العدد 61 - اقتصادي | ||||||||||||||
محمد علاونة في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات واجه الأردن صعوبات اقتصادية حادة، فهبطت معدلات النمو، وانخفضت قيمة الدينار، وخوت خزينة الدولة التي كانت حتى ذلك الوقت عامرة، ولم يعد لدى البنك المركزي من العملات الصعبة إلا القليل. بدأ ذلك كله قبل أزمة الخليج الثانية عندما اجتاح العراق الكويت، وحين نشبت حرب تحرير الكويت جاءت لتضيف مصاعب أخرى تمثلت في فقد السوق العراقية، والتعرض لحصار اقتصادي خليجي عقابا للأردن الذي اعتبر موقفه مؤيدا للعراق آنذاك. ففي العام 1990 اجتاح العراق الكويت، برزت خلافات بينه وبين دول الاتحاد الأوروبي، وعاش الأردن في عزلة وشبه مقاطعة من دول الخليج، فخسر جزءا كبيرا من المساعدات وتعرض لضغوط دولية تزامنت مع أزمة عاشها الأردن في العام 1989 - 1991 ، عندما انهار الدينار الأردني الذي فقد أكثر من نصف قيمته أمام العملات العالمية الرئيسية. لكن الأردن ما لبث أن تجاوز ذلك، خلال سنوات قليلة، وذلك من خلال تطبيق برنامج للتصحيح الاقتصادي الذي كان قد بدأ تطبيقه مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قبيل الحرب، ولكنه أوقف بسببها، قبل أن يعود إلى التطبيق في العام 1992 . حيث نفذ على مدى عقد ونصف العقد من الزمن فهو استمر حتى العام 2004 ، وقد ساعد البرنامج على: زيادة الاحتياطيات النقدية وتحقيق معدلات نمو مرتفعة فاقت معدلات النمو السكاني، مقابل نمو سلبي العام 1989 . وهذا ما جعل نائب رئيس الوزراء السابق جواد العناني يقول إن المعطيات آنذاك كانت أقوى من أزمة 2008 . بيد أن نائب رئيس الوزراء السابق محمد الحلايقة، يرى بأن الفرق الاقتصادية لطالما كانت موجودة في الحكومات متمثلة بوزراء الصناعة والتجارة والمالية والتخطيط، إضافة إلى محافظ البنك المركزي، وهم تلقائيا يشكلون فريقا اقتصاديا حكوميا يتعامل مع القضايا الحالية والمستقبلية. الآن، كما يرى العناني، لا توجد خطة واضحة المعالم، مع أن المعطيات التي تعامل معها الأردن في التسعينيات كانت أكبر من الأزمة المالية العالمية الحالية. فهو يؤكد أنه مع التطور السريع في اقتصاديات الدول هنالك ما يسمى "Decision Support Unit"، أي وحدة دعم القرار، وتشكيل مثل هذه الوحدةحاجة ملحة في الوقت الحالي لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية والانعكاسات المتوقعة منها في العام الجاري. وشرح العناني عمل تلك الوحدة بقوله إنها تقوم بالقراءة المستقبلية لأي قرار اقتصادي ودرسها للآثار المحتملة الناتجة عن تلك القرارات، حيث إنها تكون مسلحة بالبيانات والإحصاءات المطلوبة. ويتفق الحلايقة مع العناني بوجوب وجود فريق اقتصادي يدرس انعكاسات الأزمة المالية العالمية، التي قد تخلف تحديات اقتصادية ومالية، سواء من خلال تراجع حوالات العاملين الأردنيين في الخارج أو دعم مشاريع يمكن أن تتأثر بشح السيولة. ومع عدم دعوته مجددا إلى برامج اقتصادية ممزوجة بسياسات مؤسسات عالمية، يرى العناني أن تجربة التصحيح الاقتصادي كانت ناجحة بسبب وضوح الخطط، والجهود التي بذلت من قبل منفذيها. الإنجازات الاقتصادية خلال التسعينيات تحققت رغم حدة