العدد 60 - اعلامي
 

وتيرة تغطية الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية والإعلام الرسمي (التلفزيون وبترا)، حافظت على سياقها المعهود منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حتى إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار من جانب واحد ابتداء من فجر 18 كانون الثاني/ يناير.

جنحت يوميات ومنها «الدستور» نحو عناوين قريبة من واقع معركة غزة، ومن يقودها ، وهذا ما فعلته «الغد» أيضا في بعض أعدادها، بيد أن «العرب اليوم» و«الرأي» حاولتا قدر

الإمكان الابتعاد عن من يقود في غزة، والتركيز على ما يجري من أجل نصرتها.

يعتقد صحفي مطلع أن اليوميات جنحت، في بعض الأحيان، أثناء التغطية إلى الشعبوية حينا، وتأثرت أحياناً أخرى بما تطرحه قيادة (حماس)، باعتبار أن هذه معركة يجب أن يتم شحذ الهمم فيها.

صحف يومية ومنها «الغد» واصلت تخصيص النصف الأول من صفحتها الأولى لصورة كبيرة، مع عناوين تتعلق بآخر التطورات في القطاع والجهود الدبلوماسية لإنهاء العدوان، وغابت المواضيع المحلية الأخرى، باستثناء ما يتعلق بالموضوع الرئيسي.

حافظت الصحيفة نفسها على نشر ملف كامل في صفحاتها الداخلية بعنوان «العدوان على غزة» ضم ما بين 6 و7 صفحات يومية.

لم يختلف وضع يومية «الرأي»، من حيث متابعة آخر التطورات، وإن كانت الصورة المختارة في الصفحة الأولى أقل حجماً من صورة «الغد»، وتتعلق بعض الأحيان بأوضاع داخلية ذات صلة بما يجري.

استثمرت «الرأي» أجزاء الصحيفة، فوزعت أخبارها الداخلية المهمة على ملاحقها المختلفة، ولم تغفل على صفحتها الأولى أخباراً داخلية ليست ذات علاقة بالعدوان على غزة.

أما يومية «الدستور»، فقد التقت في التغطية مع قريناتها من حيث توسيع المساحة الممنوحة لأخبار العدوان، والتركيز على النشاطات المحلية المختلفة، والتوسع في نشر أخبار المحافظات والفعاليات التي كانت تتم فيها.

«الدستور» أصدرت ملصقاً (بوستر) يعبّر عن التضامن مع أهالي القطاع، جاء فيه: «كلنا فداك يا غزة»، وتميزت بصور واضحة، حول المجازر التي خلفتها آلة البطش الإسرائيلية.

يومية «العرب اليوم» لم تغب الحرب على القطاع عن عناوينها الرئيسية، والتقت مع «الغد» في نشر صور ملونة ذات حجم كبير، ومع «الرأي» و«الدستور» في التركيز على الفعاليات اليومية المحلية في مفاصل معينة.

يرى صحفيون تحرجوا من نشر أسمائهم، أن يومية «الغد» توسعت كثيراً في نشر صور احتوت على أشلاء لأطفال ونساء، فيما يرى مقربون من هيئة تحرير الصحيفة أن تلك الصور تعبّر عن حقيقة ما ارتكبته آلة البطش الإسرائيلية، وبالتالي لا يجوز إخفاؤها عن العالم، الذي تغيب عن العديد من وسائل إعلامه مثل تلك المشاهد.

مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووكالة بترا عمدتا إلى نقل الأخبار الواردة من وكالات أنباء. التلفزيون استقبل تقارير من مندوبة له على الأرض، كما تعامل مع الحدث بشكل مقبول، واستضافة محللين ومتابعين للحديث عن الأوضاع.

