العدد 60 - أردني | ||||||||||||||
عدي الريماوي تتعالى أصوات تطالب بمقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية، كلما قامت حرب في الشرق الأوسط، سواء قادتها إسرائيل أو أميركا، وتبدأ الدعوات لترك كل ما له علاقة بالعلامات التجارية الأميركية من قريب أو بعيد، وينشط القائمون على هذه الفكرة الدعوة إلى المقاطعة والحث عليها، بصفتها أقل ما يمكن عمله لدعم من يتعرضون للعدوان هنا أو هناك وتضامنا معهم. مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، تعالت الأصوات مجدداً داعية إلى مقاطعة البضائع الأميركية، ولوحظ التركيز هذه المرة على مقهى «ستاربكس»، الذي يشهد إقبالاً كبيراً من شريحة الشبان، ومطعم ماكدونالدز» الذي يعد من أشهر مطاعم الوجبات السريعة في الأردن، الذي شهد كثيراً من التظاهرات على أبواب فروعه، إضافة إلى العديد من المنتجات والبضائع الأميركية، ومنها تلك المحلية التي تحوز على علامات تجارية أجنبية. يقول شاهر سلوادي، عضو لجنة «اتحرك» لمقاطعة البضائع الأميركية، إن» المبادرة انطلقت للتفاعل مع الشباب والطلاب، ومن أهم أهدافها تفعيل مقاطعة البضائع الأميركية، «نعمل على إرساء تكتل اجتماعي والقيام باجتماعات واعتصامات، أمام المحلات الأميركية، للعمل على نشر فكرة المقاطعة وتفعيلها بين الناس». وفي رده على الفكرة التي كثيرا ما تطرح بأن هذه المطاعم شركات أردنية جزء من الاقتصاد الوطني قال إن «هذه المطاعم تقوم بمنافسة المطاعم المحلية والمضاربة عليها .» وفكرة سلوادي تنطلق من أن رأس المال الأردني غير قادر على منافسة هذه المطاعم التي تستند إلى رأسمال عالمي وكبير. وعن قيام مثل هذه المطاعم بتوفير فرص عمل للمواطنين من خلال تشغيل الطلاب والشباب الأردنيين يقول سلوادي: «إنهم يقومون باستغلال الشبان من خلال أجور منخفضة دون تأمين صحي أو ضمان اجتماعي. هؤلاء الشبان يمكنهم العمل في مطاعم محلية، بدلاً من هذه المطاعم الأميركية». وهو يؤكد أن الهدف النهائي لمثل هذه الحملة هو إرساء ثقافة محلية تعمل على زيادة الطلب على المنتجات المحلية، بدلاً من الاعتماد على المطاعم والمقاهي الغربية. ترد المطاعم الأميركية عبر مواقعها الإلكترونية الحملة على ما يجري، فالموقع العربي لمطعم ماكدونالدز يستقبل المتصفح بصفحته الأولى بهذا الرد «إننا شركات تجارية مساهمة لا تتدخل أو تدعم أبداً أي نشاط سياسي أو ديني، في أي بلد أو منطقة في العالم، كما أن المطاعم مملوكة ومدارة بالكامل من قبل رجال أعمال مسلمين، وبرؤوس أموال واستثمارات محلية 100 في المئة». .هذا الرد لا يقنع كثيرا من الزبائن، وهو ما يفسر الدعوات المتكررة للمقاطعة كلما وقع حدث جديد على جبهة المواجهة مع إسرائيل أو أميركا، فعلى مدى أيام العدوان الإسرائيلي على غزة، شهد الكثير من المطاعم والمقاهي الأميركية تراجعاً كبيراً في المبيعات، وبدا هذا واضحاً من خلال الصالات التي بدت فارغة من الزبائن. للشعوب العربية تاريخ طويل في الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأميركية والإسرائيلية، تعود إلى العام 1967، فبعد الهزيمة في حرب حزيران، انطلقت دعوات لمقاطعة البضائع الأميركية والبريطانية، ووصل الأمر لدى كثيرين بأن غطوا الجزء الإنجليزي من لوحات سياراتهم، وفي العام 2000 وبعد انطلاق الانتفاضة الثانية في الأراضي المحتلة، لاقت المطالبات بالمقاطعة تجاوباً كبيراً ، ما سبب تراجعاً واضحاً لمبيعات عدد كبير من المطاعم الأميركية في عمان ومدن عربية أخرى، ما دفع بعضها على