العدد 61 - أردني
 

مهند صالح

صلاة الاستسقاء تعريفاً هي: "اللجوء إلى الله إذا غارت المياه الجوفية وتأخر المطر، فلا علاج حينئذ إلا بإعلان التوبة والاستغفار، وإقامة الصلاة". هذا ما

يذكره الشيخ حيدر الصافح في موقعه على الشبكة الإلكترونية، ففي فصل الشتاء من أي عام ينحبس فيه المطر، وهو كثيرا ما ينحبس بسبب الطبيعة الصحراوية الغالبة على البلدان العربية، تقام صلاة الاستسقاء التي يبتهل فيها المصلون إلى الله داعين أن ينزل لهم الغيث ويهبهم المطر الغزير والخير العميم.

ويرى حسام عفانه، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين، أن صلاة الاستسقاء "سنة مؤكدة "، وأن مشروعيتها ثبتت بسنة الرسول عند قلة الأمطار وانحباسها، فلا بد للناس أن يبادروا إلى التوبة والاستغفار مصداقا لقوله تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً".

وصلاة الاستسقاء ركعتان تصلى جماعة خارج البلد، وهو الأفضل، كما يقول عفانة، من دون آذان ولا إقامة، كما في صلاة العيدين"، ويستحب رفع اليدين، كما يفضل قلب الرداء وتحويله تفاؤلا بتغيير الحال من القحط إلى الرخاء، ويحول الرجال فقط أرديتهم وهم جلوس، فمثلا من كان يلبس عباءة يقلبها على ظهره بأن يجعل أعلاها أسفلها، وتكون القراءة في الصلاة جهرية". أما النساء اللواتي يحق لهن حضور صلاة الاستسقاء، ولكن في مكان خاص بهن بعيداً عن الرجال، فلا يحق لهن تحويل أرديتهن، لأن جسم المرأة عورة، كما يقول.

وترتبط بصلاة الاستسقاء صلاة " استسقاء النصر "، وهي الصلاة التي تخرج فيها الأمة طالبة النصر على الأعداء، كما فعل النبي محمد حين قال له وفد من بني فزارة: "يا رسول الله، ادع لنا ربك أن يغيثنا "، فرفع يديه، وكان مما دعا به "اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الأعداء".

وما زالت في الذاكرة صلاة استسقاء النصر التي أقيمت في شتاء العام 1991 / 1990 ، في أثناء أزمة الخليج التي نشبت مع اجتياح النظام العراقي السابق للكويت في آب/أغسطس من العام المذكور، وفي الفترة نفسها، أقيمت صلاة الاستسقاء أيضا، فقد شهد ذلك الشتاء انحباسا في المطر، ما استدعى إقامة صلاة الاستسقاء إلى جانب صلاة استسقاء النصر.

ومن المعروف أن صلاة الاستسقاء في المملكة تقام في ساحات عامة تحددها مديريات وزارة الأوقاف لهذه الغاية. وعلى أي حال، فليس المسلمون وحدهم من يقيمون صلاة الاستسقاء إذا انحبس المطر، المسيحيون يقيمونها أيضا، وبحسب الموسوعة المسيحية، فإن هنالك ترتيلا خاصا بالاستسقاء يرتل في الكنيسة في حالة انقطاع المطر: "اللهم يا من فيه حياتنا وحركاتنا ووجودنا، جُد على أرضنا بالغيث العميم، حتَّى إذا رزقت الإنسان خَيرة كفافِه، تاقَ إلى الخيرات الأبدية واثقاً مطمَئناً. بالمسيح ربنا".

لكن صلاة الاستسقاء، ليست الملجأ الوحيد للناس عند انحباس المطر، فهنالك أشكال أخرى تبتكرها البديهة الشعبية للناس إذا ما عز المطر وجف الزرع

والضرع، كان أهل القرى يزودون الأطفال بأوعية الشرب والطهي ويطلقونهم في الشوارع وهم ينشدون بأصواتهم الغضة أغاني يطلبون فيها الغيث، انطلاقا من أن براءة الأطفال ونقاء سريرتهم، لا بد أن تشفع لهم في السماء التي لا بد أن تستجيب.

يا ربي وربنا

إحنا الزغار ويش ذنبنا

الذنب كلو ع الكبار

هللي اطلعن سعر الزغار.

وتستذكر الحاجة أم صالح حزين كيف أن أطفال بلدتها عين كارم، كانوا يخرجون عند انحباس المطر ويرددون وهم يمدون الأوعية نحو السماء:

يا ربي مطر مطر... تانسقي هذا الشجر

ياربي نقطة نقطة... تانسقي حلق القطة

ياربي هالرشاشي... تانسقي هالجحاشي

يارب المطر والسيل... تانسقي البقر والخيل.

أو :

هاي مبوا ياسما... خبز يقرقش عالرمى

هاي مبوا ياربي... خبز يقرقش في عبي.

وإن لم تفلح الصلوات وأغاني الأطفال في استدرار المطر، كانت نساء القرية كبارا وصغارا يخرجن إلى ساحة القرية "للتغيّث "، ومعهن ديك يضربنه وهن

ينشدن أغانيهن المستجدية للمطر، فإذا صاح الديك )من شدة الضرب(، اعتبرنها إشارة إلى أنه سيطلب المطر وأن طلبه سوف يجاب. وكانت النساء ينشدن:

يا الله الغيث يا دايم

تسقي زرعنا النايم

تسقي زريع هالبد

يللي للكرم دايم

يا الله الغيث يا ربي

تسقي زرعنا الغربي

تسقي زريع هالبد

يللي للكرم دايم

يا ربي بلّو بلّو

وتبل زريعنا كلو

تبل زريع هالبد

عمنّو للكرم دايم.

قد يأتي المطر وقد لا يأتي، استجابة لصلاة الاستسقاء أو استجابة لغناء الأطفال وأناشيدهم، ففي النهاية سوف يذهب موسم جفاف وقد يأتي موسم آخر جيد، ولكن طقوس الاستسقاء ستبقى على مر السنين.

انحباس المطر: يستسقيه الناس صلاة والأطفال غناءً
 
29-Jan-2009
 
العدد 61