العدد 60 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير بدأ شاعراً، لكنه بدل أن يرتقي المنابر بتلك الصفة، اختار أن يرتقيها خطيباً. وبقي الشعر حاضراً في وجدانه كلما عنّ له القريض. يحرص النائب الاسلامي حمزة منصور على أناقته، ويمتاز بصوته الجهوري وبشاشته. تبعد قرية "المنسي" بضعة كليومترات عن حيفا، حيث رأى النور في العام 1944، ولا تعدو النكبة 1948 في ذاكرة الولد الذي لم يكمل الرابعة من عمره إلا أطيافاً سوداء. والده، عباس حسن منصور، مزارع من ملاكي الأراضي في مرج بن عامر. "أهم ما أخذته من والدي صفة المروءة، واستعداده لدفع حياته ثمناً لقضية يؤمن بعدالتها حتى لو كانت فردية، أما أمي فتميزت بانكبابها على عبادة فريدة وعمل دائب لا يركن إلى هدوء". مشاهد اللجوء: عائلات يتناهبها الإرهاب والطرقات الغريبة، تنغرز أرجل أطفالها ونسوتها في الطين، جوعى، يلوذون بخيام أقيمت كيفما اتفق في مهب كل الرياح. "المرحلة كنت صعبة بحق، فالإنسان حين يخلف كل ما يمتلكه وراءه، ويلتجئ إلى مخيم في ظروف غاية في القسوة والسوء، تتفجر المعاناة، لكنا لم نستسلم". أقامت العائلة في مخيم جنين، حيث درس في مدرسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، ثم عرجت على مخيم الكرامة قبل أن تنتقل للإقامة في إربد، التي أكمل دراسته فيها في مدرسة حسن كامل الصباح، ونال التوجيهي في العام 1962. أحب اللغة العربية منذ نعومة أظفاره، وانكب يقرأ من آدابها، ودرج على قراءة تغريبة بني هلال في ديوان عشيرته. مرة أخرى يعبر النهر غرباً، شاداً الرحال إلى دار المعلمين في العروب، دارساً فيها عاماً دراسياً واحداً تحولت بعده إلى مدرسة زراعية في العام 1963. فانتقل إلى معهد المعلمين في حوارة وتخرج فيه العام 1964. من حوارة إلى معان، حيث عُين مدرساً "للغة العربية والتربية الإسلامية والاجتماعيات" في الثانوية التي تحمل اسم المدينة الجنوبية، وهناك بدأ توجهه الفكري الإسلامي بالتبلور. "تزامنت فترة وجودي في معان مع الحكم بالإعدام على الشهيد سيد قطب، ما دفعني الى قراءة كتبه، ومن ضمنها الكتاب الذي أعدم من أجله (معالم في الطريق)، والتفسير المتميز (في ظلال القرآن)". لعب الشيخ فهمي كريشان وعلي أبو هلالة (والد ياسر أبو هلالة)، ومحمد عبد الوهاب، وثلة من شبان "الإخوان" دوراً في التأثير في توجهاته الفكرية، ورأى فيهم "قدوة للإنسان المسلم". ما حضّه على طلب الانضمام للجماعة. "منذ ذلك التاريخ وأنا أحمل رسالة الجماعة تصورا وسلوكا ودعوة". عشقه للغة العربية دفعه لدراستها في جامعة بيروت العربية انتساباً، ونال البكالوريوس في العام 1975. مشواره مع التعليم استمر في الجامعة الأردنية بدبلوم في التربية العام 1977، ثم الماجستير في العام 1984. تزوج مبكراً بعد تخرجه مباشرة، وله من الأبناء 13، ستة أبناء وسبع بنات، أكبرهم عاصم. تنقل إبان عمله الطويل في التربية مدرساً ومديراً بين مدارس معان وسحاب وعمّان، وكان آخر قسم عمل به في مركز الوزارة "محو الأمية وتعليم الكبار". حين لاحت بوادر عودة الديمقراطية في العام 1989، طلب إحالته إلى التقاعد ليترشح للانتخابات النيابية عن الدائرة الرابعة، ذات الثقل العشائري، لكنه فاز بحجم أصوات فاق الأربعة آلاف. عُين عضوا في اللجنة التحضيرية لإنشاء حزب جبهة العمل الاسلامي (25 عضوا)، مطلع التسعينيات. وهو عضو في الهيئة التأسيسية، وحافظ على مقعده في المكتب