العدد 60 - كتاب | ||||||||||||||
بين الصور الغزيرة التي تم بثها ونشرها لمحرقة غزة، هناك صورة نشرت الاثنين الماضي 19 كانون الثاني/يناير الجاري (اليوم التالي لوقف إطلاق النار)، تظهر شابين يتفقدان الأنقاض وقد استولى الفزع على أحد الشابين، بينما الآخر وضع راحتي يديه على وجهه من هول ما يرى. فيما جثة مسجاة قربه لا يلتفت إليها، بينما كانت أنظاره مصوبة نحو مفاجآت أخرى بين الركام. أولمرت الذي استضاف عدداً من القادة الغربيين على العشاء بعد اجتماعهم في شرم الشيخ الذي لم يُدعَ إليه.. أعرب عن أسفه العميق لسقوط الضحايا. وبدا هذا الصفيق واثقاً ومطمئناً بأن إعرابه عن الأسف لأول مرة، هو بمثابة تبرئة لذمته. سبق لهذا الشخص أن أعرب في ظروف سابقة وبعد مجازر مماثلة منها مجزرة بيت حانون، عن أسفه. فالقاتل عنده يكفيه التصريح بأسفه كي ينجو من المساءلة والعقاب، وكي يصطف مجدداً مع البشر الأسوياء. سيكون من الحمق الشديد إن لم يكون أسوأ منه، تمكين هذا الرقيع من الإفلات.. المعنوي إن لم يكن القانوني. وذلك هو الدرس الأول للمحرقة: ثمة قتلة محترفون مدمنون على الجريمة ينتحلون صفة سياسيين، في تل أبيب. أقل الواجب يقضي بالتعامل معهم باعتبارهم من منتحلي صفة، ثم مواجهتهم بما هم عليه. يستحق الأمر مغادرة التصنيفات القديمة لأولمرت، وباراك، وليفني، كاحتسابهم يميناً أو يميناً جديداً أو وسطاً.. التصنيف الذي كشفه سلوك هؤلاء هو أنهم: قتلة أولاً وثانياً وثالثاً. الابتعاد عن القتلة وتجنب مخالطتهم هو رأس الحكمة وأول المواقف إزاءهم، كما تقضي بذلك القواعد القانونية الأساسية. ذلك هو الدرس أو الاستخلاص الأول للمحرقة. يليه درس ثانٍ مفاده أن على الفلسطينيين والعرب، الشروع في مقاربة أخرى في السّجال مع هذا العدو النازي، بالتركيز على مآثر هذا العدو في إبادة العائلات، استهداف الأطفال والمسنين، قتل المسنين. البعد الإنساني يستحق إيلاءه اهتماماً أكبر وأعمق، فالدولة العبرية ليست مجرد دولة محتلة، بل كيان يمتهن التطهير العرقي بصورة منهجية. ذلك يتطلب تجاوز البُعد السياسي (الأصح تركه للسياسيين) المتعلق بالشرعية الدولية وحتى أحكام القانون الدولي، والانتقال الى مقاربات ذات صلة بمكافحة التمييز والعنصرية، وإرهاب الدولة المنظم،حتى لو ساجل من يشاء بأن الدولة العبرية دولة ديمقراطية.. لا حاجة لإنكار هذه الصفة عنها، الحاجة مُلحة لتبيان أن منظورها للديمقراطية أجاز لقادتها الخوض دون توقف في دماء المدنيين، وتجريب أسلحة محرمة عليهم، علماً بأن استخدام الأسلحة التقليدية محرم ضد المدنيين. إثارة التضامن الإنساني على أوسع نطاق، وتظهير صورة القادة الإسرائيليين كمجرمين ضد الإنسانية، يمثل واجباً قانونياً وأخلاقياً لا يمكن التهاود به. |
|
|||||||||||||