العدد 63 - أردني
 

السّجل - خاص

التجاذب بين الحركة الإسلامية والحكومة يتواصل على إيقاع الحذر والحاجة للانفتاح، فيما بقية القوى والأوساط السياسية تراقب ما يجري بأقل تدخل، وبنوع من التسليم بأن الطرفين يتقاسمان الساحة ويملآنها، ولا حاجة أو متسعاً لطرف ثالث.

في هذه الأثناء، لا تتوقف قيادات في الحركة الإسلامية طويلاً عند ما "يتسرب" في الإعلام عن بوادر تغير في العلاقة "المنفتحة"، التي سادت بين الحركة والحكومة في الأشهر القليلة الماضية، باتجاه العودة نحو تقليل "الامتيازات" الممنوحة للإسلاميين، واستئناف سياسة رسمية أكثر تشدداً معهم.

قيادي إسلامي فضّل عدم نشر اسمه، قال لـ"ے"، إن المهم لدى الإسلاميين، أكثر من التسريبات والتصريحات، هي الخطوات على الأرض، التي يمكن أن تشير إلى أن "تغيراً جوهرياً في العلاقة مع الإسلاميين قد طرأ باتجاه العودة لسياسة الإقصاء".

تاريخياً اتسمت العلاقة بين الجانبين بتفاهم عميق، على أرضية محافظة مناوئة للتيارات اليسارية والقومية. لكن التطورات اللاحقة قادت للتباعد بين الحكومة والإسلاميين بعد تزايد نفوذ الإسلاميين في الشارع عقب الثورة الإسلامية في إيران، ثم اتفاقيات السلام مع الدولة العبرية.

يرى القيادي نفسه، أن ثمة إجراءات رسمية "سلبية"، ويضيف أن الإسلاميين يستشعرون تصعيداً رسمياً تجاه الحركة في الأسبوعين الأخيرين، بعد مرحلة الانفتاح والإيجابية في التعامل مع الحركة، بخاصة أثناء الحرب على غزة، والسماح بالعدد الكبير من المسيرات والتعبيرات الشعبية المتضامنة مع شعب فلسطين والمقاومة وحركة حماس. ويلفت إلى أن من هذه "السلبيات"، منع إقامة مهرجان احتفالي بنصر المقاومة في عمان.

وفيما تحدثت تقارير وتعليقات صحفية عن العودة إلى منع عدد من خطباء الإخوان المسلمين في بعض المساجد أيام الجمع، منهم النائب حمزة منصور، يؤكد المصدر نفسه أن «منصور لم يتعرض للمنع من الخطابة، على الأقل حتى الآن، وقد خطب الجمعة الفائتة، ومن المقرر أن يلقي خطبة الجمعة المقبلة كما هو معتاد».

ويوضح أن «الاتصالات الهاتفية، والتنبيه من رفع سقف النقد والتصعيد في خطب الجمعة، أمر متواصل ومعتاد ولا جديد عليه».

إلا أن وزارة الأوقاف أبلغت سبعة من خطباء الإخوان المسلمين، فرادى، بالتوقف عن الخطابة، كما يؤكد الناطق الإعلامي باسم الإخوان المسلمين، جميل أبو بكر، لـ»ے».

«الأوقاف بررت منع هؤلاء من الخطابة، بحسب أبو بكر، بـ»مخالفتهم قانونَ الوعظ والإرشاد". أبو بكر أكد "رفض" الإخوان المسلمين لهذا المنع ولمسوغاته، لافتاً إلى أن من بين الممنوعين من الخطابة: وزير الأوقاف الأسبق إبراهيم زيد الكيلاني، والنائبين السابقين أحمد الكوفحي، وعبد المجيد الخوالدة.

كانت الحكومة عادت وسمحت بعد الانفتاح على الإسلاميين قبل أشهر، لنحو عشرين من خطباء الإخوان الممنوعين، بالعودة إلى الخطابة، وهو مطلب قديم للحركة الإسلامية.

رغم التقليل من أهمية هذه الإجراءات في العلاقة بين الحكومة والحركة، فإن قيادة الحركة ممثَّلةً بالمكتبين التنفيذيين للإخوان وجبهة العمل الإسلامي، ترى فيها «مؤشرات تعكس تبايناً وتعدداً في وجهات النظر في الدولة، تجاه الموقف من الإسلاميين، لكنها لم تحسم باتجاه العودة عن الانفتاح».

يقول أبو بكر إن الحركة «كانت تتوقع أن تتوالى الخطوات المحدودة في الانفتاح عليها من الحكومة، لا أن يتم التراجع للخلف، عبر منع خطبائها من الخطابة، أو منع بعض الأنشطة والفعاليات». وهو لم يجزم إن كان هذا التراجع الرسمي في الانفتاح على الإسلاميين «تراجعاً استراتيجياً». يقول: «هده مؤشرات سلبية، صعب أن نقول إنها استراتيجية او غير استراتيجية، لكنها سلبية وضارة وغير صحيحة «.

