العدد 2 - أردني | ||||||||||||||
تأكيدات رئيس الوزراء معروف البخيت العلنية حول انتشار بيع وشراء الأصوات تدق جرس الإنذار لجهة حجم هذه الظاهرة ومدى تفاقمها في الأردن، ما دفع السلطات لتعقب المخالفين في أول تحرك بهذا النطاق قبل أسابيع من الانتخابات التشريعية، على ما يرى خبراء تشريع وقانونيون.
استخدام ما يعرف بـ «المال السياسي» ليس جديدا على الأردنيين. لكن الجديد هو اتساع هذه الظاهرة وارتفاع مؤشر «الأسعار»، فضلاً عن رد فعل الحكومة غير المسبوق بعد تصاعد الاحتجاجات من الرمثا وحتى العقبة.
بدايات الشراء والبيع ظهرت على نطاق محدود جداً مع عودة الحياة النيابية في العام 1989 بعد غياب 22 عاما. اليوم تنتشر هذه الظاهرة في غالبية الدوائر الانتخابية، حسبما يرى مسؤولون ونواب سابقون.
ويقود عمليات شراء الأصوات «سماسرة ومضاربون» يعملون على ترويج «بضاعتهم» لمرشحين ، إما نقداً أو مقابل تسديد فواتير الهاتف والماء والكهرباء عن عائلات فقيرة أو توزيع هواتف خليوية وطرود غذائية، حسبما رصدت «السّجل» في غير موقع.
أبرز المضاربين في سوق الأصوات ينتمون إلى طبقة جديدة تشكلّت مع تدفق أموال من الخارج في ضوء الطفرة النفطية، وعقب حرب الخليج الثالثة في العام 2003 وارتفاع أسعار الأراضي.
في قفص الاتهام
ترجع قوى سياسية وأحزاب انتشار هذه الظاهرة إلى قانون «الصوت الواحد» الذي صدر في العام 1993، معتبرين أنه ساهم في «تفتيت المجتمعات المحلية وانتشار الجهوية والعشائرية والمال السياسي».
ضمن التحرك الرسمي، تحفظت الجهات القضائية على شخصين على الأقل يشتبه بقيامهما بجمع بطاقات شخصية لناخبين مقابل مبالغ مالية. على أن الأحزاب السياسية وما تصنف نفسها بالقوى الوطنية قابلت الإجراء الحكومي بالتشكيك ، معتبرة أنه لا يرتقي إلى حجم انتشار البيع والشراء.
«طاعون» شراء الأصوات اجتاح الدائرة الثالثة /في عمان المفترض أن ترتقي تركيبتها السكانية إلى معارك انتخابية سياسية بعيداً عن الجهوية والأعطيات، بحسب بيان عن «مجموعة اليسار الاردني». هذه المجموعة غير المعروفة سابقاً ترى أن «رائحة الانتخابات تزكم الأنوف. ولا مجال فيها إلا لاصطدام المال بالمال، والنفوذ بالنفوذ، والفساد بالفساد «. الدائرة الثالثة كانت تشهد انتخابات سياسية بامتياز بحسب تجارب انتخابية سابقة، إذ شكّل اثنان من نوابها حكومات سابقة هما طاهر المصري وعلي أبو الراغب. كذلك فاز فيها نائب رئيس الوزراء السابق فارس النابلسي، إضافة الى معارضين من الوزن الثقيل مثل ليث شبيلات وتوجان فيصل.
مرشحون في الدائرة الثالثة اشتكوا من تفشي الظاهرة ، مؤكدين أن ثمن الصوت الواحد اخترق حاجز ال 250 دينارا وهو في صعود متواصل قبل أيام من الانتخابات.
في تصريحاته أدرج البخيت سلّم أسعار الأصوات من 50 إلى 150 ديناراً، حسبما ظهر على شاشة التلفزيون الرسمي. على أن تصريحه خلا من التصنيف السابق حين أوردته الصحف في اليوم التالي، تحاشياً لإحداث صدمة على ما يبدو.
ويرفض البخيت «أن ترتهن إرادة المواطن السياسية مقابل مبلغ من المال، ويراهن على وعي المواطن وكرامته ورفضه لهذه الظاهرة السلبية، وغير المألوفة في مجتمعنا" .
إلى ذلك أوعز الرئيس لأجهزة الدولة ل «الحد من ظاهرة المال السياسي وشراء الضمائر ودفع ثمن الصوت، والقضاء عليها والتعامل معها على أنها قضية فساد مثل أي قضية فساد اخرى».
وينص قانون الانتخاب على أيقاع عقوبة السجن من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة مالية من 50 إلى 500 دينار بحق كل من يدان بتقديم عطايا نقدية أو عينية بهدف شراء أصوات ناخبين محتملين.
يرى نواب ومسؤولون سابقون أن الحكومة تواجه تحدي ضمان نزاهة الانتخابات ، ومواجهتها بإجراءات رادعة وجدّية في ظل انتشار ظاهرة شراء الأصوات.
أحزاب المعارضة وقوى سياسية، حذّرت في بياناتها من أن ظاهرة شراء الاصوات «باتت على كل لسان، ولا تقف عند دائرة او اثنتين وانما بات الحديث عن تلك الظاهرة على مستوى الاردن».
«نادي مدريد» الذي يضّم في عضويته رؤساء دول وحكومات ومسؤولين سابقين، طالب الحكومة بإجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة وشفافة، لتعزيز ثقة المواطن الاردني، وكذلك توطيد الروابط الوطنية واستقرار البلاد. ودعا النادي أيضا «إلى إجراء حوار بناء وشفّاف مع مؤسسات المجتمع المدني وصولاً الى صيغ توافقية من أجل كفالة وضمان الحقوق للجميع».
أمين عام الحزب الشيوعي منير حمارنة رحب بتصريحات رئيس الحكومة حول منع المال السياسي، كونه «عدواناً على ضمائر الناس وإفساداً لضمير الناخبين وما يمثله من إساءة كبيرة على حقوقهم».
ورأى أن «بالإمكان إجراء انتخابات غير مزورة، ولكن قانون الانتخاب هو تزوير لإراء الناس التي تعتبرالقانون غير حضاري وساهم في تكريس العديد من الظواهر السلبية وأهمها المال السياسي».
ويؤكد حمارنة معرفة «الحكومة بوجود مزادات علنية لشراء وبيع الأصوات» لافتا إلى أن الأسعار تتراوح بين « 100 و 500 دينار».
ويعزودخول المال الى الانتخابات الى» قانون الصوت الواحد الذي يمنع قيام أي تحالفات، ويكرّس الطابع الفردي والعشائرية والطائفية والاقليمية، ما يجعل الحكومة غير قادرة على منع تجارة الاصوات «.
يستسر سمسار ل"السّجل" بأن إحدى المرشحات وعدته «بسيارة فارهة إن نجح في تأمين مائة هوية أحوال شخصية، وعشرة آلاف دينار لكل 50 هوية».
استاذ السياسة الشرعية المحامي بشير أبو رمان أصدر فتوى «تحرم استخدام المال في الانتخابات» معتبرا أن كرسي النيابة يحاكي «البيعة أو العهد، بل هو فوق ذلك لأنه الحارس والمراقب والمشرع والمحاسب لا يصلح لشغله من يبدأ مشواره بالفساد».
يخلص أبو رمّان إلى أن الانتخابات تشكل «فرصة للمواطن لأن يكشف من يستحق النيابة والأمانة والعهد»، ويشدد على تحريم «الإنسياق وراء الضغوط الضيقة من عصبية وطائفية وحزبية وفئوية وعشائرية». |
|
|||||||||||||