العدد 61 - أردني | ||||||||||||||
سامر خير أحمد
تدرك الحكومة أن قانون الاجتماعات العامة الحالي، يعيق حرية التعبير. هذا ما تدل عليه تصريحات وزير الداخلية، عيد الفايز، التي نشرتها "العرب اليوم"، بتاريخ 25/1/2009، وقال فيها إن الحكومة عطّلت العمل بقانون الاجتماعات العامة خلال الحرب على غزة، لكنها ستعود الآن إلى تطبيقه. تتعزز هذه الفرضية، مع ما أظهرته النشاطات الشعبية التي جرى تنظيمها أثناء الحرب، أي في غياب تطبيق قانون الاجتماعات العامة، من "حس وطني عالٍ"، و"انضباط" في ممارسة العمل العام، بحسب الفهم الأمني، بشكل لا يدع ضرورة لوضع شروط وقيود على حرية التعبير في نشاطات عامة، كتلك التي ينطوي عليها القانون الحالي، حين يشترط الحصول على موافقة حكومية مسبقة، عادة ما لا تتيسر. في هذا السياق، يبرز تساؤلان: هل يحق للحكومة أن تُخضع تطبيق القوانين النافذة، التي يحتكم لها المواطن والحكومة سواء بسواء، لرؤاها الخاصة وتفسيراتها، فتطبّقها متى تشاء، وتعطّلها متى تريد؟ ثم: ألا يثبت السلوك الحكومي إزاء قانون الاجتماعات العامة، على وجه الخصوص، أن هذا القانون الذي ظل مدار جدل منذ صدوره، لا ضرورة له، ويمكن الاستغناء عنه لصالح قانون جديد يزيل العقبات من أمام حرية التعبير؟ المحامي هاني الدحلة، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان/ فرع الأردن، يؤكد أن تعطيل القوانين النافذة هو سلوك غير دستوري، وغير جائز، ويرى أن القوانين غير الديمقراطية، من مثل قانون الاجتماعات العامة الحالي، يجب أن يُصار إلى إلغائها لا إلى تجميدها، إذا كانت الحكومة ترى أنها لا تخدم المصلحة العامة، فالقانون لا يجوز أن يكون عرضة لتقلب المزاج الحكومي. ورغم أن الدحلة يعتقد أن تعطيل القانون كان في محله، وأنه انطلق من رغبة الحكومة بمسايرة التوجه الشعبي، فإنه يرى في السلوك الجماهيري الذي اتسم بالانضباط، برغم عفويته، دليلاً على عدم وجود حاجة لتقييد حرية التعبير، ما يجعل تغيير قانون الاجتماعات العامة أمراً ملحاً. لكن النائب بسام حدادين، يفسر تصريحات الوزير بأنها "زلة لسان"، لأن ما قاله غير جائز بالمعنى السياسي والقانوني، فالقانون بحسب حدادين، لا يسمح بمزاجية التطبيق سواء أعجب الوزير أم لم يعجبه. رغم ذلك، يرى حدادين أن حالات التعبير الشعبي التي جرت رداً على الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تكن تحت سيطرة الحكومة، ولم تنتظر قراراً من الوزير، بل كانت عفوية بشكل دفع الحكومة لـ"غض الطرف" عن تطبيق قانون الاجتماعات العامة. وحول الدور الرقابي المفترض لمجلس النواب في حالة تعطيل القوانين، وما إذا كان المجلس سيُسائل الوزير على تصريحاته، يرى حدادين أن ليس ثمة ضرورة للتعامل مع الأمر على أنه أكثر من زلة لسان، مرجحاً أن يكون الوزير قد "خانه التعبير" ليس إلا. من جهة ثانية، لا يستدل حدادين من طبيعة السلوك الشعبي الإيجابي في التظاهرات، على أن كل النشاطات الشعبية ستكون كذلك بالضرورة في أية مناسبة أخرى، وأنه "لن يكون هناك خطر" دائماً. وبينما يؤكد على ضرورة تغيير القانون الحالي، لأن فيه "ثغرات كبيرة تحد من حرية التعبير وتجعل الحاكم الإداري يُخضع النشاط التعبيري إلى مزاج ومعايير متغيّرة وغير واضحة"، فإنه يرى أن السلوك الشعبي خلال أسابيع الحرب، ليس ذا دلالة في هذا السياق، فالحاجة لتغيير القانون قائمة قبل الحرب، ومقياسها هو مدى ديمقراطية القانون من عدمه. أما السياسي موسى المعايطة، الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي، الذي حُلّ بعد سريان قانون الأحزاب السياسية الجديد، فيستدل من تقلّب السلوك الحكومي إزاء قانون الاجتماعات العامة، على وجود حاجة موضوعية لتعديله، كونه "لا يلائم متطلبات الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي". لكن المعايطة، وبينما يبدي حذره من أن تؤدي المطالبة بتعطيل القوانين "غير الديمقراطية"، مثل قانون الاجتماعات العامة الحالي، إلى اتخاذها ذريعة للتعامل بمزاجية مع مجمل القوانين، فإنه يفسر سكوت النشطاء السياسيين على تعطيل القانون خلال فترة الحرب، بأنه يوافق رفضهم له، ذلك أن الدفاع عن أي قانون، إنما يكون مرهوناً بمدى ديمقراطيته، ومن غير الممكن المطالبة بتطبيق قانون غير ديمقراطي، لمجرد أنه قانون نافذ. يرى المعايطة أن المطالبات يجب أن تتجه إلى تعديل القوانين غير الديمقراطية، لا إلى تعطيلها، وذلك بالضغط على الحكومة من خلال البرلمان والأحزاب والنشطاء، فضلاً عن المطالبة بإيجاد جهة يُحتكم إليها في مدى ديمقراطية أي قانون، ودستوريته. الشاب رامي الظاهر، الناشط في حملة "اتحرك" الشبابية لمقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية، وهي إحدى النشاطات الشعبية التي ظهرت خلال الحرب، وينوي القائمون عليها الاستمرار فيها، يؤكد من جهته أن "الحملة" استفادت من لجوء الحكومة لتعطيل قانون الاجتماعات العامة، إذ نفذّت عدداً كبيراً من النشاطات، منها اعتصامات ومحاضرات وتوزيع منشورات، ساعدتها في الإعلان عن نفسها وكسب الناس إلى صفها، من دون أن تتعرض لمساءلة حكومية، بل ومن دون الحصول على ترخيص مسبق لأي نشاط. وبينما يرى الظاهر أن الحكومة لم يكن أمامها بديل نظراً للاندفاع الشعبي الهائل في رفض الحرب، فإنه يثني على هذا السلوك الحكومي، ويلاحظ أنه ينطوي على نوع من "الكرم"، بحسب تعبيره. على هذا لا يمكن الفصل بين سلوك الحكومة في تفعيل القانون أو تعطيله، وماهية ذلك القانون، إذ قد ينظر البعض للتعطيل أحياناً، برغم مخالفته لمبادئ الديمقراطية، على أنه "أهون الشرين"، إذا ما قيس بتفعيل يخالف روح الديمقراطية العتيدة!. |
|
|||||||||||||