العدد 60 - أردني
 

عطاف الروضان

كما كان متوقعاً عقب رحيل مدير المخابرات السابق الفريق محمد الذهبي، تشهد الساحة النيابية إرهاصات معركة تصفية حسابات، وتراشق بالاتهامات، وصلت إلى حد المطالبة برحيل حكومة نادر الذهبي التي حصدت ثقة ذهبية غير مسبوقة لدى تشكيلها أواخر العام 2007 (97 صوتاً).

فبعد أداء حكومي نيابي منسجم لما يقارب السنة، ظهرت علانية قبل أسبوعين من نهاية الدورة البرلمانية، مواقف نيابية معارضة للحكومة بالجملة، أكدت صحة توقعات سابقة بأن الغطاء ربما رُفع عن الحكومة، ولذلك سيتجرأ النواب على انتقاد سياساتها وإبداء رأيهم بصراحة، بحسب الكاتب الصحفي سميح المعايطة.

المعايطة قال لـ«ے»: «بعد تغيير مدير المخابرات الذي كان يشكل حماية للرئيس، وأحياناً كان يسخّر لشقيقه نوابا وبعض وسائل الإعلام، وشخصيات سياسية، للسكوت عن أخطاء الحكومة، شعر كثير من الذين سكتوا الرئيس أو جاملوه، أنه الآن مستباح، وحكومته سهلة المنال، وهذا مؤشر سلبي للواقع السياسي المحلي».

المعايطه يضيف أسباباً أخرى للتحول النيابي، وهي: «عامل الخبرة البرلمانية التي اكتسبها نواب شعروا بضرورة الخروج من المظلة الحكومية، ورغبة بعضهم في تسجيل مواقف أمام قواعدهم الانتخابية، بخاصة خلال أحداث غزة».

النواب الإسلاميون لم يختلف خطابهم المعارض للحكومة، ولم يخرج عنه رئيس كتلة العمل الإسلامي، حمزة منصور، عندما قال في جلسة بداية الأسبوع: «ستطرح كتلة العمل الإسلامي الثقة بالحكومة مع عدد من النواب إذا لم تقم بقطع العلاقات مع إسرائيل».

منصور يرى أن «التحول في الموقف النيابي هو ردة فعل متوقعة لأحداث غزة»، مفضلاً «عدم الخوض في النوايا»، حسبما أوضح لـ«ے» رداً على سؤال حول ما قيل عن تأثير رحيل مدير المخابرات السابق على المواقف النيابية.

في سياق متصل، طالب النائب طارق خوري، عضو كتلة الإخاء الوطني، برحيل الحكومة، في خروج عن مواقفه المعهودة «المنسجمة» مع الحكومة.

هذا التحول قد تبرره دواع انتخابية لقاعدته، وهو تبرير لا يمكن توظيفه لتوضيح انتقاد الحكومة من نواب كانوا مصنفين كحلفاء مناصرين لها ولرئيسها، حين كان الفريق الذهبي على رأس عمله.

النائب عبدالرؤوف الروابدة قال إنه لم يقتنع بجواب رئيس الوزراء نادر الذهبي بـ«عدم وجود هيئة شبابية رسمية عاملة في الأردن باستثناء المجلس الأعلى للشباب»، وأضاف: «أنا على يقين من ذكاء دولة الرئيس، وأعتقد انه يعرف مرامي سؤالي، فكيف لم يسمع بهيئة محترمة (في إشارة إلى هيئة شباب «كلنا الأردن») كفؤة تقدم تقارير ممتازة ومفصلة حول كل منطقة من مناطق الوطن تُعرض أمام أعلى سلطة».

رؤساء الحكومات الخمسة السابقين بدءاً بالروابدة وانتهاءً بمعروف البخيت، واجهوا معارك جانبية بتأثيرات أمنية، كان وراءها اختلاف الرؤية للمفاصل السياسية في إدارة البلاد بينهم وبين مدير المخابرات في عهد كل منهم.

يبدو أن لدى الملك عبدالله الثاني الرغبة في إعادة مدير المخابرات إلى دوره الأمني، بتعيين اللواء محمد الرقاد الضابط المحترف، خلفاً للفريق محمد الذهبي.

فريق الذهبي الوزاري تعرض لانتقادات نيابية لاذعة، أبرزها ما ذهب إليه النائب زياد الشيوخ رئيس الكتلة الوطنية، بأن «هناك الكثير من شبهات الفساد في عطاءات وزارة الأشغال»، مبدياً عدم قناعته من جواب وزير الأشغال العامة والإسكان عن سؤاله حول الكلفة التي دُفعت إلى مراكز حدود المنطقة الخاصة في العقبة، معلناً تحويل سؤاله إلى «استجواب».

ما أشار اليه الشويخ هو عطاءات تعود الى العام 2001، أي بداية ولادة سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة، حيث استدعت الحاجة تنفيذ تلك المراكز ضمن مدة قصيرة وقياسية، وقد تم كل ذلك حسب الانظمة المعمول بها، وبعد الحصول على الموافقة من مجلس الوزراء.

بلغته التشاجرية المعهودة، انتقد النائب عبدالكريم الدغمي، وزيرة السياحة والآثار مها الخطيب، بسبب ما وصفه بـ«استهتارها» أثناء رد النائبين ناريمان الروسان وأحمد العتوم على جوابها المكتوب، مهدداً بـ«طرح الثقة بها في حال لم تقم بواجبها» كما قال.

