العدد 60 - أردني
 

سعد حتّر

المصالحة المفاجئة في قمّة الكويت الاقتصادية على خطَّي السعودية-سورية، ومصر-قطر، غطّت عورة نظام عربي ممعن في الاستقطاب، وبالتالي حفظت ماء وجه «دول الاعتدال العربي» أمام شارع عربي غاضب حدود القهر حيال ضحايا الاجتياح الإسرائيلي لغزّة.

قبل ذلك التلاقي «تحت الأضواء»، بدت الدبلوماسية الأردنية فاقدة للمبادرة وشبه مغيبة عن الحراك في العواصم العربية، وبخاصة التحضيرات لقمة الدوحة الطارئة، ولقاء شرم الشيخ الموسع مع شركاء أوروبيين والأمم المتحدة. كذلك بدا الأداء باهتا ومفتقرا للمبادرة، بخلاف السنوات السابقة، حين ساهم الأردن في تشكيل مبادرات وخريطة طريق صوب السلام من رحم الدمار.

في الكويت ساهم الملك – الذي ظل بعيدا عن الاستقطاب العربي- في إحداث المصالحات. ويبدو أن الأردن فضلّ البقاء قرب مصر والسعودية»، على ما يلحظ رئيس الديوان الملكي الأسبق عدنان أبو عودة. يشارك أبو عودة في هذا الطرح رئيس تحرير «العرب اليوم» طاهر العدوان والمحلل السياسي فهد الخيطان.

وزير أسبق، لم يشأ الإفصاح عن هويته، يرى من جانبه أن «من الصعب قياس حراك الدبلوماسية الأردنية في ضوء غياب المعلومة، وعدم إشراك هيئات المجتمع المدني في تشكيل الاستراتيجيات».

أما مصالحة الكويت، فكانت «تكتيكا جلب الأضواء لإنجاح القمة الاقتصادية ولم تتغلغل مضامينه إلى الصياغات النهائية». ويخلص الوزير إلى أن الانجاز الوحيد تمثّل في أن «القمّة لم تنفجر فشلا في وجّه الأطراف المتضادة».

بتغيّبه عن الدوحة، يربط الأردن مصيره مجددا بما كان يعرف بـ"معسكر الاعتدال"، إذ يواصل رهانه على السعودية ومصر، وسط متغيرات مرتقبة بعد دخول باراك أوباما البيت الأبيض، بما فيها عزمه على كسر الجمود مع طهران ودمشق، ودخول القضية الفلسطينية متاهة جديدة، بصرف النظر عمن سيقود حكومة إسرائيل عقب الانتخابات المقررة في شباط/فبراير المقبل.

لذلك، كان الأَولى مشاركة المملكة، ولو رمزيا، في قمّة الدوحة «الثورية»، لإبقاء الباب مفتوحا مع قطبي «الممانعة»، سورية وقطر، ومن ورائهما إيران، التي عزّزت هيمنتها السياسية والعسكرية من العراق إلى غزة مرورا بجنوب لبنان. ذلك أن الغياب عن الدوحة يوسع الهوّة بين الخطاب الرسمي والتيار الشعبي، مع أن العدوان الإسرائيلي - الذي أعاد الجميع إلى المربع الأول- يستوجب رص الصف الداخلي في مواجهة المقبل من «مؤامرات». فتنويع الخيارات بات ضروريا، في ضوء تجاهل إسرائيل للاحتجاجات الرسمية الأردنية، وبطشها بسكان غزّة، ما يثير علامات استفهام حول نواياها حيال معاهدة السلام المبرمة بين البلدين منذ 1994.

تجلّت شكوك الأردن في تنبيه الملك عبد الله الثاني العربَ إلى وجود مؤامرة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وفي المحصلة تصدير الأزمة إلى شرقي النهر.

غياب الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس (أبو مازن) عن الدوحة، قد يجد تبريرا، بسبب الضغوط المتراكمة عليه، وحشره في مربع ما تبقّى من الضفّة الغربية. لكن انجرار الأردن إلى سياسة المحاور في الأزمة الأخيرة لم يكن مقنعا.

قبل المصالحة الأخيرة، سعت تنظيمات ودول لإقصاء بعضها بعضا، كرقعة الشطرنج، فيما دخلت تركيا على خط الوساطة على وقع الصواريخ الإسرائيلية. في المقابل تراجع دور مصر لينحسر في محاولة الوساطة بين إسرائيل وحماس.

