العدد 63 - أردني
 

حسين أبو رمان

بمفارقة ربما ذات دلالة، أنهى مجلس النواب يوم 4 شباط/فبراير الماضي دورته العادية الثانية.. ففيما سجل المجلس أداء رقابياً غير مسبوق في تلك الجلسة، أعاد خطاب عبد الرؤوف الروابدة المجلس إلى مظلة "العصبية " بعد أن رُفع عنه ما اصطلح على تسميته بـ"المظلة الأمنية".

رفع المظلة بات أمراً ملموساً بعد استقالة مدير المخابرات السابق محمد الذهبي، وهناك أكثر من مشهد على ردات الفعل النيابية التي باتت بلا ضوابط، ثم، كما يقول بسام حدادين "ضاعت الطاسة" في غياب البوصلة السياسية. في الجانب التشريعي، أقر مجلس النواب في ختام دورته الثانية 25 مشروع قانون وقانوناً معدلاً، من بينها اثنان عادا من مجلس الأعيان، مقارنة مع 57 في الدورة الأولى من ضمنها عشرة قوانين عادت من مجلس الأعيان.

احتلت اللجنة القانونية، ولجنة الصحة والبيئة، المرتبة الأولى في عدد التشريعات المنجزة بواقع خمسة قوانين لكل منهما. فيما تراوح إنجاز ست لجان أخرى، بين ثلاثة قوانين إلى قانون واحد. لكن هذه الدورة التي شهدت انشغالات إضافية بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، منحها النائب رسمي الملاح علامة "جيد" في الجانب التشريعي، و "جيد جداً " في الجانب الرقابي، فيما اعتبر النائب ممدوح العبادي أن الأداء بمجمله في الدورة الثانية أفضل من الأولى، وإن لم يرتق إلى أداء المجلس السابق، بحسب رأيه.

أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد مصالحة، يرى إنه "لا يكفي أن ننظر لدى تقييم الجانب التشريعي في الأداء البرلماني

لعدد التشريعات المنجزة، بل ينبغي أن نفحص سوية هذه القوانين وطبيعتها، وإلى أي مدى تخدم الهدف العام وتقوي العملية السياسية

التنموية". يضيف مصالحة " هذا التقييم يحتاج إلى فترة زمنية معينة كي يمكن قياس آثار التشريع السلبية والإيجابية، ومدى الرضا العام

الذي يحققه في خدمة طبقات أو فئات معينة، ولنتبين ما إذا كانت هناك قوى توجه التشريع إلى أهدافها، ما يؤدي في هذه الحالة لتنازع مع

المصلحة العامة ."

ويشير مصالحة، وهو أمين عام سابق لمجلس الأمة، إلى "أن التقييم النوعي للأداء التشريعي يتناول التشريع أيضاً من منظار المعايير الدولية، ويفحص هل هناك مشاركة واسعة في مناقشة وإقرار التشريع أم أن قوى محدودة هي التي تقرر". في الجانب الرقابي من أداء المجلس، فرغم أن المجلس سجّل "أرقى" أداء رقابياً له حتى الآن في جلسته الأخيرة المنعقدة يوم 4/ 2/ 2009 التي استجوب فيها النائب عواد الزوايدة أربعة وزراء دفعة واحدة، فإنه لم يخصص للأسئلة والاستجوابات سوى جلستين، فيما لم تعقد ثالثة لعدم اكتمال النصاب.استجواب وزراء المالية، الطاقة والثروة المعدنية، البيئة، والصناعة والتجارة، تم بدعوى مخالفة عدة أحكام دستورية بعدم منع شركة الفوسفات من تصدير خام الفوسفات بشكل

عام والمشبع منه باليورانيوم بشكل خاص، "بالرغم من عدم صدور قانون يصادق على حقوق الامتياز " بحسب الزوايدة.

رئيس الوزراء نادر الذهبي، نفى وجود اتفاقية امتياز موقعة مع الشركة، مبيناً أنه عندما تم خصخصة الشركة، وجّه وزير المالية آنذاك، بتفويض من مجلس الوزراء، رسالة تمنح بعض المزايا للشركة. ووعد الرئيس الذهبي بأن تتم مراجعة الرسالة مع الشركة، وإعلامها بأن "الرسالة لا ترقى إلى اتفاقية امتياز، وأن الحكومة ستقوم بمنح حق تعدين لأي شركة تتقدم حسب شروط ومعايير ومواصفات شفافة للجميع تنطبق عليها، وستعود للمجلس بهذا القرار". توضيحات الذهبي وتعهداته أنقذت وزير المالية حمد الكساسبة من تصويت شبه مؤكد على الثقة.

جلسات المناقشة العامة استحوذت على حيز مهم من اهتمامات النواب ومن جداول أعمالهم، إذ بلغت خمس جلسات، غطت مواضيع تداعيات الأزمة المالية العالمية، أزمة التعامل مع البورصات الأجنبية، انتشار ظاهرة المخدرات، التعليم الجامعي في الأردن، وواقع المياه في المملكة. هذه الجلسات مفيدة، لكن هل حققت الغاية منها؟.

النائب بسام حدادين الذي حجز لنفسه مقعداً تحت القبة للمرة الخامسة منذ العام 1989 ، يقول "إنها أفضت إلى لا شيء " معتبراً الجلسات بمثابة منابر فوقية لم تؤد إلى خلاصات، واعتبرها «مبادرات فردية معزولة، وليست ذات دوافع سياسية واضحة ". السياق الذي تعقد فيه هذه الجلسات، يشير إلى أنها ينبغي أن تندرج ضمن الدور الرقابي للمجلس، مع ذلك فإن هذه الوظيفة غائبة، ما يحولّها إلى جلسات خطابة، وفوق ذلك ينتهز نواب الفرصة لتحويل قضايا عامة إلى مطالبات خدمية لدوائرهم الانتخابية.

