العدد 62 - علوم وتكنولوجيا | ||||||||||||||
من منا لم يعانِ الخوف في صغره، من الظلام، أو من «الحرامي » الذي يتربص بباب الدار؟ كثيرون منا لم تفارقهم هذه المخاوف حتى بعد نضوجهم، ويقوم العلماء على الدوام، بالبحث عن أصول الخوف وأنواعه لدى الإنسان، ويربطونه بالكثير من الأمراض العصبية والاضطرابات النفسية. مؤخراً نجح الباحث الألماني هانز كريستيان بابي، رئيس قسم الأعصاب في جامعة مونستر الألمانية، بالتعاون مع العالم الإنجليزي ريموند جوزيف دولان من جامعة لندن، في تحقيق إنجاز علمي جديد، تمثّلَ في إنجاز بحث مشترك عن الخوف لدى الإنسان، الأمر الذي أجاب عن أسئلة كثيرة متعلقة بعقدة الخوف المتولدة عند الإنسان. واستطاع العالمان تقسيم الخوف من خلال هذا البحث إلى أقسام عدة. القسم الأول سُمّي «نوبات الذعر »، وهى نوبات تصيب الإنسان فجأة، وتتلخص في فقدان الوعي، الرجفة العصبية، وهبوط القلب وعدم انتظام نبضاته، ثم الإحساس بثقل على الصدر مرافق لضيق التنفس يتبعه هزال عام في الجسم، وتكون حالة المريض المصاب بنوبات الذعر شبيهة بحالة المريض بنوبات الصرع. القسم الثاني من الخوف هو «الرعب الداخلي » الناتج عن الخوف من المجهول، وتتلخص أعراضه في آلام متنقلة لا أساس علمياً لها، مثل الأرق، الاكتئاب، انعدام الشخصية، الإحساس بالانهزامية، التوتر الدائم، فقدان الثقة بالنفس وبالآخرين، التردد، الخوف من اتخاذ أي قرار، الأحلام المزعجة والكوابيس، والضعف الجنسي. ويعد هذا النوع من الخوف من أعقد الأنواع، والأصعب لمعالجته، إذ إن معظم أعراضه نفسية وتعتمل داخل الإنسان. أما القسم الثالث فيتمثل في «الخوف من المواجهة »، وهذا النوع مقلق لأصحابه، إذ يتركز شعور المصاب في الإحساس بمراقبة الناس له، وهذا النوع أكبر بكثير من الشعور العادي بالخجل أو التوتر الذي يحدث عادة في التجمعات، حتى إن الذين يعانون من هذا النوع من الخوف الاجتماعي قد يضطرون لتجنب المناسبات الاجتماعية حتى لا يكونوا محطَّ الأنظار. وهذا ما يمكن تشخيصه بالحالة المرضية، إذ إن علاقات المصابين بالآخرين ومسيرتهم التعليمية تتأثر به، بلا أدنى شك، ويحدث تدهور شديد لديهم، | وقد يلجأ الكثير منهم إلى الإدمان على الكحول أو المخدرات لمواجهة مخاوفهم. القسم الرابع هو «الخوف من الماضي والحاضر والمستقبل .» الخوف من الماضي هو أن يتعرض الإنسان لحادث أو موقف يترك في نفسه شيئاً من الأثر السيئ، بحيث لم يعد يستطيع نسيانه حتى أصبح هذا الموقف يشكّل عقدة نفسية له، والخوف من الحاضر يكون الإنسان فيه مهزوزاً ضعيفاً يخاف مما لا يخيف الأطفال، مثل الخوف من المكان المعتم، أو الخوف المصاب من ألاّ يكون وحده، أو خوفه من الخروج في الليل، أو من أن يتناول الطعام عند آخرين. أما الخوف من المستقبل، فهو الخوف من فقدان الوظيفة أو من سينفق عليه إذا كبر، أو من سيزوره إذا مرض.. إلخ. ويعاني كثيرون من هذا النوع من الخوف، ويبقى الوسواس يلاحقهم في جميع خطوات حياتهم. «الخوف من الحالة الصحية ،» ومن الموت، هو النوع الأخير من الخوف، والذي يعتبر «قلقاً زائداً ،» وهو الأمر الذي يدفع صاحبه إلى قضاء معظم وقته عند الأطباء ليطمئن على حالته الصحية السليمة أصلاً، وتصل به الحال إلى أن كل مرض يسمعه يتخيل أنه مصاب به، ويذهب على الفور لاستشارة الطبيب للتأكد إن كان مريضا أم لا. واستطاع البحث كذلك إثبات أن الخوف يصيب الإنسان بالأمراض العضوية، مثل: مرض السكّر، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، وسرعة نبضات القلب، والكثير من الأمراض النفسية، مثل: التوتر، والقلق، والهلوسة، والانطوائية، ويرتبط كذلك ببعض الأعراض التي تقلق كثيرين، مثل: التخيل، والكوابيس في المنام، والأرق، والاكتئاب، والوساوس، والوهم. مرت على أمتنا الكثير من الأحداث الجسام التي تركت آثاراً عميقةً في نفوس الشباب وكبار السن، وخلقت أنواعاً جديدة من الخوف، ربما لا نجدها في هذه الأبحاث، وإنما فقط في عيادات الطب النفسي العربية. |
|
|||||||||||||