حد قول لجان المقاطعة، مثل مطعم ماكدونالدز إلى إغلاق فرعه في منطقة وسط البلد، أو العمل على إطلاق عروض جديدة في محاولة لجذب الزبائن. وعمد كثير منها مثل شركات بيبسي وكوكا كولا، إلى إطلاق مشاريع وطنية للحد من حوادث السير مثلاً، أو التبرع للجمعيات خيرية ومدارس. ونتج عن هذه المقاطعة انتشار منتجات محلية وعربية بديلة لمثل هذه المطاعم والمنتجات. وفي العام 2005 وبعد قضية الرسوم المسيئة للرسول التي نشرت في بعض الصحف الأوروبية، انتشرت دعوات لمقاطعة البضائع الدنماركية والأوروبية، فكان لمقاطعة بضائع هذه الدول، أثر كبير على شركائها، وخصوصاً في دول الخليج، وظهر هذا واضحاً في تصريحات متحدث باسم شركة «أرلا فودز»، التي تعد من أكبر الشركات المصدرة للسعودية، عندما أكد تراجع مبيعات شركته في الخليج، ما سبب صعوبات مالية كبيرة لشركته، وباقي الشركات الدنماركية. وتختلف آراء الشبان تجاه هذه المقاطعة، فتقول «مروة»، طالبة في الجامعة الأردنية، إن جميع الأموال تصب في الحسابات الأوروبية والأميركية، «مقاطعة بضائعهم هي أقوى سلاح لدينا، يجب أن نعتمد على إنتاجنا المحلي ونبتعد عن هذه المطاعم والمنتجات»، وهي ترى أن على الجميع مقاطعة مثل هذه المطاعم لكسر سلسلة هذه الشركات العالمية. أما عبد القادر، طبيب الأسنان الشاب،t يدعي أن هذه المطاعم تساعد إسرائيل علناً، وتتبرع بمبالغ ضخمة للجيش الإسرائيلي كل عام، «إحنا هيك بندعم اللي بقتلوا إخوانا، وكل هاد لأنا ما بنقدر نعيش بلا مكدونالز ولا ستاربكس» . لكن لدى نسبة من الشبان رأي آخر. علي، الذي يعمل مبرمجاً في إحدى شركات الكمبيوتر، يقول إن مقاطعة الشركات الأردنية التي تحمل علامة تجارية أميركية أمر غير مجد، «يجب أن نبحث عن الوسائل الحقيقية لدعم إخواننا في غزة، لا أريد أن أقطع رزق أولاد بلدي، بحجة أنني أريد دعم غزة». ويؤكد أنه لا يدعو للشراء من هذه المحلات، لكنه يعارض فكرة الدعوة إلى مقاطعتها، «مشاكلنا أكبر بكثير من مجرد مطاعم أميركية، علينا تركيز جهودنا تجاه أمور أكثر فائدة، مثل الضغط لطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء معاهدة عربة». إبراهيم علوش، أستاذ الاقتصاد في جامعة الزيتونة، يقول إن للمقاطعة فوائد عديدة منها اقتصادية وثقافية وسياسية، « يتمثل الجانب السياسي بإرسال رسالة إلى الحكومة الأميركية عبر الشركات، تبين رفض الشعب العربي لمواقفه الداعمة لإسرائيل، فالنظام الأميركي، كما هو معروف، قائم على الشركات الكبرى. ويظهر الجانب الثقافي من خلال تبني نمط الحياة الأميركية، من خلال منتجات مثل «ماكدونالدز» و«كوكا كولا» و«مالبورو»، ومنتجات أخرى، إضافة إلى الفائدة الاقتصادية الأهم التي تضعف هذه الشركات وتعمل على تشجيع الصناعات المحلية». ويتحدث علوش عن توزيع الأسواق، «إن هناك أسواقاً رئيسية في الوطن العربي هي: مصر والسعودية والإمارات، وباقي الدول العربية تشكل معاً سوقاً ثانوية، والشركات التي تروج منتجاتها في هذه الأسواق، تتأثر، بشكل واضح، كما تحول المستهلكون العرب عنها، واستبدلوها بمنتجات محلية». ويؤكد أن الهدف من المقاطعة ليس إرسال رسالة سياسية آنية، كما يفعل الكثير من المقاطعين الآن، وإنما إرسائها كنظام حياة للوصول إلى اقتصاد قوي مدعوم بالكامل من المصانع والمنتجات المحلية. تنشط الدعوات للمقاطعة وقت الأزمات والحروب، ولكنها تخفت بعد انتهاء الحدث الذي أطلقها، فتغدو كأنها أمر طارئ لا تظهر نتائجه على المدى البعيد، وهذا ما يعمل عليه بعضهم لإدامتها. |
|
|||||||||||||