العدد 60 - اقتصادي
 

محمد علاونة

ينتظرون دورهم للتفتيش بالقرب من ساحة لا تتجاوز مساحتها 200 متر مربع، مصطفين في طابور يمتد عدة أمتار، بمركباتهم القديمة صفراء اللون الممتلئة ببضائع متنوعة، والتي تحمل لوحات سورية كتب عليها: «نقل خارجي».

المسؤولون يشيرون إليهم بالتقدم نحو مسارب كتب عليها «مسرب البحارة الأول»، وبجانبه «مسرب البحارة الثاني».

المشهد السابق هو مشهد توريد بضائع من دول مجاورة مثل: سورية، والعراق، والسعودية تقدر بملايين الدنانير لا تخضع لضرائب ورسوم واقعية، ولا تدخل في حسابات الناتج المحلي الإجمالي. إنه أبرز أوجه اقتصاد الظل الذي يسبب هدراً في الجسم الاقتصادي، ينتج على الأغلب، سلعاً تباع بأسعار زهيدة، ما يؤثر سلباً في الاقتصاد الوطني، من خلال انخفاض إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم، التي تساهم في صورة كبيرة في خفض عجز الموازنة، كما أن ذلك الاقتصاد يعكس رقماً غير واقعي للناتج المحلي الإجمالي الذي ينعكس على الأرقام والمؤشرات الاقتصادية.

المشهد الأكثر وضوحاً الحدود الأردنية مع سورية، عندما يفاجأ القادمون من سورية بوجود مسارب مختلفة منها ما كتب عليه مسرب للدبلوماسيين ومسرب للقادمين وآخر مخصص لهؤلاء الذين يدخلون البضائع.

اقتصاد الظل، بحسب ما يعرفه الخبير الاقتصادي غسان معمر: «هو كل نشاط اقتصادي غير قانوني، سواء كان يمس مسائل مشروعة من الناحية الأخلاقية والنظامية العامة أو غير مشروعة، أي مجمل الأنشطة التي لا تتم تحت مظلة القانون وشفافيته».

أحد السائقين يؤكد بأنه تاجر، يعبر الحدود الأردنية السورية مرتين يومياً، وأن لديه ما يبيعه على الطرف الآخر؛ يقصد منطقة الرمثا.

السائق الشاب، الذي طلب عدم نشر اسمه، يؤكد بأن هنالك كثيراً ممن يمتهنون مهنته فيقومون بإدخال بضائع عبر الحدود مع استيفاء الرسوم الجمركية التي غالباً ما تخضع للتخمين، وهو تخمين يقل كثيراً عن التخمين الحقيقي الذي عادة ما يتم في مراكز جمركية داخل العاصمة.

البضائع التي «يتاجر» بها الشاب من شتى الأنواع والأصناف، بدءاً من المواد الغذائية؛ خضار، فواكه، حلويات، مشروبات غازية، مروراً بالملابس والإكسسوارات؛ ملابس داخلية، أثواب أفراح، أدوات زينة، وأخيراً قطع غيار مركبات وسجائر.

وجه آخر لاقتصاد الظل يتمثل في حجم الإنفاق الذي يزيد كثيراً على الإيرادات، ما يدل على وجود حيز كبير من الأنشطة الاقتصادية غير المقيّمة تقييماً دقيقاً والتي تتم في إطار اقتصاد الظل، وقد تكون بعض أنشطة اقتصاد الظل مشروعة، ولكنها غير قانونية فهناك فرق بين ما هو مشروع وما هو قانوني، فتداول السلع في الأسواق التي تم إدخالها عبر الحدود أو من ميناء العقبة برسوم جمركية ضئيلة أو من دون رسوم على الإطلاق هي عملية مشروعة لأنها دخلت من بوابة الجمارك وخضعت للتخمين، ولكن عملية التخمين التي قد تنتهي برسوم مخفضة جدا، أو بالإعفاء، عملية غير قانونية لأنها تمت خارج إطار القانون، في حين أن التهريب بأشكاله كافة يعتبر غير شرعي.

يقدر معمر نسبة اقتصاد الظل في الأردن إلى قيمة الناتج المحلي الإجمالي بما يراوح بين 20 و30 في المائة. وهو يعزو الفارق الكبير في النسبة إلى غياب أي مصدر رسمي أو غير رسمي موثوق به قام بدراسته وتحديده.

يذكر أن وزارة المالية توقعت أن يصل حجم الناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي بالأسعار الجارية إلى 12.863 بليون دينار العام 2008.

مدير حماية الانتاج الوطني السابق بهاء العرموطي، اتفق مع تقديرات معمر بأن اقتصاد الظل يصل إلى 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، وأضاف في حديث أجرته معه «ے» أن مسألة العمال الوافدين غير المرخصين الذين قدرهم بالآلاف يندرجون في إطار العمل في اقتصاد الظل. ورد العرموطي أسباب تهريب السلع إلى ارتفاع الرسوم الجمركية والضرائب، ما يدفع كثيرين للحصول عليها بطرق غير مشروعة.

كما أن القوانين التي تدير العمالة الوافدة، وتتمثل في صعوبات يواجهها العاملون الوافدون في إقاماتهم وارتفاع الرسوم المفروضة عليهم، يدفعهم للتهرب من إصدار تصاريح ويعملون بدون ترخيص، منضمين بذلك إلى اقتصاد الظل.

