العدد 62 - دولي
 

ستيفن غلين

معبر كارني هو الشريان الرئيسي للتجارة في غزة، فهو قادر على تمرير أكثر من ألف شاحنة يوميا. ولكن إسرائيل، عمدت، بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، إلى فرض عمليات تفتيش صارمة على الجانب الخاص بها من المعبر، وهو ما أدى إلى تخفيض حركة البضائع إلى حد الشح. وفي إطار مبادرة رعتها الولايات المتحدة في العام 2005 ، لتحسين الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وافقت إسرائيل على التخفيف من قبضتها المسيطرة على الطرق الفلسطينية والمعابر، في مقابل إدخال تحسينات، بتمويل أميركي، على أنظمة التفتيش وقوى الأمن الفلسطينية.

ما بين توقيع الاتفاقية وسيطرة حماس على غزة في حزيران/يونيو 2007 ، تمكن المتشددون في إسرائيل وحلفاؤهم في واشنطن من إفشال الصفقة. كيف فعلوا ذلك، سيكون موضوع حلقتين تاليتين، ما يوفر إطلالة على العقبات التي قد يواجهها الرئيس باراك أوباما إذا ما حاول العمل جديا على إقامة دولة فلسطينية عمادها اقتصاد قابل للحياة.

إفراييم سنيه، زعيم حركة إسرائيلية مؤيدة للسلام، ومساعد سابق لإسحق رابين، متعود على حالات الجفاف السياسي. فلم يكن مضى وقت طويل على مقتل رابين في العام 1995 ، حتى بادر إلى دفع إسرائيل والولايات المتحدة نحو دعم عملية سلام أوسلو من خلال الاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني، فقدم السفير الأميركي في إسرائيل، حينذاك، مارتن إنديك، وصناع سياسة أميركيون آخرون رفيعو المستوى، قائمة من سبعة مشاريع من شأنها أن تمنح المواطن الفلسطيني العادي نصيبه من السلام في المستقبل. وتتضمن هذه المشاريع مطارا جديدا في مخيم قلنديا للاجئين، وميناء في غزة ومحطات لتحلية المياه ومعبرا حديثا للشاحنات في كارني.

«إذا ما غيرتم الواقع الاقتصادي، يمكنكم تغيير الواقع السياسي، » قال سنيه للأميركيين. «بتحسين الاقتصاد الفلسطيني، يمكنكم مكافحة الإرهاب .»لم يصغ إليه أحد، ومر ما يقرب من عقد من السنوات وإسرائيل تغلق الطرق في الضفة الغربية وحصار غزة ينزع الدم من الاقتصاد الفلسطيني ويتركه شاحبا. كان سنيه على حق. وفيما بعد أوكلت لرجل القوات الخاصة والعميد السابق في الجيش مسؤولية الإشراف على الالتزامات الإسرائيلية في اتفاقية العبور والحركة، التي وقعت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2005 ، استجابة لضغوط كبيرة من وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الحين كوندوليزا رايس. وجوهر هذه الاتفاقية كان رؤية قدمها سنيه، الذي يجيد التحدث بالعربية، فهو الحاكم العسكري السابق للضفة الغربية. كان سنيه قد أنضج تجربته على مدى سنوات طويلة: تطوير كارني والمعابر الفلسطينية الأخرى بحيث تصبح مراكز تجارية آمنة وكفؤة.

لقد وضعت الاتفاقية أهدافا طموحة للتحقيق، وبخاصة فيما يتعلق بمعبر كارني. إذ يحصل الفلسطينيون على عشرات الملايين من الدولارات لتدريب حرس الحدود، وبناء طرق جديدة وتركيب أنظمة للأمن وللرواتب، فيما يحصل الإسرائيليون على 12 مليون دولار مقابل معدات رقابة ومسح متطورة. ومع نهاية شهر كانون الأول/يناير 2006 ، وبحسب الاتفاقية، كان يمكن إدخال 1200 شاحنة يوميا، ثلثها يحمل بضائع فلسطينية الصنع للبيع في الخارج، وهو مصدر أساسي للعملات الخارجية إلى قطاع غزة المفقر.

