العدد 60 - أردني
 

دلال سلامة

«هناك جانب آخر من القصة»، هذا ما تقوله وينكي وليامسون، البريطانية المقيمة في الأردن منذ أحد عشر عاما، وتعمل خبيرة تنمية مستقلة، فهي نظمت يوم السابع عشر من كانون الثاني/يناير الجاري سوقا خيريا لدعم غزة.

في كل مواجهة يكون هناك من يصور الأمر على أن هنالك حربا بين العرب والغرب، أو بين المسلمين واليهود، ولكن الأمر ليس كذلك، فعلى حد قول وليامسون «الأمر ليس متعلقا بغزة فقط، إنه متعلق بحقوق الإنسان التي يجب ألا تنتهك لا في غزة، ولا في أي مكان آخر من العالم».

وليامسون التي تشارك في برامج تنمية بالتنسيق مع وكالات تابعة للأمم المتحدة والمنظمات الأهلية وجهات أخرى من المتبرعين مثل: الاتحاد الأوروبي والوكالة الكندية للتنمية الدولية وغيرها، هي أيضا عضو في منظمة بيئية تطلق على نفسها اسم التحالف الأخضر، ولها مجموعة أهداف معلنة على موقع المنظمة على الشبكة. هذه الأهداف هي: التقليل من استعمال الأشياء، إعادة استعمالها، وإعادة تدويرها، ولكن الهدف الأهم هو: إعادة التفكير.

إعادة التفكير في المسلمات والأفكار الجاهزة، ومنها الفكرة التي تعزز العداء للغرب والغربيين عندما تصورهم على أنهم حلفاء لإسرائيل.

وليامسون تقول: «يجب ألا نضع الحكومات والشعوب في سلة واحدة، ومن يقرأ الصحافة البريطانية يجد أن هناك الآلاف من البريطانيين الذين تظاهروا ضد إسرائيل لنصرة غزة، والصحافة نفسها استخدمت لغة قاسية ضد إسرائيل».

السوق التي نظمتها وينكي مع مجموعتها المكونة من عرب وأجانب أغلبيتهم من النساء، وأقيمت في مقر جمعية الشابات المسيحيات، ضمت منتجات زراعية ومعجنات ومشغولات يدوية وكتبا وأدوات منزلية تبرع بها أصحابها، وانقسمت مساهمات الناس إلى نوعين فهناك من تبرع بكامل الثمن لصالح غزة، وهناك من تبرع بما نسبته 10 في المئة من المبيعات.

السوق كانت قد بدأت تشهد حضورا كثيفا على الفور، وكان حالها حال الكثير من الفعاليات التي أقيمت لنصرة غزة، قد حققت هدفا آخر غير الهدف المعلن عنه، أي التضامن مع غزة، لقد حقق التضامن بين أفراد المجتمع نفسه، فكان المكان يغص بأشخاص من جنسيات مختلفة، أديان مختلفة، وأجيال مختلفة. كانت هناك أيضا فتيات وشباب متطوعون يعملون جنبا إلى جنب ويساعدون في التنظيم. المنتجات نفسها كانت شاهدة على هذا التضامن، فتجاورت أطباق ال (Muffin) والـ (Cookies)

مع أرغفة (أقراص العيد) التي خبزتها في ساحة الجمعية قرويات جئن من أماكن مختلفة للمشاركة.

وخلال بضع ساعات كانت المنظمة قد جمعت 5550 ديناراً ستذهب جميعها لشراء معدات طبية. هذا النجاح هو ما سيدعو إلى تكرار الفكرة خلال ثلاثة أسابيع، ذلك أنه كما تقول وليامسون «بعد ثلاثة أسابيع ستكون غزة بحاجة إلى المال أيضا».

بام الطباع أميركية متزوجة من أردني منذ العام 1980، وأم لثلاثة أبناء، كانت في الولايات المتحدة عندما بدأ العدوان، ولم تدرك، بسبب نوعية التغطية الإعلامية الأميركية للحدث، مدى سوء الأمر إلا عندما عادت إلى الأردن يوم الرابع من كانون الثاني/يناير الجاري «لقد كنت دائما مصابة بخيبة أمل من موقف الحكومة الأميركية من القضية الفلسطينية، وأشعر كمواطنة أميركية ترفض السياسة التي تتبعها حكومتها تجاه الشرق الأوسط، أن من واجبي أن أساهم بما أقدر عليه من أجل المساعدة في غزة».

وتقول إن هناك في أميركا من يشعر بذلك أيضا، رغم أن التظاهرات هناك أقل من مثيلاتها في أوروبا ومناطق أخرى من العالم.

