العدد 62 - بلا حدود | ||||||||||||||
هدى ونادين من نساء عمّان اللواتي درسن في واحدة من أهم المدارس الثانوية في عمان «البكالوريا»، وتخرجن في أرقى الجامعات البريطانية والأميركية. هدى ونادين ومعهما آية أبوحسان أمام الكاميرا وعشر فتيات أخريات خلف الشاشة، كن أطلقن، كمجموعة نساء عربيات، خلال حملة التضامن مع غزة، مبادرة متميزة في مخاطبة طلبة الجامعات والشباب بعامة في الغرب للتعريف بنتائج العدوان الإسرائيلي ومعاناة أهل غزة، باستخدام «اليوتيوب» من خلال موقع إلكتروني أنشأنه تحت اسم «أصوات من أجل فلسطين» VOICES FOR PALESTINE . من هنا كانت فكرة اللقاء مع اثنتين من صاحبات هذه المبادرة، للحوار معهما كنموذج إنساني عن همومهما كنساء، وناشطات في العمل التنموي.
«السّجل»: من أين جاءت فكرة المبادرة لاستخدام «اليوتيوب» من أجل نصرة غزة؟ - هدى: فكرة المبادرة جاءت عندما رأينا الإسرائيليين يستخدمون عنفاً غير مسبوق ضد أهل غزة. وعندما لاحظنا التغطية الإعلامية الغربية المنحازة لإسرائيل. هذا أشعرنا في بداية الأمر بالإحباط، لكن عندما نظرنا إلى الناس كيف تصمد أمام جحيم الطائرات والقصف الإسرائيلي، قررنا أن لا نيأس، وفكرنا أن نعمل عملاً مفيداً، وأن نسمع صوتنا إلى العالم. صوتنا الذي يحاول من خلال الاتصال مع الآخر أن يعرّف بحقيقة ما اقترفه الإسرائيليون ويكشف زيف الإعلام الغربي. «السّجل»: من أنتن وممن تتشكل مجموعتكن؟ - هدى: نحن مجموعة من الأردنيين من أصول وديانات متنوعة، أتيح لنا الدراسة في الخارج، واستطعنا المساهمة في العمل التنموي. بدأنا في الأساس كنساء، ولكن انضم إلينا بعد ذلك رجال يحملون الآراء والأهداف التي لدينا. مبادرتنا تحركت على خطين متوازيين: واحد موجه للغرب، وآخر يرمي إلى تفعيل دور الشباب، وإلى زيادة إحساس الناس بالمسؤولية تجاه ما يجري. نحن جيل يشعر بالاغتراب، ففي الخارج نحن أجانب، وهنا نحن في غربة. لكن هذا لا يعني أننا لسنا جزءاً من الأردن، فلسنا أقل وطنية من أي كان. - نادين: عندما أقول «نحن» أقصد نحن المحظوظين الذين أتيحت لنا الفرصة أن نتعلم في مدارس خاصة وجامعات أجنبية، فصار لدينا إطلاع على الحضارات الأخرى. بدأنا كنساء، لأن فكرة الغرب عن النساء عندنا مشوهة، والصورة النمطية عن المرأة العربية هي أنها امرأة تجلس في البيت وحولها عدد كبير من الأطفال. أردنا إبراز صورة أخرى، وإظهار أن المرأة العربية قادرة على الفعل والتأثير. «السّجل»: ما الذي يجعلكن تشعرن بالاغتراب؟ هل لذلك علاقة بكونكن نساء؟ - هدى: اللغة هي أحد العوامل، فالتعليم الذي تلقيناه كان باللغة الإنجليزية، وهذا جاء على حساب القدرة على التعبير والتواصل مع آخرين باللغة العربية. - نادين: اللغة شكلت عقبة أمام الاندماج في المجتمع. ولكن طبعاً هناك مشكلة في النظرة للمرأة. عندما عدت إلى البلد واشتغلت في وزارة المياه والري، كان مدير المشروع أميركي، ولم يكن الموظفون يستطيعون التفاهم معه بسبب اللغة، فكنت أقوم بعملية الاتصال بين الطرفين، لكن لم يكن الرجال يسلّمون علي أو يوجهون الكلام لي، ورغم أنني كنت مسؤولة، كانوا يفضلون توجيه الكلام للمدير الذي لا يستطيعون التفاهم معه. اكتشفت لاحقاً أن مناخ العلاقات في القطاع الخاص أفضل من القطاع العام. «السّجل»: هل هذه تجربتكم الأولى في العمل الجماعي؟ - نادين: كان لدينا مبادرات في الخارج، ولكنها المرة الأولى في الأردن. من منطلق تجربتنا الشخصية نفكر، بمنظور مستقبلي، أن نتوجه إلى المدارس الخاصة، لأن طلبتها في عزلة عما يجري في العالم، وحتى عن المجتمع الأردني الكبير، واهتماماتهم لا علاقة لها بالقضايا العامة التي تواجهها بلادنا والمنطقة. - هدى: كلنا جزء من نظام عام لا يدربنا ولا يشجعنا على إطلاق مبادرات. في البداية كنا متخوفين من ردود الأفعال. نحن مترددون إزاء موضوع السياسة، لكن أنا أؤمن بالتعبئة، ويهمني أن تكون التعبئة إيجابية، كي يكون هناك تفاعل مع الأشخاص الذين نتوجه إليهم في الغرب، أو الشبيبة الذين نسعى إلى تفعيل دورهم هنا. «السّجل»: عودة إلى قضية المرأة، هل لديكن رغبة في المواجهة أم أنكن تقبلن بالتصرف الفوقي للرجل؟ - هدى: لسنا متقبلات للوضع، ومن هنا جاءت المبادرة لأن التغيير يأتي أساساً من النساء. لكن المبادرة لم تكن من أجل المرأة وإنما هي مبادرة إنسانية. - نادين: أوافق هدى، وبناء على ذلك أطلقنا المبادرة لأن لدينا الإحساس بأننا الأقدر على التواصل مع الغرب، حيث أننا نتحدث لغتهم ونستخدم أسلوبهم في التواصل. ثم أنهم في الغرب يمكن أن يؤثروا على حكوماتهم. «السّجل»: هل لديكن نية للانخراط في الحياة السياسية الداخلية؟ - هدى: في الوضع الحالي، لا نريد أن تكون لنا علاقة، لقد انتخبت مرتين أشخاصاً اقتنعت بهم، ولكن لم أر نتيجة أو تغييراً. أريد أن أشعر أن هناك من يمثلني وأثق بقراراته. إذا لم نجد من يمثلنا علينا أن نمثل نحن أنفسنا. فالبرلمان لا يمثلني، ولا يمثل نادين. لكن إذا نشأ حزب يمثلني، فلا مانع لدي من الانتساب إليه. وهذا الحزب أريده تنموياً اجتماعياً، هدفه تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحد من الفجوة بين الفقير والغني، على أن لا يكون عشائرياً. - نادين: الوضع الحالي محبط، يعطي الانطباع بأن التغيير صعب. لذلك من المهم أن يبدأ التغيير على الأقل من الجيل الصغير في المدرسة. فما يجري في النظام التعليمي كله أوامر، وحفظ، بينما يجب أن تعطى الفرصة لهذا الجيل لأن يتكلم ويعبر عن نفسه ويتعلم المشاركة. «السّجل»: ماذا غير غزة يمكن أن يجعلكن تتحركن؟ هل أنتن معنيات بحياة عامة أكثر فعالية، وبخاصة أن الاغتراب ليس سببه فقط اللغة، فهناك مشكلة القيم؟. - نادين: نحن تربينا في بيئة لم نشعر معها بأننا مقموعون. لكننا نحب أن نكون ناشطات من أجل التغيير. فلا أستطيع أن أتقبل التجهيل وعدم الاكتراث بالذي يحدث حولنا. - هدى: أريد التركيز على موضوع المشاكل التي تعاني منها المرأة على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والدينية، حيث يجب أن نجد الحلول التي تتيح للمرأة أن تصبح مواطنة منتجة وقادرة على تغيير واقعها الاجتماعي. «السّجل»: أنتن ناشطات من أجل التغيير، فما الذين ترغبن في تغييره، بخاصة على صعيد القيم؟ - هدى: أنا في حقيقة الأمر أؤمن بقيم الحرية؛ حرية الرأي والتعبير والفكر والإيمان وحرية الاختلاف بالرأي. هذه القيم هي محرك أساسي نحو التغيير المنشود. - نادين: على المجتمع أن يغير نظرته للمرأة، وعلى المرأة أن تمكن نفسها لتشارك في عملية التغيير على قدم المساواة. «السّجل»: كيف يمكن أن تنشطن في الحياة العامة من أجل التغيير؟ - نادين: يمكن ذلك من خلال خلق تيار أفقي واسع مدرك لكافة حقوقه الأساسية ولديه الاستعداد للدفاع عنها وإعلاء شأنها في المجتمع. - هدى: ما نريده هو أن نُسمع أصواتنا، فنحن لا نشعر أن هناك صوتاً يمثلنا. لذلك لجأنا إلى منهج جديد لإيصال صوتنا إلى المجتمع المحلي والغربي. «السّجل»: هل ساهمت المبادرة في إعادة اكتشافكن لذاتكن؟. - نادين: التعليقات التي كانت تأتي على الأفلام، كانت تبدي الاستغراب من وجود نساء عربيات يفعلن ذلك. نحن شعرنا بقوتنا ولم نعد مقتنعات بأن هناك ما يمكن أن يوقفنا، لهذا خططنا لأنشطة أخرى لمزيد من التفاعل والمشاركة. وبتنا مقتنعات أن التغيير ممكن، وإن خطوة خطوة. |
|
|||||||||||||