وهدد الدغمي بقوله:«الاستهتار بالأسئلة النيابية التي تعد جزءاً من الرقابة البرلمانية على الحكومة ممنوع». مها الخطيب وزيرة السياحة، في تصريح خاص للسجل قالت: «لا يوجد أي مبرر لمداخلة الدغمي وأرجو ان يوضح النائب المحترم النص الدستوري الذي يجيز للمجلس طرح الثقة أو التهديد بها في وجه أي وزير اعتماداً على تعبيرات وجه الوزير أو الوزيرة».

لوحظ أن الدغمي، المحامي ووزير العدل الأسبق والبرلماني المخضرم، انتهج مقاربة مهادنة حيال موقف الحكومة من أزمة غزة، إذ أكد في حوار تلفزيوني أنه يقدّر الظروف والمحددات التي تعمل في ظلها السلطة التنفيذية.

حدة الخطاب النيابي في تلك الجلسة ظهرت واضحة، بإعلان عدد من النواب لا يتعدى أصابع اليد الواحدة فقط، باكتفائهم بالرد الحكومي على أسئلتهم، في حين جاءت ردود غالبية النواب منتقدة لردود الحكومة، وأعلن عدد من النواب تحويل أسئلتهم إلى استجواب فعلاً، أو لوحوا بذلك.

النائب ممدوح العبادي لا يرى تحولاً في الخطاب النيابي تجاه الحكومة، ويعتقد أن الإعلام ضخّم حدة الخطاب النيابي للحكومة في جلسة بداية الأسبوع، عازياً ذلك إلى «أن الجلسة كانت مخصصة للأسئلة والأجوبة، وأن كثيرا من هذه الأسئلة قُدمت قبل أشهر، وجاء الرد الحكومي عليها متأخراً، لكن موقف النائب من الوزير المختص لم يتغير، فهو لم يعبّر عنه إلا في الجلسة».

العبادي أشار أيضا إلى حقيقة يرى «أن الجميع يعرفونها»، وهي «اختلاف الموازين في المواقع المهمة»، إذ «تحرر النواب من تأثير تلك المواقع، فغيروا مواقفهم»، مفضّلاً عدم الخوض في التفاصيل.

في مقالة بعنوان «خلفية المشهد النيابي الراهن»، يعزو النائب بسام حدادين، التحول الكبير في أداء المجلس والاختلاف في مواقف أبرز أقطابه، إلى عاملين أساسيين؛ «الأول: هول الجريمة البشعة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة. وقد وجد النواب بهذا الحدث فرصة ذهبية, لتجميل الصورة المهزوزة أمام الرأي العام. أما العامل الثاني: رفع الغطاء الأمني عن مكونات المجلس، فلم يشهد مجلس النواب، تدخلاً في عمله، ولم يتلق النواب أي ضغط أو توجيه بأي اتجاه، على خلاف المألوف في مثل هذه الحالات». حدادين أقدم نائب في المجلس الحالي، إذ انتُخب للمرة الأولى في العام 1989.

النائب محمد أبو هديب يعيد الاختلال الواضح في أداء المجلس إلى «اصطفافات نيابية خاطئة أقصت كفاءات برلمانية عن مواقع صنع القرار، ما أفرز أداءً برلمانياً غير مألوف ومخالفاً للعمل البرلماني».

ينتقد أبو هديب إدارة الجلسات التي يقول إنها شهدت «فلتاناً، وعدم سيطرة على مجرياتها». ويتابع بالقول: «من لديه بعد نظر سياسي يعرف أننا في منطقة زاخرة بالمطبّات السياسية، لذا نحتاج إلى رجال وطن بعيداً عن الشللية والمصالح الخاصة».

التحولات والاحتقانات النيابية قد تخفّ حدّتها أثناء الإجازة البرلمانية التي تمتد لنحو أربعة أشهر، إلا أن نائباً فضّل عدم نشر اسمه أكد «أنه سيعاد صياغتها بالكامل، نحو واقع برلماني ربما يشهد عودة مفاتيح برلمانية مخضرمة للعب دورها من جديد في المقدمة، بعد أن تم إقصاؤها، لإعادة التوازن للمؤسسة التشريعية، وتحكيم السيطرة على بيتها الداخلي، للقيام بدورها في مساندة صناع القرار في مرحلة مقبلة بالغة الدقة».

يُذكر أن حكومة الذهبي حازت رضا شعبيا ونخبويا حسب نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية بعد مضي عام على تشكيلها، واعتبرها 76 في المئة من عينة قادة الرأي العام و62 في المئة من العينة الوطنية قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة. ويُنسب لهذه الحكومة أنها استعادت، بإسناد مدير المخابرات السابق الفريق محمد الذهبي، الولاية الدستورية للحكومات بعد انحسارها، على خلفية تمدد نفوذ رئيس الديوان السابق باسم عوض الله على مهام الحكومة، فقد تصدى له تيار كبير وضاغط، كان النواب قوامه الأساسي.

حكومة الذهبي بين “رفع الغطاء” ومواجهة “الحلفاء”
 
22-Jan-2009
 
العدد 60