العدد 62 - ثقافي
 

عواد علي

يسعى الناقد المغربي حسن نجمي في كتابه «شعرية الفضاء: المتخيل والهوية في الرواية العربية » إلى إعادة الاعتبار لمفهوم «الفضاء »

في الفكر والكتابة، بل وإعادة التفكير في الوضع الاعتباري الذي أضحى يعطيه الخطاب النظري والنقدي الغربي لهذا المفهوم انسجاماً مع تراثه النظري وحاجياته الراهنة، على أساس أن تلقي الفضاء يظل مركزياً في «تلقي رمزية اجتماعية » معينة، في سياق اجتماعي ثقافي وتاريخي معين، بخاصة إذا كانت هذه الرمزية الاجتماعية، بتعبير كاسيرر، لا تظل بمنأى عن الحدس والتعبير نفسيهما. يرى نجمي أن مفهوم «الفضاء » في الخطاب النقدي العربي، قد أنهكته حال من الالتباس القصوى التي اقترفها في البداية غالب هلسا، عندما أقدم تحت ضغط شغف غامض بأهمية المكان في الكتابة، على ترجمة كتاب غاستون باشلار «شعرية الفضاء ،» المكتوب بالفرنسية، عن اللغة الإنجليزية بعنوان «جماليات المكان ». ومن ثم انطلقت «الجناية ،» حسب تعبيره، التي يبدو أنها لم تتوقف حتى الآن، حيث ظل مفهوم «الفضاء » يختلط بمفهوم «المكان »، رغم أن الفضاء غير والمكان غير. يصف نجمي هذه الجناية بأنها «من ذلك النوع الذي يمكن أن نسميه )الجريمة الرفيعة( في حق الحقل النقدي والأدبي العربي ». ويضيف أن ترجمة هلسا لذلك الكتاب قد «تميزت بضعف ملحوظ، ضعف كارثي في كثير من الجوانب، حيث هشاشة الإمساك بالمفاهيم والمصطلحات، مخاطر السقوط التي تستلزمها عادةً كل ترجمة، ذهاب مع عكس المقصود تماماً، وقفز على عبارات وجمل وكلمات ليس بالإمكان تجاوزها دون ارتكاب جنايات قصوى الى درجة أن المتتبع يستغرب كل سوء الفهم الذي جعل كاتباً عربياً )طليعياً( على هذه الدرجة من )الضحالة(، بل وجعل الناقد العربي عموماً حبيس هذا الضعف وهذا المنجز الرديء .»

إلى جانب سبب بهذا الثقل، يبدو الناقد العربي،لحسن نجمي، في عدد من الكتابات النقدية السائدة، غير مهتم بما يسميه: «فرق الهواء » القائم بين

الفضاء والمكان، بل ولم يهتم عموماً لأنه ناقد مستعجل، يكتب للصحف والمؤتمرات والاستهلاك العابر. لا ينتبه لأسئلة الوجود العربي ولاشكالياته

الفضائية، وقد يخطئ فيعدّها مجرد تفاصيل. لا يعمق القراءة ولا يفكر. إنه يكره التفكير العميق والاشتغال على المشاريع الفكرية. لا يتعب في

بناء فكرة. جاهز لجمع المعلومات والمسموعات. يوزع الألقاب والنعوت والصفات، وتتجاوزه الأفكار والتجارب والمعارف والخبرات. يتجاوزه الوقت. لكننا نرى أن نجمي يوزع الاتهامات هنا، جزافاً، على جميع النقاد العرب من دون استثناء، ويبدو وصفه لهم على هذا النحو بعيداً عن الموضوعية والدقة اللتين تتطلبهما روح البحث العلمي، فثمة نقاد عرب، داخل الوطن العربي وخارجه، يعشقون التفكير العميق والاشتغال على المشاريع الفكرية، وهم في طليعة المثقفين العرب الذين قدموا أفكاراً وتجارب ومعارف وخبرات للقرّاء والمبدعين على السواء.

يلوم نجمي، أيضاً، الخطاب النقدي العربي لكونه ظل، بسبب من تبعيته وذيليته للخطاب النقدي الغربي، متردداً في مقاربة حقيقية للفضاء الروائي،

متناسياً أن هذه المؤاخذة تنطبق عليه بالدرجة نفسها التي تنطبق على غيره من النقاد العرب، ذلك أن أغلب مقولاته ومفاهيمه ومصطلحاته التي

يستخدمها في هذه الدراسة مقتبس من الخطاب النقدي الغربي، أو كما يعترف بنفسه، مقتف آثاراً بلورتها جهود نقاد غربيين، فنظراً الى أن ما

أُنجز عربياً من مقاربات لمفهوم الفضاء محدود جداً، حسب رأيه، فإنه يعتمد على أثرين أساسيين لتشكيل أطروحته )الأط

الفضاء والمكان نقدياً: الجريمة الرفيعة
 
05-Feb-2009
 
العدد 62