التنفيذي للحزب حتى العام 2006، غداة انتخابه رئيسا لمجلس الشورى، حيث "لا يجوز الجمع بين عضويتَي المكتب التنفيذي ومجلس الشورى". عاد في برلمان 1993 عن مقعد في الدائرة الثانية، وتكررت الحال في انتخابات 2007. وكان قاطع الانتخابات التزاماً بقرار مقاطعة الإسلاميين في 1997، كما امتثل لقرار استثناء قيادة الحزب والجماعة من الترشح في انتخابات 2003، غداة كان أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي 2002-2006. يشغل حالياً منصب رئيس الكتلة الإسلامية في مجلس النواب. يصنفه إعلاميون معتدلا، محسوبا على تيار الحمائم، بيد أنه يجادل بعدم قناعته بوجود تيارين في الجماعة، فـ"قد تكون هناك مواقف صقورية ومواقف حمائمية حتى لدى الشخص الواحد". يؤمن بـ"المرونة السياسية، وبقوة المواقف، حينما يتعلق الأمر بعقيدة الأمة وبقضاياها المصيرية في فلسطين والعراق". قال قيادي سابق في الحركة بحقه: "أظن به خيراً"، ولم يزد حرفاً، تاركاً لابتسامته المعبرة أن تفسر ما لا يفسَّر. يعدّه صحفي متخصص بمتابعة الحركة الإسلامية "خطيبا مفوها، توافقيا، قريبا من تياري الصقور والحمائم، ومقبولا من كليهما، لهذا السبب يجرى فرزه للانتخابات بأريحية، ويحصد الفوز بسهولة". اصطدم مع رئيس الوزراء عبد السلام المجالي في العام 1993، حين كان الإسلاميون ضمن لجنة التعبئة الوطنية للدفاع عن العراق التي ترأسها سليمان عرار، إذ قررت اللجنة تنظيم مظاهرة في وسط البلد، ورفضت الحكومة الطلب، ما دعاهم إلى طلب اللقاء مع المجالي الذي أصر على موقفه. فقال منصور، نائب رئيس اللجنة مخاطباً "دولته": "هذا الإصرار يصطدم بإرادة الأردنيين، مما قد يترتب عليه عواقب وخيمة". فرد المجالي: "أتهددني؟". فأجابه:" لا أهدد، لكني أحذر من موقع مسؤوليتي الوطنية". فاستشاط المجالي غضباً قائلاً: "أنا الحكومة". فأجابه أعضاء اللجنة: "ونحن الشعب". "المسيرة التي سارت من دون ترخيص، جرى منعها بعد أن تحول وسط البلد إلى ما يشبه ثكنة عسكرية، وجرت مضايقتي حين حاولت إلقاء بيان المسيرة بالدفع والإيذاء، كما اعتُقلت لساعات في مركز أمن الحسين برفقة عدد من الإخوان" . يستذكر للحكومة إياها أيضا إقرار مجلس النواب الثاني عشر معاهدة وادي عربة في العام 1994، "تعرضنا لضغوط شديدة في المنابر والمساجد، وحاولنا ككتلة اسلامية (17 نائباً)، أن نفشل النصاب، لكنا حين تيقّنا من اكتماله دخلنا إلى القاعة، لكي لا يقال إن مجلس النواب وافق بالإجماع على المعاهدة". حين يرتد طرفه وراء، إلى العروب تحديداً، يستذكر بدايته الشعرية، حيث استهوته الأوزان والقوافي وعرائس الخيال التي لا تهب من "عبقر"، لكنه اختار في مقبل أيامه أن يقدم العمل الدعوي على الشعر، لدرجة أن أحد العارفين بأمره قال له: " لقد كانت لك موهبة شعرية متميزة، لكنك شكمتها". من شعره في مؤسس حركة حماس أحمد ياسين: قالوا: قعيد، قلت أنتم مقعدون عن الحمية والشيخ أحمد رائد الرواد والهمم العلية يرنو إلى العلياء دوماً بابتسامته الرضية وكفاه فخراً أنه رد الهوية للقضية مشاغله كنائب كثيرة، لكنه يبدأ يومه بقراءة القرآن وتدبره، ومثله أذكار الصباح والمساء، قبل أن يعرج على قراءة الصحافة اليومية والأسبوعية، فضلا عن التحضير لخطبة الجمعة. فهو خطيب من العام 1970. مُنع من الخطابة مرتين في زمن الديمقراطية، استمرت الثانية لثمان سنوات قبل أن يعود مؤخراً لتسلق المنبر. |
|
|||||||||||||