بعد أن يلفت أبو بكر إلى أن الانفتاح على الحركة الإسلامية «جاء ضمن مراجعة مهمة للسياسة الخارجية والداخلية الأردنية، طالت العلاقة مع حركة حماس وسورية وقطر وتنويع الخيارات السياسية امام البلاد»، يعود للقول: «نلاحظ، ويلاحظ محللون وكتاب صحفيون أن ثمة تراجعاً رسمياً عن بعض الخطوات في مجال مراجعة السياسة الخارجية والداخلية أيضاً».

ويرى أن تلك المراجعة الرسمية «خدمت مصالح الأردن، وهو أمر يجب أن يستمر، بخاصة في ظل استمرار الخطر الإسرائيلي على الأردن، سواء فاز الليكود أو كاديما، فالأطماع الصهيونية وخطر الوطن البديل ما زالت قائمة».

القوى السياسية الأخرى أبقت نفسها على الهامش ،ولم تتدخل في هذا النقاش حول مصالح الأردن الراهنة والاستراتيجية، وموجبات المشاركة السياسية التي تعكس التعددية القائمة في المجتمع.

الرد الاستباقي المباشر من الإسلاميين على ما تسرب من معلومات وتحليلات بهذا الشأن، كان في تسريع إصدار صحيفة «السبيل» اليومية، منذ الثلاثاء 10 شباط/فبراير، «رغم عدم إكمال الاستعدادات للصدور حاليا»، كما يكشف المصدر، وذلك في محاولة لاستباق أية خطوة حكومية تعيق إصدارها.

كان ورد في تحليلات صحفية، منها مقالة لرنا الصباغ («الحياة» اللندنية، 7 شباط/فبراير)، وكتابات لمحمد أبو رمان في صحيفة «الغد»، أن الحكومة تبحث عن مخارج قانونية تَحول دون إصدار «السبيل» اليومية، الناطقة باسم الحركة الإسلامية، رغم حصولها على ترخيص رسمي قبل نحو شهرين.

الحركة الإسلامية تؤكد أنها ستحدد موقفها من «أي تصعيد أو تغير في أسس العلاقة مع الحكومة، بناء على الخطوات على الأرض»، لكن المصدر الإسلامي لا يحدد ما هو التغيير الممكن من جانب الإسلاميين، في حال حدوث تغير رسمي على الأرض تجاه الحركة.

أكثر من تحليل وتقرير صحفي نقل عن مصادر رسمية قولها إن السلطات «شرعت في مراجعة الامتيازات التي منحتها للإسلاميين»، الذين تمددوا عبر الشعبية المستجدة لحماس خلال العدوان على غزة، وقيادة الإخوان المسلمين للشارع الأردني المتضامن مع غزة.

تحليلٌ نُشر في «ے» (العدد 62) كشفَ عن «قلق رسمي» من محاولات بدأتها قوى المعارضة بقيادة الإسلاميين لاستثمار «مرحلة ما بعد غزة»، بالتزامن مع وصول الرئيس الديمقراطي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، من أجل الدفع باتجاه المشاركة في صناعة القرار السياسي.

هذا الشعور عزّزه لدى نخب سياسية وإعلامية، ما جرى في مجلس النواب قبل أيام، عندما خرج النائب عبد الرؤوف الروابدة، وقبله رئيس المجلس عبد الهادي المجالي، بتصريحات ومواقف عُدَّت تصعيدية تجاه الإسلاميين، ورأى فيها سياسيون وكتّاب وصحفيون (من مثل محمد أبو رمان) مؤشراً رسمياً لانقلاب المزاج الرسمي تجاه الحركة الإسلامية. ويؤيد أبو بكر أن الموقف النيابي للروابدة وغيره «يعكس موقفاً رسمياً سلبياً تجاه الحركة».

يقول محلل وكاتب سياسي مقرَّب من الحكومة، إن مواقف الروابدة والمجالي تجاه الإسلاميين «لا تعكس موقفاً رسمياً جديداً من الإسلاميين، وإن كانت تعبّر عن موقف بعض مفاصل الدولة وصناعة القرار، أو تلتقي معها».

ويوضح أن ثمة رأيين متباينين داخل الدولة، تجاه مستقبل العلاقة مع الحركة الإسلامية، وأيضاً –وبالترابط- تجاه العلاقة مع حركة حماس في مرحلة ما بعد الحرب على غزة. «هناك رأي يدفع باتجاه العودة إلى السياسة الرسمية ما قبل مرحلة الانفتاح مع الإسلاميين، بخاصة بعد المكاسب الشعبية التي حققوها من الانفتاح الرسمي». أما الرأي الآخر، وهو السائد والنافذ حتى تاريخه، فيعتقد أن «سياسة الانفتاح المحسوب، مثمرة مع التيار الإسلامي، أكثر من سياسة الإقصاء وتجفيف منابع الشعبية».