التوترات السياسية على الصعيدين الإقليمي والعالمي وانعكاساتها السلبية على اقتصاديات معظم دول المنطقة. وفي صورة أو أخرى، فإن الحال الراهن الذي تعيش فيه القضية الفلسطينية واحدة من أخطر تحدياتها ممثلة في أحداث غزة الأخيرة، وبروز الأزمة المالية العالمية التي بدأت بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية منتصف شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي يعيد إلى الأذهان تلك الأيام العصيبة. الحكومات الأردنية السابقة، وتحديدا منذ حكومة عبد الرؤوف الروابدة التي تم تكليفه بتشكيلها في آذار/مارس العام 1999 وحتى الحكومة الحالية، غيّبت وجود فريق اقتصادي متخصص يضع استراتيجيات طويلة الأمد للاقتصاد الأردني، ويقوم في الوقت نفسه بدور إنذار مبكر لمواجهة تحديات جديدة محلية وعالمية. لكن الحلايقة يذكر بما أعلنه أخيرا رئيس الوزراء نادر الذهبي عن تشكيل لجنة وزارية خاصة بدراسة الأزمة المالية العالمية وأثرها على الاقتصاد الوطني. وقد ردت الحكومة تشكيل اللجنة إلى متابعة المستجدات والتعامل مع كل المتغيرات بمرونة تامة وليس لإدارة أزمة مالية، باعتبار أن مثل هذه الأزمة المالية غير موجودة في الأردن. وقد أدى غياب خطة اقتصادية مسبقة، إلى الارتفاع غير المسبوق في أسعار السلع الغذائية خلال العام 2008 ، ويكشف نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق، الذي يمثل قطاعا معنيا بشريحة واسعة من التجار الذين تعاملوا مع تلك الأزمة، عن مطالبة القطاع بتشكيل مجلس أمن غذائي لمواجهة التحديات المذكورة وتحديات أخرى مستجدة، لكن الحكومة بقيت متفرجة على ما يحدث في الأسواق، وحتى الآن لم تعد أسعار كثيرمن السلع إلى مستوياتها السابقة، رغم الانخفاض الذي شهدته عالميا سلع جاهزة أو مدخلات إنتاج في الشهرين الأخيرين من العام الماضي. العناني يرى الآن وجود تربة خصبة وعوامل يمكن أن تساعد على الوقوف في مواجهة أي احتمالات سالبة خلال العام الجاري، حيث إن معدلات النمو تتجاوز 6 في المئة، واحتياطيات البنك المركزي من العملات الصعبة عند مستويات جيدة، مع انخفاض في معدلات الفقر والبطالة لمستويات 14 و 13 في المئة لكل منهما على التوالي، وبالتالي فإن تلك المعطيات ستساهم في مواجهة تحديات العام 2009 ، وذلك بعكس ما كانت المؤشرات الاقتصادية تقوله خلال التسعينيات. من بين أسباب إجهاض تشكل فريق وزاري اقتصادي، اختلاف الآراء باتجاه القرارات الاقتصادية ما بين الأعضاء من جهة، وبينهم والرئيس من جهة أخرى، وهو ما بدا واضحا عندما قرر مجلس الوزراء برئاسة معروف البخيت في أغسطس/آب من العام الماضي، عدم رفع أسعار المحروقات، وهو قرار كلف الحكومة وزير ماليتها الدكتور زياد فريز الذي استقال احتجاجا على القرار الذي اعتبر أنه سيؤدي إلى استمرار تفاقم عجز الموازنة. لكن العناني اعتبر أن الاختلاف في وجهات النظر أمر ايجابي، مع تأكيده بعدم وجوب فصل ما بين واضعي السياسات والتصورات الاقتصادية ومنفذيها، في إشارة منه لضرورة وجود مرجعية اقتصادية تتخذ القرار بناء على وجود فريق مواز من الباحثين والمختصين من البنك المركزي ووزارة التخطيط يعملون بجانب ذلك الفريق الوزاري. |
|
|||||||||||||