المواقع الإلكترونية، كما اليوميات والإعلام الرسمي، اعتمدت الطريقة والآلية نفسها في نقل الأحداث، بيد أن الإعلامي محمد عمر يعتقد أنه كان يمكن لتلك المواقع الإفادة كثيراً من التقنية التكنولوجية لها، وأن تنقل الحدث بشكل أوسع للمواطن من خلال اعتماد تقنيات حديثة من أهمها «المواطن الصحفي»، الذي ينقل ما يجري في مواقع متعددة عبر الرصد والتحليل ومن موقع الحدث. يقول عمر: «هذه المواقع، جميعها، واكبت الحدث ساعة بساعة، وبسقف حرية أعلى كثيراً من الوسائل الأخرى، لكنها حرمت نفسها وجمهورها من استثمار خصائص الصحافة الإلكترونية وقيمها».

ما ظهر على الصفحات الأولى في اليوميات عبّر عن قناعات ومواقف هيئات تحريرها تجاه ما يجري في القطاع، وعن المنظور المهني لتغطية العدوان الإسرائيلي على غزة، فضلاً عن أن التفاوت الذي ظهر في مفاصل معينة ظل محدوداً. مثلا عنونت «الغد» في اليوم التاسع من العدوان صفحتها الأولى بعنوان جاء فيه «الأردنيون: لا سفارة إسرائيلية على أرض عربية»، وهو ما اختلفت فيه مع قريناتها من حيث الموقف، وإن كانت التفاصيل الداخلية هي نفسها في الصحف الأخرى.

المقالات التي نشرت في الصحف والمواقع الإلكترونية كان أكثرها ناقداً لمواقف أطراف عربية، ومحللاً لسيناريوهات ممكنة عند نهاية الحرب دون الدخول في «زبدة الحدث»، ولهذا غابت مقالات تتناول خطابات زعماء المقاومة وقادتها، وكثرت مقالات ترسم صورة عامة دون أن تسنتتج منها موقفاً واضحاً.

لعل نشر موقع «عمون» الإلكتروني مقالة بقلم مدير التحرير في يومية «الرأي» عصام قضماني، انتقد فيها ظهور رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل، وعدم نشر المقالة في «الرأي»، يدلل على عزوف اليوميات عن نشر مقالات ذات صفة نقدية مباشرة.

تتحفظ إدارات الصحف، وحتى الكتّاب أنفسهم، عن الغوص في الحديث حول منع مقالات نقدية خلال فترة العدوان، بيد أن مقربين من هيئات تحرير اليوميات يؤكدون أن مقالات معينة لم يُجز نشرها خلال تلك الفترة، نظراً لاشتعال المعركة على الأرض، وحرص هيئات تحرير الصحف على تجنب النقد المباشر في هذه المرحلة.

هذا الأمر يفسره الرد الذي كتبه الصحفي عمر كلاب على مقالة قضماني، وقد احتوت الكثير من عبارت النقد، ووصلت في بعض المقاطع حد التجريح والاتهام.

قال قضماني في مقالته معلقاً على أول ظهور لمشعل: «لم أحصل إلا على كلمات.. كلمات تلد كلمات، كلمات تفتح على لا شيء إلا على عتمة.. في زمن لم تعد فيه شمعة تقوى على قهر الظلام (....) يستسقي النصر بينما يتدفق شلال الدم في مكان آخر، فحماس لم تخسر إلا أقل القليل! بينما ما زالت جثث الشهداء وآلاف الجرحى دونها عصية على العد... فأي احتفال هذا.. يغيب عنه أبطاله.. وُقوده أطفال وشيوخ ونساء.. وأعجب فهناك من يجد متسعا للنشوة ..إنها صورة مختلطة حقا.. متداخلة حقاً.. متشابكة حقا.. متناقضة حقاً.. في كل شيء إلا من المشهد».

«العاطفية» هي ما اتسمت به تغطية الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية لاجتياح غزة، كما يقول خبير إعلامي، دون التركيز على جوانب أخرى من العدوان، أو تحليل مجرياته وأسبابه وآفاقه.

الحرب على غزة: تغطية كثيفة لليوميات واستخدام واسع للصورة
 
22-Jan-2009
 
العدد 60