العدد 60 - أردني | ||||||||||||||
عدي الريماوي مع بدء الحرب على غزة في أواخر العام الماضي، طرأ العديد من التغيرات على نمط الحياة في مختلف مناطق المملكة، فقد لوحظ عزوف الناس عن الخروج إلا في الحالات الضرورية، وغابت الزحمة عن الشوارع وبات الوضع كئيبا في فترة المساء، وتحول الكثير من المقاهي والمطاعم إلى فتح التلفزيونات المثبتة في أركانها على القنوات الإخبارية، وعمد كثيرون إلى البقاء في منازلهم ومتابعة الأخبار في غرف المعيشة. بات معظم، إن لم تكن جميع أحاديث الناس، تتمحور حول ما يحدث في غزة وآخر ما مر بها من تطورات، مع تجمع عائلات بأكملها أمام التلفاز. في بيت أبو العز، الذي يمتلك معرضاً للسيارات، ويسكن في المدينة الرياضية، يقول الأب إن أخبار غزة تطغى على كل شيء آخر، «كيف بدنا نحط على غير الأخبار، الناس بتتقتل، معقول نحضر أفلام أو مسلسلات؟» وأم العز تجلس دائماً مع زوجها لمتابعة الأخبار، وبدأ أطفالها بتقليدها بذلك، لكنها تقول أنه لا يجوز جلوس الأطفال لمشاهدة كل هذه المناظر الدموية،» بحاول أبعدهم بكل طريقة، بلهيهم بأي شي ولا يظلهم يتفرجوا على هالمناظر الله يعين الناس اللي هناك، بس أنا صرت بخاف عالولاد من التلفزيون». الشبان في العائلة أيضا، باتوا معتادين على متابعة الأخبار، فالحديث عن حرب غزة أصبح الشغل الشاغل لديهم، وطغت أخبار تزايد عدد الشهداء وعدد الصواريخ التي تطلقها حركات المقاومة، على أية أخبار أخرى يتناقلونها بينهم. «لأول مرة صرنا نحضر أخبار، ونحط عالجزيرة طول الوقت»، يقول عمار الذي يدرس في الجامعة الأردنية، أنه لم يعتد متابعة الأخبار قبلاً، لكنه مع صعوبة الأحداث لم يعد يقدر أن يشاهد أي شيء آخر، «مشاهد القتل والدمار، بتسد النفس عن كل إشي». يعلق طارق، الذي ينتظر نتائج امتحان التوجيهي بقوله: «لقد حدثت نقلة في تفكير الشباب، فهم لأول مرة يفكرون بما يحدث للأمة، وهم يسعون طوال الوقت لابتكار وسائل لنصرة أهل القطاع، لم نعتد هذا الأمر قبلاً». وهو يرى أن هذه المواضيع ليست سياسة، وإنما هم أخواننا وأقاربنا. في حين يستغرب حماد، القادم من العراق منذ أوائل القرن الحالي، بأنه عند غزو العراق في 2003، لم يكن هناك تجاوب كهذا التجاوب، «ما كنت بسمع حدا بيسألني عن أقاربي هناك، كلنا عرب ومسلمون، ولكن الواضح أن فلسطين لها معزة خاصة في قلوب الجميع». ويقول ذياب البداينة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الحسين بن طلال، إن الأحداث التي جرت في غزة كانت جذرية، وانعكاساتها كبيرة على المجتمع الأردني ومختلف المجتمعات العربية، «المجازر جرى بثها على الهواء مباشرة، وكان للصورة أثر كبير في نقل الخبر، فتولد لدى الناس امتعاض وقهر كبيرين، وساد شعور من العجز لدى الجميع وهم يرون إخوتهم يقتلون كل يوم، من دون أن يكون في إمكانهم فعل شيء». يلاحظ البداينة أن ردود الفعل الرسمية لم تكن في مستوى الحدث، بعكس الاستجابة الشعبية التي تولد عنها كثير من الفعاليات».، «ستؤثر هذه الأحداث على مستويات الولاء والانتماء في الوطن العربي، فالموقف الرسمي الفلسطيني كما العربي، لم يكن مرضياً، وكل هذا أثر في نفسية المواطن الأردني والعربي، وخلق في المقابل فكر الصمود والمقاومة على مختلف أنواعها». يقول البداينةويحذر من أن مثل هذه الأحداث تدفع الناس إلى تأييد جماعات المقاومة و«غير المقاومة»، بعدما تبين لهم أن الجيش الإسرائيلي لن تهزمه الأنظمة، وإنما ستهزمه المقاومة والشعوب الصامدة. المحال التجارية شهدت تراجعاً في المبيعات، مع عزوف الناس عن الشراء وملازمة البيوت طوال الوقت. قاسم، يمتلك محل لبيع ملابس الأطفال يقول: «لم تعد الناس تقبل على الشراء، فما يحدث في غزة أبعد الناس عن كل شيء، كنا ننتظر موسماً مزهراً مع بداية العام، ولكن الإيرادات قلت، ومعظم المحلات موردها الوحيد هواستيفاء الديون من الآخرين». في حين يقول عصام، صاحب كوفي شوب في منطقة الصويفية، إن زبائن المقهى قد قلوا بنسبة 40 في المئة،» كما قل الإقبال بشكل عام على المقاهي، «إحنا بنفتح على قناة الجزيرة بس بدون صوت، الناس فيهم يقرأوا المانشيتات، وبعضهم بحكولنا غيروا القناة إحنا تعبنا من المشاهد الصعبة».ويؤكد عصام بأن عملهم الأساسي، كمقهى، هو الترويح عن الناس والتخفيف عنهم، «إحنا فاتحين كوفي شوب للناس اللي عندها «سترس» وتعبانة طول اليوم، أنا ما بقدر ما أحط أغاني، وأجبر الناس إنهم كلهم يحضروا الجزيرة. بنحاول نكون متوازنين». تأثير الأحداث ,وصل إلى الأطفال وألعابهم، ففي الحارات بدأ بعض الأطفال يتبادلون الأدوار ما بينهم، فيلعب بعضهم تارة دور الجندي الإسرائيلي الذي عادة ما يقتل سريعاً، في حين يلعب آخرون دور جنود المقاومة الذين يبقون لآخر اللعبة دائماً. ويعلق محمد حباشنة، اختصاصي الطب النفسي، أن تأثير ما حدث سيكون كبيراً على نفسية الطفل، «ما يحدث هو إقحام عقل الطفل في حالة استثنائية، يشاهد فيها صور الدمار والقتل، بدلاً من الرسوم المتحركة والبرامج الخفيفة. وحتى عندما يرسم الطفل فإن لون الأسود المتشائم، ولون الدم الأحمر بدأ يطغى على ألوانه. يجب الحرص أن لا تتولد لديهم مخاوف وكبت نفسي، وما يسمى بشعور الصدم». يحذر الحباشنة، ويعلق بأنه لا بد من خلق الوعي لدى الطفل بالقضية العربية، «هذا يجب أن يتحقق بالكلام والإرشاد ليس بإظهار الصور ومشاهد الدمار التي نشاهدها على مختلف وسائل الإعلام، حتى لا تتولد مشاعر عدوانية لدى الطفل، فلا يؤذي بها أعداءه فحسب إنما يؤذي أخوته وأبناء وطنه». |
|
|||||||||||||