العدد 61 - أردني
 

منصور المعلا

وسط إجماع أكاديمي على تراجع غير مسبوق في مخرجات التعليم العالي وصلت

إلى وصفها بأنها "تحتضر"، انتزع مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية المركز الثاني بين أفضل خمسة مراكز في آسيا وشمال إفريقيا،

وفق دراسة أجراها برنامج العلاقات الدولية بجامعة بنسلفانيا )فيلادلفيا( الأميركية.

التوصيف باحتضار التعليم العالمي، يتعارض مع نتائج الدراسة التي شملت 218 مركزا من أذربيجان إلى المغرب، إذ أثبت المركز الفتيّ تفوقّه على مراكز أبحاث

مماثلة، بخاصة في إسرائيل، رغم شح التمويل والظروف الموضوعية المحيطة بالبحث العلمي. مساهمة الجامعة الأردنية تقتصر على دفع رواتب الأكاديميين العاملين في المركز، بخلاف ميزانيات ضخمة تحصل عليها معاهد عالمية، مثل "بروكنغز" المخصص له 61 مليون دولار، ومؤسسة راند ) 251 مليون دولار(، ومؤسسة كارنيجي لأبحاث السلام الدولي 22 مليونا.

"سياسة الإيفاد الصارمة" لكوادره إلى أرقى الجامعات العالمية لنيل شهادة الدكتوراه كانت "إكسير النجاح "، حسبما يُجمع باحثون، من قبيل المديرة التنفيذية لمبادرة الإصلاح العربي بسمة قضماني، والأكاديمي الفلسطيني خليل الشقاقي، والأكاديمية البريطانية وروز ميري هوليس، وأيضا عبد المنعم سعيد، رئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، الذي حلّ في المرتبة الأولى على مستوى الإقليم.

في بداية عقد التسعينيات وضعت إدارة المركز خطة لإيفاد باحثين إلى الخارج،

وإعدادهم لممارسة عملهم في المركز عند عودتهم. احتل مركز إسرائيلي المرتبة الثالثة، فيما حل مركز الخليج للأبحاث )دبي( بالمركز الرابع، وجاء خامساً مركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية والأبحاث.

يعمل في مركز الدراسات الإستراتيجية نخبة من أفضل الباحثين في الإقليم، منهم مديره نوّاف التل، ومديره السابق إبراهيم سيف، فضلا عن فارس بريزات، محمد المصري ومحجوب الزويري ومصطفى الحمارنة.

ثلاثة من الباحثين يتابعون الآن دراسات عليا لنيل الدكتوراه هم: سارة عبابنة، وليد الخطيب ورلى عواد.

رئيس الجامعة الهاشمية عبد الرحيم الحنيطي، يرى أن الإنجاز الذي حققه المركز، "ينبع من المساهمة التراكمية للباحثين على مدار ثلاثة عقود، في الوقت

الذي يسعى المركز فيه إلى العالمية، مع توافر مساحة شاسعة من الحرية والتوثيق

والتدقيق ." الحنيطي، الرئيس السابق للجامعة الأردنية التي يقع المركز داخل حرمها، أعرب عن أمله في أن "تنطلق المراكز الأخرى في الجامعات الأردنية عالمياً، على غرار مركز الدراسات الإستراتيجية ".

من جهته، يرى رئيس الحكومة الأسبق والرئيس الأول لمجلس أمناء المركز، عبد

السلام المجالي، أن "حيادية المركز أكسبته سمعة عالمية ." الأكاديمي البارز، ورئيس جامعة آل البيت الأسبق عدنان البخيت، يتفق مع سابقيه، ويضيف: "المركز يقوم على الإبداع والجرأة والتقدم نحو المستقبل، ولا يصاب بالرعب،

ويبحث عن الحقيقة، وينتمي لها، ويرفع مشعلها ".

منذ إنشائه في العام 1984 ، تمدد مركز الدراسات الإستراتيجية في الإقليم وعلى

المسرح العالمي، فبات عضواً مؤسساً في العديد من شبكات دولية وعربية مرموقة، كما دخل عضواً في شبكات أخرى. محلياً، أدخل المركز استطلاع الرأي كأداة مهمة من أدوات المعرفة في الأردن، وأجرى العديد من المسوح واستطلاعات الرأي في المجالات السياسية ابتداء من العام 1993 .