وسرعان ما تعثر المشروع على خلفية نزاع بين إسرائيل ووكالة التنمية الدولية الأميركية حول معدات المسح. فبسبب المواعيد المضغوطة التي ق ررت في الاتفاقية – كان الموعد النهائي لتركيب الماسحات هو 31 كانون الأول/ديسمبر 2005- تقرر أن تقوم وكالة التنمية الدولية أولا بتأجير أنظمة المراقبة، وتشتري أجهزة جديدة فيما بعد. وقد وقعت اتفاقيات التأجير في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، وبعد أسابيع قليلة شحنت الماسحات جوا من أوروبا إلى تل أبيب على طائرات روسية من طراز أنطونوف 225 ، وهي أضخم طائرات الشحن الجوي، بكلفة ناهزت ن نصف مليون دولار. مثل هذه الاتفاقية المعقدة كانت ضرورية، كما يقول تقرير أعدته وكالة التنمية الدولية في كانون الأول/ديسمبر 2006 ، وذلك نظرا لحجم المعدات والطابع الملح للوضع. وما إن سلمت الماسحات، حتى قدم عدد من الأجهزة البيروقراطية الإسرائيلية – من

وزارة الدفاع إلى سلطة المطارات الإسرائيلية – قائمة بمطالب للتعديل والتغيير من شأنها أن تكلف الحكومة الأميركية نحو ستة ملايين دولار. وبحسب أحد المسؤولين العاملين مع شركة كيمونيك المكلفة بالتنفيذ من جانب وكالة التنمية الدولية، فإن القائمة راوحت بين ما هو مهم – مثلا، كانت إسرائيل تريد للماسحة أن تقوم بمسح ثالث شاحنات في المرة الواحدة، وهو ما يستدعي إدخال تحديثات واسعة وبرامج جديدة – إلى ما هو

تافه، مثل الطلب بأن تبدل مقابض الأبواب المصنوعة من النيكل في الغرف التي توضع فيها الماسحات، بأخرى من النحاس. وقد استغرقت الاستجابة للشروط الإسرائيلية ستة أشهر، حتى بعد أن تم خفضها من جانب وكالة التنمية الأميركية.

وتشير قراءة متأنية لتقرير وكالة التنمية إلى أن إسرائيل كانت تحاول تخريب الاتفاقية بتأخير تركيب الماسحات. «كان معظم أعمال التحديث يتطلب تعديلات تقنية كبيرة لمرات عديدة، وقد أخر ذلك أو قطع عملية نشر المعدات والعمليات في العديد من المواقع، »

يقول التقرير. «هذه المبادرات، التي قد تكون مبررة في سياق مخاوف )وزارة الدفاع(، فهمت من جانب المزود بوصفها كثيرة ولا

لزوم لها بالنسبة لمعدات مؤجرة .» بحلول كانون الثاني/يناير 2006 ، بدأت وكالة التنمية الأميركية التفاوض حول شراء الماسحات الجديدة. وقد أبدت خمس شركات اهتمامها بالمشروع، ولكنها جميعا، تقريبا، اشتكت من سلسلة من القيود التي فرضتها إسرائيل. وقالت الشركات إن الجانب

الإسرائيلي كان يطالب بتكنولوجيا تصنع من نقطة الصفر، لأنه كان يريد نظاما هو الآن قيد الإنتاج مع سجل في الأداء مدته عامان. كما أنه أصر على أن تكون له أغلبية المقاعد في لجنة تقييم الماسحات مقابل المقعد الواحد، كما هي العادة، وتمثيل لطرف ثالث، كما أراد أن تنتهي عملية التقييم خلال 90 دقيقة بدلا من الأسابيع الثلاثة الاعتيادية في مثل هذه الحالات. هذه الشروط وغيرها كان من شأنها تأخير نشر الماسحات الجديدة شهرين على الأقل، وفقا لوكالة التنمية الأميركية. حين شعرت الشركات المتقدمة للمناقصات بالإحباط وهددت بالانسحاب من المفاوضات، قامت وكالة التنمية بالتوقيع من جانب واحد مع شركة «أيه إس أند إي » وهي شركة صينية أميركية، وهو ما أغضب مسؤولا إسرائيليا رفيعا فقدم احتجاجا

رسميا للسفارة الأميركية يشتكي فيه من أن عمل وكالة التنمية الاستباقي قد هدد الأمن الإسرائيلي. كانت وكالة التنمية الأميركية عند ذلك قد تلقت تعليمات بضرورة كتابة رسالة لوزارة الدفاع تعيد فيها التشديد على مركزية مخاوفها الأمنية، ولكن العقد وقع. وقد حل الخلاف على الماسحات، رغم أن الطلبات الإسرائيلية بالتحديث ستؤخر نشرها بالكامل شهورا عدة. وفي النتيجة، تبقى حركة عبور الشاحنات من كارني قليلة لا تتعدى مئات منها يوميا. ولكن بعد انتصار حماس في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني/ يناير 2006 ، لم يعد الأمر مهما. وقبل أن يدلى بأول صوت بكثير، كان حلفاء إسرائيل في واشنطن يتنادون من أجل محاصرة فلسطين.

خطة لتفعيل معبر كارني أفشلتها إسرائيل ووأدها فوز حماس في الانتخابات (1-2)
 
05-Feb-2009
 
العدد 62