من أبرز أسباب التهريب، كما يقول معمر، استمرار الدولة في احتكار استيراد الدخان مع التقصير في تأمين كميات كافية لاستهلاك السوق المحلية ووجود بطالة تدفع كثيرين لممارسة نشاطات فاسدة لتأمين لقمة عيشهم، ووجود بعض من يقومون بحماية نشاط التهريب أو المشاركة فيه لتحقيق ثراء سريع وسهل، وهو ما يراه معمر واضحاً في الأسواق، حيث إن في الإمكان الحصول على أي سلعة كهربائية أو غذائية بأسعار مخفضة، فهي لم تخضع لرسوم جمركية أو ضرائب.

البضائع المذكورة غالباً ما تنتشر في الأسواق الشعبية ولدى عدد من المحال التجارية متوسطة الحجم، إضافة إلى أن عمليات البيع والشراء تتم ما بين المعارف، أي بإمكان شريحة من المستهلكين طلبها والتوصية على إحضارها من الخارج، بحسب معمر، لكنه، مع تأكيده أن ذلك مخالف للقانون، يرى وجها آخر لهذا الاقتصاد، يتمثل في إمكان المستهلكين الحصول على سلع بأسعار مناسبة، حتى وإن كانت مهربة، وذلك في ظل موجة غلاء طاولت معظم السلع.

اقتصاد الظل في الأردن، وإن تمثل في عمليات تهريب البضائع أو التهرب الضريبي، فإنه لم يصل مرحلة الخطر بعد، على اعتبار أن أوجهه في دول أخرى مثل: مصر، ولبنان، وسورية، قد تكون أكثر تعقيداً.

فمثلاً من الأمور التي تفعل فعلها في اقتصاديات الظل، الممارسات غير القانونية، على الرغم من أنها ممارسات قانونية في معظم بلاد العالم، وتفرض عليها الضرائب وهي: «الدعارة».

فمع زيادة الانفتاح السياحي انتعشت «صناعة الدعارة» التي أصبحت من العناصر الجاذبة للسياح العرب والأجانب.

الخبير الاقتصادي محمد البشير، يرى أن القوانين الأردنية، تضع حداً لذلك الاقتصاد الخفي، وذلك من خلال منظومة القوانين التي تتميز بقدر جيد من الليبرالية، فمن المعروف أنه كلما كانت القوانين أكثر ليبرالية ضيق ذلك من حجم اقتصاد الظل، وبالعكس، كلما كانت القوانين أكثر صرامة اتسعت رقعة اقتصاد الظل. ويتفق معمر مع ما ذهب إليه البشير بالقول إن تلك الممارسات في الأردن ما زالت غير مصنفة كظواهر كما يرى، لكنه بيّن بأن حصة كبرى من عمل «الملاهي الليلية» و«البارات» و«المقاهي»، تندرج في زاوية اقتصاد الظل، كونها لا تخضع لمراقبة حثيثة من حيث الحسابات والضرائب، ويتم تداول ملايين الدنانير في داخلها سنوياً، من دون أن تدرج في موازنات تلك المحال، في صورة «بغشيش» وإكراميات ومبالغات في دفع أسعار الخدمات.

الأرقام الرسمية الأخيرة الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة أشارت إلى أن متوسط الدخل السنوي للأسرة على مستوى المملكة بلغ 6220 ديناراً، بينما بلغ متوسط الإنفاق على السلع والخدمات 7550 ديناراً. ويرى البشير أن لهذين الرقمين دلالة مهمة، حيث أن الفرق بينهما يتمثل في وجود أموال متداولة لا تخضع للرقابة وبعيدة عن حسابات الضرائب، وذلك على الرغم من وجود أموال أخرى إضافية، مثل تحويلات العاملين في الخارج، أو تسهيلات بنكية حصل عليها المواطنون.

ويضرب البشير مثالاً على ذلك بقضية المتعاملين في البورصات العالمية التي أثيرت أخيرا، وكشفت عن وجود إيداعات بملايين الدنانير لدى أصحاب مكاتب، ليس لديهم تراخيص أصلاً، كونهم قاموا باستقطاب إيداعات مستثمرين لغايات الاتجار بالعملات والأسهم، مع غياب قانون واضح بهذا الشأن، فهم يعملون في اقتصاد الظل.

ويعد التهرب الضريبي من أكثر الأشكال التي يقتات عليها اقتصاد الظل، فهو ينشأ بدافع تحقيق مزيد من المال، ولكن بطرق غير مشروعة، مع ما لذلك من تأثير على خزينة الدولة.

في الشكل الحالي للتحصيل الضريبي، تعتمد الحكومة على ضريبة المبيعات أكثر من ضريبة الدخل، وهو بحسب البشير، ما يخلق متسعاً لمزيد من التهرب، لكن البشير يرى مبالغة في تقديرات التهرب الضريبي، والتي قدرها نواب في وقت سابق بنصف بليون دينار، بينما يضع البشير سقفا لها بنحو 120 مليون دينار سنوياً.

اقتصاد الظل: أموال ضائعة بين الدخل المعلن والإنفاق الحقيقي للمواطنين
 
22-Jan-2009
 
العدد 60