أصحاب الرأي الثاني يدفعون باتجاه «عدم حسم الخيارات للعلاقة مع الحركة الإسلامية وحماس، وعدم التراجع عن الانفتاح عليهما»، بانتظار معرفة ما ستؤول إليه الأوضاع السياسية في الإقليم، ومعرفة المدى الذي يمكن لحماس أن تحقق فيه مكاسب سياسية على أرض الواقع في مرحلة ما بعد الحرب، وانتظاراً لمعرفة إفرازات الانتخابات الإسرائيلية التي تنذر بوصول اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو لقيادة إسرائيل في المرحلة المقبلة، مع ما يحمله ذلك من تهديدات لمصالح الأردن.

الصورة في أروقة قيادة الحركة الإسلامية لا تختلف كثيراً،، عن التباينات في الدولة. حسب أوساط في الحركة فإن قيادة الإخوان التي يقودها الصقوري همام سعيد «تجنح» إلى سياسة ناعمة مع الحكومة، حتى في ظل حماسة الشارع والإسلاميين للتضامن مع حركة حماس أثناء العدوان على غزة، حيث ابتعد النقد، قدر الإمكان، عن الموقف الرسمي تجاه الأحداث، باستثناءات قليلة كما جرى عقب تغيب الأردن عن مؤتمر الدوحة.

فيما يدفع أمين عام جبهة العمل الإسلامي زكي بني إرشيد إلى «ضرورة رفع سقف مطالب الإسلاميين باتجاه الاعتراف بدور الحركة السياسي، وفتح باب المشاركة السياسية أمامها»، تبدو قيادة الإخوان الصقورية (المتشددة أيديولوجياً وسياسياً) أقل «سقفاً»، وتبدو قانعة بمستوى حالة الانفتاح الحكومي الحاصلة تجاه الإسلاميين.

يقول المصدر الإسلامي، إن قيادة همام سعيد والصقور للإخوان والحركة في العلاقة مع الدولة، يمكن توصيفها بمقولة «سياسة حمائمية واقعية بغلاف صقوري».

السياسة الحمائمية للصقور، تبدّت في الموقف الرسمي للحركة من دعوة نائب أمين عام جبهة العمل الإسلامي ارحيل غرايبة (المصنف على تيار الحمائم أو الوسط)، مع بضع شخصيات (لم تعلن أسماؤها رسمياً) للمطالبة بإصلاحات دستورية «تعزز من الملكية الدستورية».

لم يكد يصدر بيان الشخصيات، الذي رأى فيه بعضهم تصعيداً من الحركة الإسلامية تجاه الحكومة، حتى صدرت تصريحات وتوضيحات من قيادة الحزب والحركة، بأن هذا الموقف شخصي لغرايبة، أكثر منه موقفاً للحركة.

يوضح المصدر الإسلامي أن مشاركة غرايبة في لقاء الشخصيات السياسية الموقّعة على البيان تم بموافقة الحزب، لكن التوقيع على البيان لم ينل مثل هذه الموافقة. يضيف المصدر أن «البيان وتبنّيه بُحث في أكثر من مستوى قيادي في الحركة، وتبلور الرأي بعدم القدرة أو الرغبة حالياً في تبنيه».

أبو بكر يقول لـ»ے» إن البيان «صدر عن مجموعة من الشخصيات السياسية والممثلة لتيارات مختلفة، كان من بينها ارحيل غرايبة، وعبّر البيان عن رأيهم، أما نحن كحركة إسلامية فلم نوقّع على البيان». ويوضح أنه «رغم عدم توقيع الحركة الإسلامية على البيان، فالحركة تؤكد على ضرورة التقدم نحو الإصلاح السياسي، وتعزيز المشاركة السياسية، ووضع تشريعات مقبولة ناظمة للحريات والحياة السياسية، وإطلاق الحريات العامة».

تخلص أوساط إسلامية إلى القول إن العلاقة مع الحكومة «تراوح مكانها في مربع الانفتاح، لكن مستقبلها يرتبط بأكثر من بعد محلي وإقليمي هو رهن بالتطورات المقبلة».

في هذه الأثناء، فإن بقية القوى السياسية في «تنسيقية المعارضة» وخارجها، لدى التيار اليساري والقومي والوسطي والشخصيات المستقلة، تُحيّد نفسها عن هذه التطورات «البطيئة» التي تتعلق بالعملية السياسية في البلاد، وموقف الحياد والمراقبة عن بُعد هو أفضل وصفة لتكريس حالة الاستقطاب الثنائي بين الحكومة والإسلاميين، وإفقار الحياة السياسية.

الحياة السياسية أسيرة استقطاب ثنائي
 
12-Feb-2009
 
العدد 63