العدد 60 - ثقافي
 

مراجعة: نليدا فوكارو*

بتركيزه على العلاقة بين الحكام المحليين والمسؤولين البريطانيين، يتابع كتاب ميريام جويس التطور السياسي لمشيخات الخليج المحمية من جانب بريطانيا، بين العامين 1960 و1969، وبالتالي خلفية الانسحاب البريطاني من المنطقة في العام 1971.

هذا العقد الحاسم أنهى عملية تفكيك المستعمرات البريطانية في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية، وفتح الباب أمام تشكيل تجمع للدول العربية التي كان لأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية أن تنمو بقوة في السنوات الآتية.

يتبع سرد كتاب «شيوخ في الحكم وحكومة صاحبة الجلالة» وبنيته نظاماً من التراتب الزمني الصارم، فالفصول الخمسة الأولى «الإمارات المتصالحة» الاسم الذي كانت تعرف به دولة الإمارات العربية المتحدة قبل استقلالها في العام 1971، («قطر»، «البحرين»، «الكويت» و«عُمان») تتناول التطورات التي حدثت بين 1960 و1967، يتلوها فصلان يعالجان العامين 1968 و1969 (العام 1968 هو عام «القرار» و«العد التنازلي للانسحاب» على التوالي)، حيث يتناول الأخير/ وبالتفصيل/ المفاوضات الفاشلة لتشكيل اتحاد إقليمي يشمل سبعاً من الإمارات المتصالحة، وقطر والبحرين. وتتتبع خلاصة قصيرة (ص 144 – 148) خطة تتعلق بفصول سابقة تركز على أحداث تؤدي إلى استقلال البحرين في تموز/يوليو 1971، وتشكيل الإمارات العربية المتحدة في كانون الأول /ديسمبر من ذلك العام.

رغم الترتيب الزمني، فإن اختيار المؤلفة للتحقيب ليس شارحاً من تلقاء نفسه، ولا هو مقنع في صورة خاصة، والأساس المنطقي ليس واضحاً في متن الكتاب ولا في المقدمة أو الخلاصة. والعام 1960 نقطة بداية محيرة، بخاصة إذا أخذنا في الحسبان التطورات التالية في السياسة الإقليمية التي كانت مرتبطة في صورة وثيقة ببروز النظم العربية «التقدمية» في الخمسينيات، والتي كان لها أثر تقويضي على قوة بريطانيا والمشايخ في المنطقة. كما أن من المحير أيضاً ذلك القرار بإنهاء الكتاب فجأة عند العام 1969، ما يعيق طرح تفسير مؤثر (أو إعادة تفسير) للظروف التي أدت إلى رحيل بريطانيا العظمى من المنطقة بعد ذلك بعامين.

استفادت جويس كثيراً من استخدام السجلات الدبلوماسية، وبخاصة المواد الموجودة في مكتب الشؤون الخارجية البريطانية، التي استُكملت ببعض المراجع من الأرشيف الوطني الأميركي، لذا فإن عدم دقة تفسير نصوص وخلفيات الوثائق تجعل نثر جويس يبدو وكأنه من بقايا ملخصات مكتب الشؤون الخارجية.

من الطبيعي أن التقييم الناتج يتعاطف عموماً مع الحكومة البريطانية، كما أنه محشو بتسجيلات مكثفة للأصوات والأحداث. ورغم أن هذا يمنح القارئ تقديرا فوريا لعدد من القضايا التي شكلت الروتين اليومي للسياسة الخليجية (من المهم إلى التافه)، فإن هيمنة الحكايات تجعل من الصعب الإمساك بالخيط الرئيسي لجدل جويس. وهكذا، فإن هنالك القليل من السياقية، أو عدم السياقية، في تقديم الاتجاهات السياسية في المنطقة في الخمسينيات والستينيات، ومناقشتها تواجه معوقات عبر الاعتماد الكبير للمؤلفة على قراءتها التفصيلية للمصادر الأولية. مثلا، ليس هنالك من نقاش تفصيلي أو ذي معنى لأثر القومية العربية في حكام الخليج، والذي كان حاسما لفهم استراتيجيتهم تجاه ممثلي الحكومة البريطانية.