على هامش دور المجلس التشريعي والرقابي، هناك مظاهر من الأداء النيابي التي تفتقر إلى "الكياسة "، وإلى التعامل "غير اللائق " بين نواب ، أو بين نواب ووزراء، ما خلّف «طوشتين » تحت القبة وثالثة خارجها. لكن إذا كانت «الطوش » موسمية، فهناك ما هو غير موسمي وهو عدم مواظبة نواب كثر على حضور الجلسات، ما يحول أحياناً دون انعقاد جلسات، أو فقدان جلسات لنصابها، وينطبق هذا على ما لا يقل عن أربع جلسات، فضلاً عن جلسات تستمر دون نصاب.

عبد الله الجازي النائب الأول لرئيس مجلس النواب، قدّم لـ" السجل" تفسيره لهذه الظاهرة، لافتاً إلى أن "جميع رؤساء اللجان جدد يتحملون المسؤولية للمرة الأولى، ما يعرضهم إلى نوع من الشغب لأسباب شخصية من زملاء تناوبوا سابقاً على قيادة لجان دائمة". أعطى الجازي مثلاً على ذلك في أول جلسة رقابية ترأسها هو، مشيراً إلى أنه كان تحت القبة 68 نائباً، بينما كان في ردهات المجلس 7 نواب، يكفي 6 منهم لاكتمال النصاب.

النظام الداخلي لمجلس النواب لم يعد يلبي احتياجات تطوير العمل النيابي، وتأكيداً لذلك فقد أدرج على جدول أعمال المجلس في الدورة الاستثنائية في حزيران/يونيو الماضي، وتقدمت مجموعتان من النواب بمذكرتين تحمل مقترحات تنطوي على أفكار جديدة باتجاه التمثيل النسبي ومأسسة الكتل النيابية. وحينما أحال المجلس النظام الداخلي على لجنته القانونية، فقد تم ذلك استجابة لفكرة طرح كل النظام الداخلي للمراجعة، وعدم قصرها على نقاط محددة. في تفسيره للإخلال النيابي بنصاب عدة جلسات نيابية، استخلص الجازي أنه "لا بد من معالجة إشكالية النظام الداخلي" الذي يضع المجلس تحت رحمة أي عدد محدود من النواب، الذين يستطيعون بمغادرتهم إفقاد المجلس نصابه القانوني. وأوضح أنه تم بحث هذا الأمر مع رئيس اللجنة القانونية مبارك أبو يامين من أجل مناقشة النظام الداخلي في الدورة الاستثنائية المقبلة .

الكتل النيابية شهدت في المحصلة استقراراً في أوضاعها العددية: الكتلة الوطنية عند حدود 55 نائباً، الإخاء عند العدد 19 ، والوطنية بتسعة

اعضاء، والعمل الإسلامي بنوابها الستة. لكن كتلة الإخاء عبرت لحظة توتر في خضم الأنشطة التضامنية مع غزة، حينما لوّح طارق خوري ورسمي الملاح بطرح الثقة برئيس الحكومة، بشأن مطلب طرد السفير الإسرائيلي. رسمي الملاح قال لـ" السجل" متمنياً "أن نكون تجاوزنا هذا الوضع، فالاختلاف في الرأي لا يعني انتقالنا إلى موقع معارض. وكلما كان هناك هامش أوسع من حرية التعبير، اتسعت صدورنا لبعض، وكان هناك زخم في العلاقات، واستشهد بالمثل الأميركي الذي يقول: "الاختلاف يولد الفرص".

شدّد الملاح على أنه "لا يمكن النهوض بعملنا من دون كتل توفر إطاراً للتفاهم فيما بين النواب، فنحن في كتلة الإخاء أصبحنا، على الأقل، نفهم على بعض، مشيراً إلى أن الكتلة وضعت بعد انتهاء الدورة الثانية برنامجاً للزيارات ذات الطبيعة الرقابية على مراكز ومؤسسات رسمية ".

وتوقع الملاح أن تشهد الكتل النيابية تغيرات، "فكتلة الإخاء يمكن أن يزيد عدد أعضائها، وكتلة التيار الوطني يمكن أن تنقص، وإذا حدث

ذلك فإنه في مصلحة عمل المجلس". ورجّح ولادة كتلة نيابية جديدة بمبادرة من مستقلين. وكانت "السجل"، قد استفسرت من ممدوح العبادي الذي كان يرأس "الكتلة الديمقراطية " في المجلس النيابي السابق، عمّا إذا كان يعتزم تشكيل كتلة نيابية، فأكد أنه استخلص ضرورة العمل في هذا الاتجاه، لكنه قال إن "المسالة قيد الدرس، ولم يتخذ قرار بشأنها بعد ". الحل الذي يمكن أن يرتقي نوعياً بأداء المجلس النيابي معروف للجميع، ويتمثل بوضع أسس سياسية وبرنامجية لانتخاب النواب، لكن هذا بحاجة إلى قانون انتخاب جديد يأخذ بمبدأ التمثيل النسبي إلى جانب التمثيل الفردي. لكن من يعلق الجرس، إذا لم يكن هذا أولوية حكومية ونيابية؟.

"النيابي" : خطوتان إلى الخلف مقابل كل خطوة إلى الأمام
 
12-Feb-2009
 
العدد 63