اشتركت بام في الأسبوع الذي أقامته (كنغز أكاديمي) لدعم غزة، وتم فيه جمع المال لشراء معدات طبية أرسلت هناك.

كما أنها من قام بالتنظيم والبيع في القسم الذي كان مخصصا للأكاديمية في سوق غزة الذي أقامته منظمة التحالف الأخضر، وفيه تم بيع كتب تبرعت بها مكتبة الأكاديمية، بالإضافة إلى مجموعة من الأغراض المنزلية كانت بام مع مجموعة من أصدقائها ومعارفها وموظفي الأكاديمية قد ساهموا بجمعها والتبرع بها.

ما تريد بام فعله في المستقبل القريب هو السفر إلى غزة، وهي تقوم الآن مع مجموعة من أصدقائها بإجراء اتصالات مع الصليب الأحمر الفلسطيني من أجل إنجاز المهمة.

بام التي درست تاريخ الفن تسعى أيضا مع مجموعة من المهتمين إلى إنشاء متحف النكبة، وهو متحف سيضم الأشياء التي تخلد ذكرى النكبة من خرائط ومفاتيح بيوت فلسطينية قديمة وقوائم بالمدن الفلسطينية التي دمرت ومطرزات. وما دفعها إلى العمل على إنشاء هذا المتحف هو أنها كانت دائما تعتقد «أن من حق الفلسطينيين أن يكون لهم متحف حي يذكر بمأساتهم، على غرار المتحف الذي يخلد المحرقة اليهودية في العاصمة الأمريكية واشنطن». وبحسب تعبيرها فإن «هذا هو الوقت المناسب تماماً لذلك».

لم تقتصر الفعاليات على جمع المال وشراء المعدات الطبية، فهناك من تبرع بفنه أيضاً.

نقابة المهندسين الأردنيين ساهمت بإقامة جدارية أطلق عليها اسم «جدارية الصمود» واشترك في إنجازها 32 فنانا من دول عربية وأجنبية، منهم جاكلين تيلر من الولايات المتحدة وكلارا امادو من إسبانيا والكويتكلير شبرد وآشلي آشفورد من بريطانيا.

استمر العمل في الجدارية ثلاثة أيام وقسمت إلى 32 قسما، مساحة كل منها 120 سم، وقام كل فنان بالتعبير عن تضامنه مع غزة بأسلوبه الخاص، وستعرض في الأردن، ثم تنقل لتعرض في مجموعة من الدول العربية والعالمية.

آشلي آشفورد، الذي جاء من بريطانيا خصيصا للمشاركة في الجدارية يقول «أنا فنان ومن واجبي أن أوظف فني في أي موقف يخدم حقوق الإنسان».

آشفورد، الذي يعتقد أن لديه مسؤولية التعبير عن رفضه لما يجري في غزة، يقول إنه ليس وحيدا في موقفه هذا « أنا أمثل كثيرين من مواطني بلدي وغيره من البلدان الغربية، من الذين يؤرقهم ما يجري في غزة وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام».

الملاحظ أن الفعاليات التي نظمت لم تكن فقط على مستوى منظمات أو جمعيات، كانت هناك فعاليات صغيرة وشخصية كالذي فعلته آيفيس ناصر، وهي أميركية متزوجة من أردني وأم لأربعة أبناء، آيفيس التي وصفت ما يحدث في غزة ب« المذبحة» وقالت «يجب أن يكون سلام، فهذه الحرب لن تكون الأخيرة». نظمت إفطارا جماعيا لمجموعة بلغت أربعين شخصا من الأصدقاء والمعارف، فتحت أثناءها الباب لحملة تبرعات صغيرة.

الإيطالية كلارا تقول إنها لا تستطيع منع نفسها من التعامل مع المأساة بصفتها مأساتها الشخصية، لأنها تضع نفسها في مكان أمهات هؤلاء الأطفال، القتلى منهم والذين يشهدون القتل.

كلارا لم تكتف بالمشاركة في جمع التبرعات من داخل الأردن بل جندت عائلتها وأصدقاءها في إيطاليا عندما أرسلت للجميع رسالة إلكترونية عنوانها (هكذا احتفل أطفال غزة بالأعياد):

«أرفقت بالرسائل مجموعة من الصور الفظيعة التي نشرتها وسائل الإعلام، ومنها صورة الطفلة التي أطل رأسها وحده من بين أنقاض منزلها».

الجانب الآخر من القصة: غربيون يتضامنون مع غزة
 
22-Jan-2009
 
العدد 60