد على أن تكون الحكومة حازمة في تطبيق قراراتها، وألا ترضخ أمام أي رفض كما حدث مؤخراً، عندما أصدرت قراراً يلزم المزارعين بتصنيف بضائعهم، ثم عادت وجمدت القرار «لكل قرار حسنات وعيوب تتكشف عند التطبيق العملي، ويمكن بالمتابعة والمراجعة تلافي أي عيوب .» هذا القرار الذي يقول غانم إنه سبب له الخسارة، فالإضراب الذي شل الحركة أجبره على بيع محصوله من البندورة إلى مصانع البندورة ب 55 فلساً للكيلو، بعد أن كان يباع ب 15 قرشاً للكيلو.العديد من المزارعين يطالبون بإعادة العمل بنظام التسعيرة، الذي ظل معمولاً به إلى بداية ال 90 . عندما كانت وزارة التموين تضع قائمة يومية للأسعار تراعي فيها معادلة العرض والطلب وكلفة النقل. المزارع راضي العلاقمة، يقول إن التسعيرة ستنصف الجميع «سيكون هناك هامش ربح منصف للمزارع والتاجر المستهلك، ولن تعود هناك أرباح فاحشة يحققها الوسطاء والتجار على حساب المزارعين والمستهلكين .» يدللون على ذلك بأن البندورة التي كانت تباع إلى التاجر بعشرين قرشاً، ليبيعها إلى المستهلك بمبلغ يتراوح بين 35 قرشاً ونصف دينار، زاد المعروض منها بسبب إغلاق الحدود العراقية أيام الانتخابات العراقية، فانخفض سعر شرائها من المزارع إلى عشرة قروش، لكن هذا لم ينعكس على سعر البيع للمستهلك، بل استمرت تباع لمدة عشرين يوماً بالسعر القديم نفسه. الوسيط ضامن الغراغير، يرفض نظام التسعيرة، ويقول: «إن الفرق بين سعر الشراء والبيع لا يذهب كله إلى للتاجر، فهناك كلفة النقل ». الوسيط يشدد على أن الحكومة إن لم لم تتمكن من تطبيق النمط الزراعي، فإن عليها دعماً للأصناف المتعثرة «الوسطاء متهمون بأنهم يحققون أرباحاً فاحشة، لكن الحقيقة أنهم يخسرون أيضاً، فهم يأخذون المحصول من المزارع من الأرض قبل أن تتضح ماهية الأسعار، وعندما تتضح وجهة السوق كما حدث هذه الأيام، يفاجأ بالانخفاض الهائل في الأسعار، فيخسر، ويكون المزارع قد استلم نقوده .» المزارع فادي غانم، يرد قائلاً : «في هذه الحالة يعود الوسيط إلى المزارع ويجبره على إعادة جزء من المبلغ الذي استلمه «لقد ضمن مني أحد الوسطاء ستين دونماً من الملفوف بمبلغ 25 ألف دينار، وعندما انخفضت الأسعار، اضطرني إلى إعادة 12600 دينار إليه .» غانم، شدد على أنه أجبر على إعادة النقود «في حالة كهذه إذا لم يكن لدى المزارع نقود ولم يدفع للوسيط، ، فإنه في الموسم الذي يليه لن يجد من يتعامل معه من الوسطاء .» شح المياه المردود ليس المشكلة الوحيدة التي يعانيها المزارعون هذه الأيام، فهناك مشكلة شح المياه، فبعد تحذيرات متكررة أصدرتها سلطة وادي الأردن إلى المزارعين تطلب إليهم عدم الشروع في الزراعة الصيفية، فقد قررت السلطة فعلاً منع الزراعات الصيفية ابتداء من نيسان/أبريل المقبل، كما باشرت أجهزتها الفنية بإغلاق مضخات المياه )الريزرات( بمادة اللحام. عضو مجلس إدارة سلطة وادي الأردن جمال المصالحة، وصف في تصريح صحفي قيام السلطة بإغلاق المضخات بأنه «إجراء غير إنساني، لأن هناك الكثير من الزراعات القائمة التي تحتاج إلى ريّ، من بينها زراعات كانت السلطة التزمت بريّها . » القرار أثار حفيظة المزارعين، بخاصة أنهم يعانون من شح المياه التي كانت السلطة تضخها لهم. المزارع هاشم الزبيدي يزرع وحدة مساحتها 30 دونماً، يقول إن المياه التي تصله تكفي بالكاد 10 دونمات، فالمياه تأتي مرتين في الأسبوع، وتأتي ضعيفة، ما يجعله وغيره من المزارعين يزيلون )النقاصات(، لتقوية الضخ، الأمر الذي رتّب عليه 23 مخالفة، حوّل بسببها إلى المحاكم وصدرت بحقه أحكام بالغرامات «يحدث هذا لأنني مزارع صغير، أما الكبار، فبركهم مليئة بالمياه .» راضي العلاقمة، رداً على سؤال عن تصوره لما سيفعله، بعد منع الزراعة الصيفية قال: «سأجلس أمام أحد المساجد وأشحد .» الحياة في الغور تعتمد، بشكل أساسي، على الزراعة، وقطاع الزراعة يعاني الكثير من المشاكل، يتطلب حلها وضع خطط استراتيجية يشترك جميع الأطراف المعنية في صياغتها. |
|
|||||||||||||