المركز استفاد من أجواء الانفراج الديمقراطي في البلاد منذ العام 1989 ، فاقتحم مجال البحث قضايا حسّاسة كان لا يمكن الخوض فيها سابقاً، مثل العلاقة الأردنية الفلسطينية داخلياً وخارجياً.

من بين علاماته الفارقة، دراسة البطالة والعمالة الأولى في العام 1996 ، والأخرى في العام 2001 ، والتي تعد إلى اليوم مرجعاً أساسياً لأي باحث في هذا المجال. كذلك أصدر مجموعة دراسات حول معوقات الاستثمار، وإحلال العمالة المحلية محل الوافدة.

ونشر المركز أول مقترح من أجل تعديل قانون الانتخاب )قانون الصوت الواحد( في منتصف التسعينيات، بعد عامين من اعتماد القانون المثير للجدل، كما وضع دراسات مهمّة، مثل: "معان.. أزمة مفتوحة" و"البلديات ".

وفي مجال العلاقة مع الغرب، أثبتت دراسة أعدها المركز أن العداء للغرب نابع

من انحياز أميركا والغرب عموماً إلى إسرائيل في صراعها مع العالم العربي،

وليس كما روّج المحافظون الجدد من أن العداء يستهدف القيم الغربية. كما أصدر المركز دراسات في الشأن الإيراني، وتمكن أخيراً من نشر دراسة حول الأمن الوطني.

على أن مسيرة مركز الدراسات الإستراتيجية لم تكن دائماً سلسة. إذ تعرّض مراراً لهجوم شديد وتشكيك من بعض كتاب الأعمدة في الصحف المحلية، على خلفية استطلاعات الرأي التي كان يجريها. كما شابت علاقة المركز خلال فترات حالة من التوتر مع أكثر من حكومة. ووصلت الصراعات ذروتها بإقالة مدير المركز آنذاك مصطفى الحمارنة في العام 1999 بتدخل مباشر من الثنائي رئيس الحكومة في وقتها عبد الرؤوف الروابدة، ومدبر المخابرات الأسبق سميح البطيخي، لكنّ الحمارنة عاد إلى موقعه في العام التالي بإرادة ملكية.

وفي العام 2003 ، سعى رئيس الحكومة علي أبو الراغب لإقالة المدير ذاته، إلا أن تدخل الملك دفع أبو الراغب للعدول عن قراره.

كان وزير الخارجية الأسبق كامل أبو جابر أول مدير لمركز الدراسات الإستراتيجية، أعقبه صالح الزعبي، ثم عدنان البخيت. بعد ذلك مر المركز بمرحلة انتقالية تولى إدارته بعدها مصطفى الحمارنة، ثم إبراهيم سيف، وأخيراً نواف التل.

رئيس الوزراء الأسبق عبد السلام المجالي كان أول رئيس مجلس أمناء لمركز الدراسات الإستراتيجية، وهو منصب يناط عادة برئيس الجامعة الأردنية. جاء بعده فوزي غرايبة، ثم وليد المعاني، فعبد الله الموسى، والحنيطي، وأخيراً الرئيس الحالي.

الدراسة الأميركية، التي اختارت المركز الأردني ثانياً في المنطقة، أشرف عليها

جيمس ماكغان مدير برنامج مراكز الدراسات والمجتمع المدني في جامعة بنسلفانيا.

وارتكزت الدراسة إلى معايير، أهمها مدى نمو مراكز الدراسات من حيث العدد والقدرة على الإنجاز والتأثير وفق عدد من العوامل، منها العلاقة الطردية بين ازدياد عددها وانتشار الديمقراطية في العالم وتوافر التمويل اللازم. معدل عدد المراكز الجديدة ارتفع إلى نحو 120 سنويا بين العامين 1989 – 2000 ، وهي فترة تحول الكثير من الدول إلى النظام السياسي الديمقراطي في أوروبا الشرقية، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية، وآسيا.

بين العوامل الأخرى المؤثرة في انجازها ونموها، بحسب الدراسة، قدرة المؤسسات البحثية على الاحتفاظ برأس المال البشري المؤهل والمنافس، واستقطاب كفاءات بحثية جديدة.

"مركز الدراسات الاستراتيجية" الثاني على مستوى الإقليم الإيفاد نقطة مضيئة وسط محبطات التعليم العالي
 
29-Jan-2009
 
العدد 61