في التحليل النهائي، تجاهلت أميركا وإسرائيل أكبر اللاعبين العرب حين وقّعت وزيرتا خارجية البلدين في واشنطن مذكرة تفاهم لوقف تهريب السلاح من الأراضي المصرية إلى داخل القطاع. فهل يحق لدولة احتلال وراعيتها رسم إستراتيجيات المنطقة بعيدا عن موافقة دولة بثقل مصر، تقع غزّة في خاصرتها الشمالية الغربية؟

مصر سارعت للتأكيد أنها غير معنية بمفاعيل تلك المذكرة. أحد بنود المذكرة الثنائية ينص على تخصيص «دعم» لمصر ودول عربية أخرى لم تعلن أسماؤها.

النائب ممدوح العبّادي تساءل تحت القبّة عن دور الدبلوماسية الأردنية في غمرة الحراك العربي والدولي. الناشط الحزبي والوزير الأسبق قال للنواب: «على مدى أسبوعين بحثت عن تحرك أردني في اتجاه واضح، لكنني لم أجد سوى الدعوات إلى وقف العدوان وتسيير قوافل المساعدات الإنسانية».

قبل أن يستدير العرب نحو «بوس لحى» تحت الأضواء في الكويت، بدا المشهد غارقا في الاستقطاب بين محوري السعودية-مصر، وسورية-قطر، بإسناد إيراني.

فهل كان الأردن على علم مسبق بذلك التقارب؟ وإلى أي حد سيحاول الدفع باتجاه التوازن بين خيار المقاومة الفلسطينية وإحياء فرص السلام، وبخاصة المبادرة العربية؟

الملك شارك في قمّة شرم الشيخ، ثم قمة الكويت الاقتصادية، بعد أيام من قمّتي الدوحة ومجلس التعاون الخليجي الطارئة. لا بل كان أحد أقطاب القمّة المصغرة التي دشّنت المصالحة.

يقول مسؤولون إن الأردن مشى وسط حقل ألغام، وسعى إلى عدم إغضاب الدوحة أو السعودية – أقرب حلفائه ورافعته المالية. بنيت تلك التوازنات خلال اتصالات هاتفية -سبقت حمّى القمم- مع كل من الدوحة، الرياض والقاهرة.

كان يمكن للأردن فرض هامش مناورة، مثل حضور قمّة الدوحة كلاعب إقليمي له صلة مباشرة بعواقب انهيار مفاوضات السلام. في البال اضطرار الأردن لإيفاد ممثله لدى الجامعة العربية آنذاك عمر الرفاعي إلى قمّة دمشق ربيع العام الماضي، بدلا من وزير الخارجية، وذلك استجابة لرغبة الرياض- التي كانت على مسار تصادمي مع القيادة السورية في ذلك الوقت.

في المقابل أصاب الأردن، حين شارك على مستوى القيادة في قمّة شرم الشيخ لامتصاص عتب مصري تراكم في غمرة السماح لمسيرات غاضبة أطلقت هتافات تندد بالرئيس مبارك من الاقتراب من السفارة المصرية في عمّان.

ما يتسرب من جدال من المؤسسات الرسمية، يؤشر إلى تداخل المرجعيات، بينما تقف الحكومة في غالبية الأحيان في الجانب المتلقي. من هنا ربما ساهم التأني في إعلان القرارات أو التواري خلف الالتزام بـ"لإجماع العربي.. إن وجد"، في إنقاذ الأردن من حرج الاستقطاب. يكشف مسؤولون أن الأردن أوشك على الإعلان عن مشاركته في قمة الدوحة على مستوى القيادة، ثم تراجع في اللحظة الأخيرة بسبب تسارع الوقائع. فدعوة السعودية إلى قمة مجلس التعاون الخليجي، غيرّت الآراء في ربع الساعة الأخيرة. وقد تكون تلك القمّة رتبت أمر المصالحة في الكويت.

عمّان، التي تسعى للخروج من لعبة محورَي "الممانعة" و"الاعتدال" بأقل قدر من الخسائر، تجد نفسها مضطرة للاستجابة لضغوط محور الاعتدال، لكن بعد أن قدمّت عذرها للمعسكر الآخر، من خلال القنوات الخلفية.

مع ذلك أثرّت هذه الحيرة سلباً في التناغم بين السلطة والشارع، الذي حثّ الحكومة على حضور قمّة الدوحة، الأقرب إلى انفعالات الجماهير من المغرب إلى البحرين. التحدّي المقبل يكمن في البناء على مصالحة الكويت وعكسها على القيادات الفلسطينية المنقسمة، وصولا إلى حكومة وحدة وطنية. بخلاف ذلك ستظل إسرائيل جاثمة على صدور الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وستدس أنفها – للمفارقة - في مشاريع إعادة إعمار غزّة بعد أن دمرّتها.

ضعف الأداء مقروناً بتداخل المرجعيات: الدبلوماسية الأردنية ظلّت في الظل من الدوحة إلى الكويت
 
22-Jan-2009
 
العدد 60