لا تقدم جويس أي خلفية عن أنشطة قادة لجنة الاتحاد الوطني في البحرين، التي كانت أكثر التنظيمات السياسية الجماهيرية نفوذا في الخمسينيات، وهي لا تحظى بأكثر من ذكر عابر (ص 55 - 56). بالمثل، فإن المؤلفة تمر مروراً عابراً على جبهة تحرير ظفار في عُمان (ص 99). وتستخدم في المقابل مواد ثانوية القيمة بحذر شديد، وغالباً في المقدمة، وليس هنالك ببليوغرافيا. رغم أن الأدبيات الأكاديمية التي تعالج تلك الفترة ليست وافرة، فإن قراءتها النقدية (على الأقل في المقدمة) كان يمكن لها أن تقود تطور الكتاب بحسب الموضوعة.

مثلما يشير عنوان الكتاب، فإن «شيوخ في الحكم وحكومة صاحبة الجلالة» يهتم أيضاً بالجانب الآخر من المعادلة الإمبريالية؛ اللاعبين السياسيين المحليين. ويتميز تصوير المؤلفة للشيوخ البارزين بغلبة الكليشيهات والتعميم السهل، وهذا يعود في جزء كبير منه إلى أن الأحكام البريطانية مأخوذة من تقييمات سطحية. الأمر نفسه ينطبق على النصوص الفرعية المتضمنة تشخيصات لجويس والمنشورة على مدى الكتاب. في بعض الأجزاء، يبرز هذا بوضوح أكبر كما في حالة صقر بن محمد القاسمي، «الحاكم الذكي والمفكر لرأس الخيمة» (ص 13)، والذي كان اهتمامه في مشاريع التطوير محل إطراء من جانب المراقبين البريطانيين والأجانب على حد سواء.

وكما يعرف المتخصصون المهتمون بالمنطقة جيداً، فإن من الصعوبة بمكان إدخال وثائق أصلية من الجانب العربي، هذا إن توافرت أصلاً. وعلى أي حال، فإن الثقافة السياسية الخليجية تستحق بعض التدقيق وكثيراً من الدرس. وما فسره المسؤولون البريطانيون بوصفه سذاجة وجهلاً أو محافظة كان أمراً متناسباً مع آليات سياسة القوة التي قننت البنى السياسية الأصلية وعلاقاتها داخل الأسر الحاكمة.

باختصار، لا يقدم هذا الكتاب سوى القليل من إعادة تفسير الأسباب التي من أجلها تركت بريطانيا العظمى المنطقة، بخاصة من وجهة نظر الحكام المحليين. وللأسباب المذكورة آنفاً، فإنه غير مناسب للقارئ العادي أو للطالب، فالأول لن يستوعب أهمية الأحداث في سياق أشمل؛ والأخير سوف يجد نفسه أمام كتابة تاريخية غير نقدية. وقد يجد المتخصصون بالمنطقة بعض المعلومات المفيدة حول بدايات التدخلات الأميركية في الخليج، ومادة أصلية حول بلاغة التطور التي طبعت السياسة البريطانية في مطلع عملية التحديث النفطي، وهو موضوع بقي مهملاً حتى الآن.

إن اهتمام الشيوخ المحليين برفاء رعاياهم من خلال إعادة توزيع الثروة، كان آخر تعبير عن «مهمة التحضير» القديمة للإمبراطورية، في الوقت الذي تستجيب فيه لحاجات بريطانيا الضاغطة للانفكاك عن المنطقة.

* قسم التاريخ، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، جامعة لندن، لندنبالتعاون مع:

المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

بدايات التدخلات الأميركية في الخليج
 
22-Jan-2009
 
العدد 60